شكرًا للذين حرصوا من أبناء مصر للتعبير عن حقهم والإدلاء بأصواتهم سواء للذين قالوا «نعم» أو الذين قالوا «لا» فى أول تجربة حقيقية للديمقراطية فى مصر والتى لم تشهدها منذ 60 عامًا مضت بعد أن كان الشعب يشكك فى صحة أو نزاهة انتخابات العهد البائد، ولم أندهش عندما شاهدت جموع المصريين من مختلف الأعمار وهم يهرعون للإدلاء بأصواتهم فى كل اللجان التى انتشرت فى محافظات ومدن وقرى مصر لأول مرة باستخدام الرقم القومى، إنه بحق كان عرسًا للديمقراطية لم نشهده من قبل تجلى فى أبهى صوره جعل البسمة والسعادة ترتسم على وجوه المصريين الذين شاركوا وهم يمارسون حقهم الطبيعى فى التعبير عن الرأى دون قيود أو ضغوط من أحد، وكانت اللغة الغالبة أو السائدة هى المشاركة وإبداء الرأى سواء بالموافقة أو الرفض على التعديلات الدستورية المقترحة التى تضمنت تسع مواد تم تعديلها فى الدستور الحالى الذى قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقف العمل به عقب نجاح الثورة، وبصرف النظر عن الرأى بنعم أو لا غير أن ذلك كان يعد انتصارًا رائعًا لإرادتنا الحرة والطريق نحو الديمقراطية غير المزيفة أو المصطنعة، وما بين الانقسام ما بين مؤيد ومعارض تبقى حرية إبداء الرأى دون قيود وهى أكبر المكاسب التى تحققت على أرض الواقع بعد ثورة 25 يناير. وقد اختلفت الصورة تمامًا عما كانت عليه بعد أن كانت اللجان الانتخابية من قبل تكتظ وتحاط بالكثير أو العديد من رجال الشرطة لدرجة أنهم كانوا يظهرون بصورة مكثفة أكثر من حجم الناخبين الذين يدلون بأصواتهم إلا أن الصورة اختلفت بعد أن هرع المصريون شباباً وفتيات رجالاً ونساءً والمتقدمين فى العمر حتى أصحاب أو ذوى الاحتياجات الخاصة كان لهم دور وحرصوا بدورهم فى المشاركة فى صنع مستقبل وطنهم، ولم يكن هناك من يتعمد أو يحاول التأثير فى فكر أو رأى المواطن سواء بالقبول أو الرفض، ولأن هذه قمة الديمقراطية التى كنّا نحلم بها ونتوق لها منذ سنوات طال أمدها، وما بين الذين قالوا «نعم» أو الذين قالوا «لا» كان الفيصل هو رأى الأغلبية الذى ينال كل تقدير واحترام لأن ذلك يعبر عن رأى الشعب بعد أن عبر عن كلمته أو رأيه. ولأن المؤيدين «بنعم» كان لهم حججهم بالموافقة على التعديلات التى تمت أو أضيفت والتى تمثل بالنسبة لهم نقلة هائلة للتحول الديمقراطى وتحقق مطالب الذين أيدوها وكلها متطلبات جوهرية لقطع الطريق على المزايدين نحو الثورة، كما أن الفراغ الدستورى والسياسى الذى نعيشه حاليًا يمثل خطرًا كبيرًا يواجهنا أضف إلى ذلك حالة الانفلات الأمنى التى تجثم فوق صدورنا جميعًا، إلى جانب تراجع عمليات الإنتاج وحالة الفوضى والارتباك فى جميع مؤسسات الدولة وعلينا أن نسابق الزمن ونسارع لعبور تلك المرحلة الانتقالية الحرجة فى أقرب وقت. غير أن المعارضين للتعديلات أو الذين استخدموا كلمة «لا» كانت لهم مبرراتهم أيضًا مؤكدين أن ثورة 25يناير كان ولابد أن يتبعها تغيير جذرى ووضع دستور جديد للبلاد دون تعديل على الدستور الحالى أو ترقيع على حد وصفهم ذلك الدستور الذى يعبر عن واقعنا الذى نحلم به بعد ثورة 25 يناير وليس مجرد تعديل بالقطعة بمعنى إما دستور جديد لمصر أو بلاش غير أن التعديلات المستحدثة كانت لا تمانع فى وضع دستور جديد للبلاد ولا تلغى الحق فى إصداره أيضًا، وأعتقد أن الجميع موافقون على ذلك سواء المؤيد أو المعارض على حد سواء وأنا أكتب هذه السطور قبل أن أعلم شيئًا عن نتائج الاستفتاء على التعديلات الأخيرة أيضاً، فإن الرافضين للتعديلات كان لديهم المبرر الأقوى بأن ذلك وحده قد لا يضمن تحقيق المطالب المشروعة للثورة ولا يحقق مكتسباتها الحقيقية. ثم يبقى السؤال الملح هل نقبل بحلول جزئية أو مسكنات وقتية أم نسعى إلى ما هو أهم أو أشمل بوضع دستور جديد يضمن لنا حياة ومستقبلاً أفضل يعبر بصدق عن تضحيات شباب ثورة 25 يناير الذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم كى نبقى.. فهيا بنا نحو تغيير شامل يضمن لنا حياة حرة وكريمة ولمستقبل أفضل لمصر.. دستور يعبر عن الشعب بكل طوائفه وأبنائه وليس عن رؤسائه أو حكامه.. والديمقراطية ستبقى كلمة السر أو طريقنا الحقيقى نحو مصر الحديثة القوية الديمقراطية التى صفق لها العالم جميعًا وانحنى لثورة شبابها احترامًا.. اللهم اجعل مصرنا حلمًا جميلاً لا يتوقف بعيدًا عن أية انتماءات سياسية أو دينية أو طائفية وهذه مصر التى فى خاطرى