فى وقت تتزايد فيه الضغوط على منظومة الغذاء وسلاسل الإمداد حول العالم، تمضى مصر بخطى ثابتة نحو تحقيق أمنها الغذائي، وتعزيز الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الاستراتيجية، وعلى رأسها القمح، باعتباره أساس رغيف العيش المدعوم، فعلى امتداد الحقول من الدلتا إلى الصعيد، تتواصل جهود موسم الحصاد والتوريد لعام 2025، وسط تنسيق كبير بين وزارتى الزراعة والتموين، يستهدف دعم المزارعين، وضمان انسيابية التوريد، وصرف مستحقات الفلاحين. ورغم التطور التكنولوجى فى أدوات الزراعة، لا يزال الحصاد اليدوى للقمح يحتفظ بمكانته لدى الفلاح المصري، خاصة فى الأراضى ذات المساحات الصغيرة، وبحسب عدد من المزارعين، فإن هذا الأسلوب التقليدى يضمن الحفاظ على المحصول بدرجة أكبر، بينما قد تتسبب الحصادات الآلية فى إهدار نحو 5% من الغلة، لا سيما فى الحيازات المحدودة، وهو ما يجعل مشهد السنابل وأيدى الفلاحين يتكرر موسميا، ليس فقط كجزء من دورة الزراعة، بل كأحد ملامح الهوية الريفية التى لا تندثر. ويأتى هذا الحراك الميداني، وسط سياسات تسعير محفزة، تجاوزت فى قيمتها القمح المستورد، ما يعكس رؤية الدولة فى الاعتماد على المنتج المحلي، كركيزة للأمن الغذائى الوطني، كما تم اعتماد خريطة صنفية علمية، ومضاعفة الجهود الإرشادية، لضمان جودة المحصول وتعظيم العائد من كل فدان مزروع. ترصد مجلة «صباح الخير» أبعاد المشهد الزراعى والتموينى خلال موسم توريد القمح المحلي، بالأرقام والسياسات، من الحقول إلى الصوامع، ومن دعم الفلاح إلى صناعة الخبز.
طقوس الحصاد فى القرى، يتحول موسم الحصاد إلى مناسبة خاصة، حيث يخرج الفلاح مع شروق الشمس، ويعمل حتى الظهيرة، تلك الفترة الزمنية ليست عشوائية، بل ضرورية للحفاظ على الحبوب من الفرط، حيث تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على السنابل وتؤدى إلى تفكيكها، مما يقلل من كمية القمح المتحصلة، لذلك يفضل الحصاد والأرض لا تزال محتفظة برطوبتها. وارتبط حصاد القمح بعدد من الأغنيات التى كانت تغنى أثناء الحصاد، ومع الوقت غنى أشهر المطربين المصريين أغانى المناسبة منهم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذى غنى «القمح الليلة ليلة عيده يا رب تبارك وتزيده»، كما غنت الفنانة الكبيرة شادية «ولولا القمح ما كانت حياتنا ولولا العزبة ما تعيش المدينة». وتبدأ زراعة القمح عادة من منتصف نوفمبر وحتى نهاية ديسمبر، على أن يبدأ موسم الحصاد من أواخر أبريل وحتى نهاية مايو، ويحتاج الحصاد اليدوى فى المتوسط إلى نحو 3 أسابيع، تختلف تفاصيلها حسب نضج السنابل وطبيعة التربة. ويمر الحصاد اليدوى بعدة مراحل تبدأ ب«القطع»، ثم تجميع السنابل فى حزم، تظل مكومة فى الأرض من 7 إلى 10 أيام لاستكمال جفاف العيدان، بعد ذلك تبدأ مرحلة «الدرس»، أى فصل الحبوب عن السنابل، وتتم تدريجيا، وهذا التسلسل مهم لضمان جودة القمح وتقليل الفاقد. وهناك أنواع متعددة من القمح الذى يزرع فى مصر، تختلف فى الجودة والإنتاجية، من بينها نوع يعرف باسم «قمح المكرونة»، ويخصص عادة لتوريده إلى المطاحن، ويفضل زراعته فى الأراضى الواسعة والمفتوحة، نظر لحاجته لمساحات كبيرة. قبل الزراعة، تم تجهيز الأرض بإضافة سماد عضوى محلل، ويجب على الفلاح استشارة الإدارات الزراعية المحلية لتحديد أفضل توقيت للري، مع تجنب رى الأرض أثناء هبوب الرياح، ما قد يؤثر سلبا على إنبات البذور. ويقدر وزن أردب القمح بحوالى 180 كيلو جرام، ويختلف سعره حسب جودة القمح ونوعه، وعند الفلاح، يبدأ سعر الأردب من 2200 جنيه، بينما يحسب سعره فى المطاحن بناء على الكيلو جرام، ما يعنى وجود تفاوت بين التسعير التجارى والسوق الزراعية المحلية. تنسيق ومتابعة وأكد الدكتور محمد القرش، المتحدث الرسمى باسم وزارة الزراعة، أن موسم حصاد القمح لعام 2025، يشهد معدلات جيدة من الإنتاج والتوريد، حيث تم حتى منتصف مايو، حصاد نحو 2.6 مليون فدان، وتوريد حوالى 2.5 مليون طن من القمح المحلي، وسط استمرار أعمال الحصاد والتوريد فى عدد من المحافظات. وأوضح القرش، أن عملية التوريد تتم بالتنسيق الكامل مع وزارة التموين والتجارة الداخلية، كما أن هناك آلية موحدة لضمان سرعة صرف مستحقات المزارعين خلال 48 ساعة من التوريد، ما يسهم فى دعم الفلاح وتحفيزه على الالتزام بالتوريد. وأوضح المتحدث الرسمى باسم وزارة الزراعة، أن إجمالى المساحة المنزرعة بالقمح هذا العام تبلغ نحو 3.2 مليون فدان، بينما يقدر حجم الإنتاج بما يقارب 3.1 مليون طن، ويصل سعر الأردب نحو 2200 جنيه لدرجة نظافة 23.5، مما يعكس حجم الجهود المبذولة من الدولة والمزارعين، نحو تحقيق الأمن الغذائي، وتعزيز الاكتفاء الذاتى من المحصول الاستراتيجي. فيما أكد الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، أن الوزارة أتمت استعداداتها لموسم توريد القمح المحلى لعام 2025، حيث تم تجهيز نحو 420 نقطة تجميع، لاستقبال المحصول من المزارعين والموردين، وتتم عملية الاستلام من خلال كافة الصوامع التابعة للوزارة، والبنك الزراعى المصري، وكذلك القطاع الخاص، إلى جانب الهناجر والبناكر، وجميعها مزودة بلجان استلام، تعمل وفقا للضوابط الصادرة فى القرار الوزارى المنظم لعملية التوريد.
وأشار شريف فاروق، إلى أن الدولة قررت هذا العام رفع سعر توريد القمح المحلى ليصل إلى 2200 جنيه للأردب بدرجة نظافة 23.5، وهو ما يتجاوز سعر القمح المستورد، مما يحفز المزارعين على التوريد، وضمان استقرار مخزون القمح الاستراتيجي، لتأمين احتياجات إنتاج الخبز المدعم، وأضاف أن السعر يتدرج حسب درجة النظافة، ليصل إلى 2150 جنيها لدرجة 23، و2100 جنيه لدرجة 22.5.