كان حلما. ثم أصبح أمنية. أن تتحرر مصر من ذلك النظام. ثم أصبحت الأمنية مطلبا ملحاً. وتجسدت المطالب. فأصبحت ثورة. من لم يعش تفاصيلها فقد فاته الكثير. الكثير من رؤية هذا الشعب العظيم. شعب بداخله جين الإمبراطورية. وللإمبراطوريات شعوب خاصة استثنائية. علي رأسهم الشعب المصري. البداية لم يع أحد. في نظام كفر مصيلحة. بأن الثورة الرابعة قد بدأت بعد تسيد الثورة الصناعية التي انتهت بخلق حروب لتعمل الشركات الكبري في الولاياتالمتحدةالأمريكية وتنتعش خزائنها. بدأت الثورة التكنولوجية في الظهور. ولكل ثورة رجال. وأنظمة جديدة. وأسواق جديدة - فكانت ثورة الفيس بوك وجوجل وتويتر. وكان لابد من التغيير العالمي. لم ينتبه أحد إلي أول زيارة للرئيس الأمريكي الفيلسوف خريج هارفارد. كان إلي مصر. إلي جامعة القاهرة. ولتلك دلالة بالغة. أول جامعة أهلية في العالم العربي. أنشئت بتبرع الأهالي عام 1907 وهناك خطب عبدالناصر والسادات. لم ينطق مبارك فيها كلمة، وهذا هو السر في العقليات. تعرف ماذا تقول. وأين. ومتي. قال أوباما خطابه الشهير. الذي حلله المحللون العباقرة. بأنه خطاب محبط. وبأنه بداية للتصالح مع الشعوب الإسلامية. فيما حلل آخرون كيف كان أوباما يقرأ الخطاب حتي إن وزير الإعلام المأسوف عليه ظهر في برنامجه المأسوف عليه «مصر النهارده» ليشرح بأن أوباما كان يلقي خطابه وأمامه علي الجانبين شاشتان من الليزر يقرأ منهما - لاحظ عقلية وزير الإعلام والذين معه - لكن أوباما، حقيقة الأمر. قال خطابا تاريخيا تحقق بالحرف الواحد بعد عدة سنوات. خارطة طريق. وبدأها بأن علي مصر أن تقود الديمقراطية في العالم العربي. ولم ينتبه أحد كما لم ينتبه أحد لزيارة الرجل للمساجد. لم تكن صدفة أن يذهب الرجل لمساجد الصوفيين. لأن هذا هو الإسلام الذي يريده الغرب. ولم يزر الأزهر. وهو نفس ما فعله الدكتور البرادعي. عندما زار الحسين وصلي الجمعة هناك ولم يذهب إلي الأزهر. لأن الأزهر عند الغرب. جهادي منه تخرج الثورات والمظاهرات. كان آخرها خطبة عبدالناصر الشهيرة وقت حرب العدوان الثلاثي. إذن دعونا نتفق أنه لاشيء صدفة في السياسة. (2) ليلة انتخابات الكونجرس. كنت أجلس علي مقهي عمر الخيام في الزمالك بصحبة صديقي الجميل وأخي الأكبر إبراهيم منصور. وكنا لتونا قد اختطفت منا جريدة الدستور وكنت واحدا من كتابها. كل الكتيبة أصبحت بقدرة قادر في الشارع. كتيبة كانت تدك النظام في عز قوته وعنفوانه. وقد وجدت مع إبراهيم شابا يجلس بوجه غاضب. وتعرفت عليه. وهو ناصر عبدالحميد أحد شباب كفاية ثم ائتلاف جمعية التغيير وأحد الملاصقين للدكتور البرادعي. وقد دار الحوار بيني وبين ناصر عن الدكتور البرادعي. الشاب كان متحمساً: قليل الخبرة السياسية الكبري. وذلك بحكم السن. والقرب من البرادعي. ذكرت له كيف كانت تحركات البرادعي. وكيف جاء. وأنه يتحرك تحركات أجهزة لا تحركات فرد.. ووافقني ناصر وأضاف مؤكدا: هذا صحيح، لأننا كنا نطلب منه تحركات معينة كان يطلب منا مهلة ليفكر. ثم يعود إلينا بقراره. وكنا نحتار في أمره. وهو نفس ما قاله لي العم جورج إسحاق - بلدياتي - عندما ذكرت له ما قلته في البرادعي. وانتهت جلسة مقهي عمر الخيام بأن قال لي ناصر: نحن في انتظار الجمهوريين غدا عندما يأتون إلي الكونجرس. نحن متأكدون من نجاحهم لأنهم من كانوا يضغطون علي مصر من أجل الإصلاح. وافترقنا. وقد جاء الجمهوريون بالفعل في اليوم التالي. ومما قاله ناصر الذي أصبح الآن من شباب ائتلاف الثورة. إنه وزملاءه قد لعبوا دورا مهما في 6 أبريل في المحلة الكبري وكيف أن الناس علي استعداد لتقديم أرواحهم ليرحل ذلك النظام بذيوله وقد وافقته. (3) من شرفة بيتي التي تطل علي كوبري أكتوبر. رأيت موكب الرئيس المخلوع حسني مبارك بسيارته الفخمة. تسير في موكب رهيب عائدا من خطابه في مجلس الشعب. الذي قال فيه عن الغاضبين من تزوير انتخابات عز: سيبوهم يتسلوا. وقد تسلوا بالفعل وخلعوه. رأيت الموكب يسير ببطء. في فخامة وأبهة. موكب فرعون مصر. وقد بدا لي الموكب. بأنه موكب الرحيل. موكب جنائزي لهذا النظام. وكان فور خروج الرجل من المجلس. كان المحروس جمال يجلس في شرفة المجلس. وبدأ المنافقون يقولون له في صوت واحد. بنحبك يا ريس. وكان جمال يشير إليهم بيده حتي أخذه عمر سليمان من كتفه واختفي به بالداخل!! (4) الشعب المصري. كالفيل بطيء الحركة. لكن حركته مدمرة. وقد كان هذا الفيل ساكناً يعرف سره جيدا العظيم عبدالناصر. فكان يشركه ولو بالكلام في الصورة. يطعمه ويغسله ويطبطب عليه. وهكذا فعل السادات وعندما جاع الفيل في عهده خرجت ثورة 18 و19 يناير. لا أحد يستطيع أن يقهر الفيل، أما الأخير مبارك وزوجته وابنه. فقد وضعوا الفيل في حديقة القصر بالخلف ونسوه جائعا مريضا متسخا. وكان يطلق صرخاته لينجده أحد. ولا أحد يسمعه. حتي تحرك الفيل. ودمر الحديقة. والقصر. وكل من في القصر. وراح يجري في الشارع يدمر كل من يقابله. هكذا كان الحال. مصر وشعبها، رجل مريض - بركة - مسن علي كرسي الحكم وابن فقير العقل والموهبة ومحدود الثقافة، جاهل ومغرور ظن إنه بالامكان أن يركب الفيل بسهولة، وساعد طبال سابق، كان يظن أن الوطن كالشركة يمكن احتكاره كله، فلعب دوراً كبيراً ومهماً في الانتخابات الأخيرة كي يفرش الأرض لمرحلة التوريث، ويكون هو نائباً بالانتخاب، ومعهم رقاص سابق في فرقة الفنون الشعبية، ثم تطور فأصبح مندوب مبيعات موسوعات، ثم وزيراً بالإعلام، ومع الثلاثة فرقة فاشلة من المطبلين والمزمرين، قضوا علي التجربة بأكملها، ففي الأيام الأخيرة بعد عودة الرئيس المخلوع من جراحة السرطان، كان الرجل المريض يذهب إلي اجتماع الوزراء ليتصور معهم، ثم يرحل ويدخل المحروس جمال مبارك ليقوم بعمل الاجتماع الوزاري معهم، فقد كان المحروس يحكم مصر بالفعل وينتظر الخطوة الأخيرة والتي كان يدبر لها بسذاجة ليجلسس علي العرش، ولم ير تلك الحفرة العميقة أمام العرش التي وقع فيها ومعه كل شلة العجزة الفاشلين، هكذا كان حال مصر قبل أيام من الثورة العظيمة. (5) الأنظمة الديكتاتورية لا تقع في يوم وليلة والثورات الشعبية الكبري لا تتم خلال أيام، بل إن هناك تحضيرا يمتد لسنوات سابقة قبل الثورة وامتدت هنا لعشر سنوات كاملة، أي منذ عام 2001 كانت البداية الحقيقية وعندما قالت مادلين أولبرايت بأن الفوضي الخلاقة لها أثر كبير، قالت ذلك في حوارها في جريدة المصري اليوم عندما زارتها وأقاموا لها ندوة خاصة وبدأت في مصر الاعتصامات المتفرقة في البلاد، عمال غزل المحلة وموظفي الضرائب التي امتدت شهراً كاملاً - شهر رمضان - أمام رئاسة الوزراء أو بقيادة كمال أبوعيطة ثم اعتصامات حركة كفاية، كلها كانت اعتصامات متفرقة، لكن حقيقة الأمر أن الشيء الوحيد المشترك فيها هو نزول الشارع، لمس الأرض أمر شديد الأهمية وشديد الخطورة، والتي قال عنها المحروس جمال عندما حذروه من ذلك قال كلمته التاريخية التي تشبه كلمات القذافي المجنون قال مين دول التسعين فرد في ال120 متر، اتركوهم يتظاهرون ولم يفهم المحروس أن لمس أرض الشارع ما هو إلا بداية، لاحتلال الشارع لثورة جامعة، وقد كتب عن ذلك كتاب جمال الكوميديون، الذين فور أن تقرأ لهم لابد أن تصيبك هستيريا الضحك من سذاجة ما يكتبون، كتب أحدهم الشعب المصري ليس شعباً ثائراً فهو يحب الاستقرار هو الذي بني الهرم والمعابد وعاش علي ضفاف النيل لا يثور أبداً وكتب أكثرهم كوميديا قبل بداية الثورة بأيام، نلتقي بعد الثورة، وكتب مرة أخري في عنوان رهيب «مهزلة التحرير» كتب كل ذلك وارتدي نهاية الأمر الجلباب المخطط بطاقيته الشهيرة من خط إنتاج جلاليب صنعت خصيصاً لكل رجال النظام وارتدوا الجلباب كل علي مقاسه الآن! (6) كانت مصر تغلي من أسفل إلي أعلي، معدلات النمو الاقتصادي تزيد ووصلت بالفعل إلي 7% لكن لم يشعر بها أحد لأن القطاع الخاص كان يمتلك كل الاقتصاد المصري، واحتكر نظام مبارك كل مقاعد مجلسي الشعب والشوري، وأغلقت الصحف المعارضة وكذلك القنوات بحجج وطرق مختلفة، وانتشر الفساد في البر والبحر والجو، وزاد قمع الأجهزة الأمنية، وكل مؤسسات الدولة تتسارع للتعجيل بتوريث المحروس الحكم وزادت بطشة الأمن وأصبح في كل ركن من أركان الدولة ضابط يدير ولاءه للوزارة، والوزارة ولاؤها لوزير الداخلية، وولاء وزير الداخلية للمحروس جمال، وهكذا أغلقت لجنة الدوميو، وكان لابد من حدث جلل، فكانت التجربة في تونس، والنموذج في مصر! وإلي الحلقة القادمة لأحداث الثورة!!