من أرض مصر ومع شروق شمسها .. أشرقت الحضارة حتى قبل التاريخ، لتهدى مصر للعالم فنونًا وآثارًا باقية، شهادة حياة على عبقرية الأرض الخالدة ، أرض لا تموت بفضل فن وأصالة أبنائها. ويتلقف الفنانون المصريون فن أجدادهم العظام بعد فترة انقطاع وركود ليحيوا فن النحت على يد نحاتين عظام أبرزهم «محمود مختار» الذى مد الوصل بين القدماء وعصره ويلهم من بعده لمواصلة طريق الإبداع. وفى الفترة «الحالية» يتألق نجوم النحت المصرى وتتشكل حضارة فنية تمتد من عمق التاريخ بجينات عبقرية لتقول للعالم إن مصر قادرة على ولادة مبدعين يواصلون ما تركه لهم الأجداد، آخذون منه قبسًا ويجدون على أثره هدى.
ريم أسامة: تطلعات إنسانية بأصالة مصرية
على عكس ما يعتقد الكثيرون بأن المرأة المصرية - فى العصور القديمة - لم تكن مشاركة فى صياغة الفن.. نجد جداريات قديمة أظهرت بوضوح الحضور المميز للنساء من خلال قيامهن بأعمال الخزف ونفخ الزجاج وتصميم الملابس الذى يعكس الذوق الفنى الرفيع للمرأة المصرية عبر العصور. د. ريم أسامة نحاتة مصرية تشارك فى الحركة الفنية منذ عدة سنوات، أستاذ مساعد بقسم التشكيل المجسم فى النحت بكلية التربية الفنية، غير أن تجربتها الفنية لم تقف عند الحدود الأكاديمية، بل اتجهت إلى التجريد والتجربة، بعد رحلة درامية تشرّبت خلالها أصول النحت وفهم طبيعة الخامات المختلفة، وهو ما أكسبها قدرة التحكم فى التجسيد المادى للشكل، دون أن تفقد العمل طابعه الروحى وما يحمله من طاقة تستمدها من استلهام الفن المصرى القديم وليس استنساخه والذى يقوم من خلال الاتزان والبحث عن الرمزية والمدلول البصرى للتكوين الفنى. نالت «ريم» درجة الدكتوراه عن بحث عنوانه: «فلسفة النهضة الفنية خلال نحت العصور المتأخرة فى الحضارة المصرية ودلالاتها فى معالجات التشكيل». وتتعامل «أسامة» مع الشكل الإنسانى بطريقة حداثية ويتخذ الجسد خطوطًا انسيابية وأسطحًا ملساء بتجريد جزئى لإضفاء حالة شعورية خاصة للعمل بموضوعات قديمة متجددة مثل المرأة والحيوان - القط الفرعونى القديم - بتحليلات عصرية مميزة، ساعدها فى ترسيخ حضورها فى مجال فنى يعتبره الكثيرون مجالاً يعتمد على القوة الجسدية. تجربة الفنانة ريم أسامة تمثل جسرًا ممتدًا بين القديم والحديث يجسّد جلال الفن المصرى القديم بلغة معاصرة تعبر عن تطلعات إنسانية، والمساهمة فى تشكيل هوية نحتية مصرية معاصرة تصغى إلى الجذور وتفتح أبوابها للمستقبل.
ناجى فريد: قراءة الماضى بصوت معاصر
أحد أبرز نحاتى الجيل الحالى ومنذ سنوات دراسته الأولى بكلية التربية الفنية شارك فى العديد من المعارض العامة، واستطاع مبكرًا بناء رؤية تشكيلية خاصة قامت على نسج التراث المصرى القديم بروح حداثية ليبدأ بعد تخرجه مسارًا فنيًا مميزًا ليعبر بفنه عن الهوية البصرية المصرية بقالب معاصر، تجاوزت منحوتاته المظهر العام لتماثل المصريين القدماء ومحتفظًا فى الوقت ذاته بالفلسفة الكامنة وراءه، معبرًا بفكر تجريدى أصيل مرتبطًا بأفكار الروح والوجود الإنسانى. الطاقة الروحية فى منحوتات «فريد» تتفجر من خلال التجريد البسيط باختزال التفاصيل والرؤية المركزة للجوهر والتى تتضح جلية فى تماثيله الملساء وأشكاله النقية التى توحى بالسكينة والثبات، بناء هندسى بمعالجات فكرية وتقنية خاصة بالفنان وتحيلك بأشكالها الرأسية إلى استحضار النصب التذكارية لقدماء المصريين بإيقاعات تعكس حسًا معماريًا عميقًا، يعطى لأعماله حضورًا متفردًا. لناجى فريد مكانة مميزة بالمشهد التشكيلى المصرى والعالمى، مثّل مصر فى العديد من الفعاليات الدولية ونال جوائز عديدة محلية ودولية منها جائزة الدولة التشجيعية. استمد مكانته الفنية من خلال لغته الفنية النقية التى أعادت صياغة الهوية المصرية بمفردات حداثية انطلاقًا من الماضى ليعيد صياغة الحاضر بطاقة فنية فريدة تؤكد أن الفن المصرى القديم ليس مجرد ذكريات غابرة، بل بحار متجددة دومًا للفن والجمال. يصيغ «فريد» منحوتاته نجاحات متعددة يمزج فيها بين المعدن والجرانيت بصياغة ناعمة لأجسام متماسكة تلغى التفاصيل التشريحية دون بهرجة زخرفية وبوعى موروث يعيد قراءة التاريخ الفنى بصوت معاصر.