«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من قلبى سلام
نشر في صباح الخير يوم 11 - 12 - 2024

عندما تغنى تساكن صوتها الطيور، تقف على أشجاره، وتغرد معها تطمئن الغيمات، وتُقّطر مطرها على مهل، فإذا امتزج صوت فيروز برائحة الورد والغيمات والمطر، اندفع الناس إلى الحقول، والعمال إلى المصانع، والطلبة إلى مدارسهم، ويولد فى الحياة تيار جديد من الحماسة والبهجة، ومحبة الحياة، والسعى إلى العمل.
«شَتّى يا دنى يزيد موسمنا ويحلا وتدفق مية وزرع جديد بحلتنا ويعلا»
عندما تغنى تستعيد معها ذلك الطفل الجميل فى داخلك، تطلق طيارتك الورقية الملونة وتزاحم بها النجوم، تتشبث بخيوطها وتغنى:
«طيرى يا طيارة يا ورق وخيطان بدى أرجع طفلة صغيرة على سطح الجيران وينسانى الزمان على سطح الجيران».
عندما تغنى يولد حب جديد من حب قديم، تتصل التفاصيل الرهيفة، ويتوهج قلب أبيض من حلوى غزل البنات، وأقماع سكر، ونبق، وحبق، وحبات رمان «يا مرسال المراسيل ع الضيعة القريبة خد لى بدربك ها المنديل وأعطيه لحبيبى».. عندما تغنى تصبح البلاد العربية جميعا وطنا عربيا واحدا، تنتفى الحدود، وتتصل وشائج الوحدة والقربى، فمن أغنياتها: «مصر عادت شمسك الذهب»، و«مكة»، و«يا شام عاد الصيف»، و«عمان فى القلب»، و«بغداد والشعراء»، و«إليك من لبنان يا تونس الشقيقة»، و«رسالة إلى جميلة»، و«القدس العتيقة»، و«فلسطين»، و«العيد يروى الكويت»، و«بحبك يا لبنان».
عيد ميلاد فيروز هو عيد عربى يحمل شوق المواطن العربى إلى الفرح والحب، والحرية والعدالة.
يسميها اللبنانيون «سفيرتنا إلى النجوم»، ونناديها: «جارة القمر»، فى صوتها خمس مطربات مبدعات فى آن واحد كما قال النقاد عنها بعد مسرحيتها الغنائية «يعيش.. يعيش»، وصفها محبوها: «فيروز سفيرتنا إلى الإنسانية»، و«صوت يسعد نحو أبراج الروح».
توءم شجرة أرز
فيروز أو نهاد حداد ولدت عام 1934، والتحقت عام 1946 بالمعهد الموسيقى فى لبنان، وانضمت إلى الكورال فى فرقة الإذاعة اللبنانية عام 1949.
وغنت أول أغنية منفردة لها بعنوان «تركت قلبى وطاوعت حبك» من ألحان «حليم الرومى»، وتعرفت عام 1950 على «عاصي» و«منصور الرحبانى»، ثم تزوجت «عاصى الرحبانى» عام 1955.
.. وقد ولدت «فيروز» فى منطقة جبال الأرز التى تعتبر أعلى قمة فى بلاد الشام وتقع فى شمال لبنان، فهى توءم شجر الأرز المعمر رمز لبنان.
ثم سكنت فى حى «البوسطة» أو كما سمى حى «زقاق البلاط»، وهو من الأحياء المهمة فى تاريخ لبنان كما يقول د. محمد الشيخ فى كتابة «فيروز وسيسيولوجيا الإبداع»:
فهذا الحى كان يعيش فيه الناس من جميع الطوائف حياة مشتركة وآمنة منذ زمن بعيد، فسكنه اللبنانيون بعد حريق بيروت أثناء الاحتلال الفرنسى، وتم تحديث المنطقة فى القرن التاسع عشر؛ حيث شهد الحى إقامة النخب العلمية والمدارس والبعثات الأجنبية بحيث أصبح «زقاق البلاط» يشكل وجه بيروت الحضارى.
وإلى هذا الحى نفسه، هرع الناس إثر الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان. كما أدت الحرب الأهلية إلى تهجير السكان من مناطق متعددة إلى «زقاق البلاد»، وفى هذا الحى الآمن توجد الكنيسة الإنجيلية التى تأسست عام 1862، المشهورة ببرج جرسها، وفيه أول ساعة فى بيروت.



بحبك يا لبنان
تسكن بيروت تحت جلدها، وطبقات صوتها ولذا ظلت فيروز فى «بيروت»، ولم تتركها أثناء الحرب الأهلية التى استمرت أكثر من ستة عشر عاما وسبعة أشهر من 13 إبريل عام 1975 إلى أكتوبر عام 1990، ورغم أن بيتها أصيب بصاروخ لكنها لم تتركه بل، وصنعت «فيروز» المتاريس فى ممرات المنزل، واحتمت مع ابنها «هَلي» وبنتها «ريما»، ثم سكنت فى منطقة «الروشة»، ثم انتقلت إلى منطقة «الرابية»، وبعد انتهاء الحرب الأهلية أقامت حفلا فى «بيروت» عام 1994، وظلت فيروز تردد دائما: «بحبك يا لبنان، يا وطنى بحبك / بشمالك بجنوبك، بسهلك بحبك».
عندما تغنى يُبعث كل شيء من جديد، الحب والمقاومة، والقوة والصمود:
سألونى شو صاير ببلد العيد
مزروعة عا الداير نار وبواريد
قلتلن بلدنا عم يخلق جديد
لبنان الكرامى والشعب العنيد
فتردد معها الجموع :
كيف ما كانت بحبك / بجنونك بحبك / وإذا نحنا اتفرقنا بيجمعنا حبك / وحبة من ترابك بكنوز الدِينى / وبحبك يا لبنان يا وطنى».
حداثة موسيقية
لقد أصبحت أعمال الرحبانية وفيروز جزءا من سيرة الحداثة فى الموسيقى العربية، ويصفها د. محمد الشيخ بأنها «حداثة منطلقة من العناصر الحية فى التراث الموسيقى العربى، ويتبلور فى المزج بين الفولكلور والكلاسيكية حيث يعد الرحبانية أهم ظاهرة فنية وثقافية عرفتها لبنان خلال النصف الثانى من القرن الماضي، وقدموا للأوركسترا الحديثة أعمالا كثيرة فى المسرح الغنائى وفى الأغانى المنفردة، سواء كانت تحاكى الغرب، أو من إبداعاتهم، فقد تطور الأوركسترا معهم فى معظم أعمالهم الفنية بجميع آلاته مثل «جسر العودة»، و«زهرة المدائن»، وأعمال أخرى عديدة.
لحظة المعجزة
وقد اختلفت الأغنية الرحبانية عما قبلها اختلافا رئيسيا شكلا ومضمونا لا بفضل التوزيع اللحنى وحده بل بسبب روحها كلها: تقطيعها وتركيبها وقصرها ولغتها وموضوعها وقصائد «عاصى» و«منصور» حميمة دافئة، وهى لا تتجاوز بضع دقائق فارقة يصفها د. محمد الشيخ بأنها «تتلألأ بين الأغانى العربية كلحظة المعجزة، فكانت أعمالهم هى المساهم الأول فى الإشعاع الثقافى اللبناني، وأيضا فى عالمنا العربى الأوسع، وربما فى جزء كبير من العالم، ففى مدى زمنى يفوق نصف قرن بقى الفن الرحبانى يشكل معادلة أساسية فى ساحة الثقافة اللبنانية والعربية.
فقد تفاعلت موسيقى الرحبانية وأشعارهما مع حركة الحياة والفكر، بل تحاورت معهما، لأعمالهما المسرحية شعرا وغناء فمنذ البداية نقبوا فى تربة التراث الموسيقى المحلى، وأروقة الفولكلور لبحث جاد عن ملامح الهوية الموسيقية اللبنانية، وقد ساعدهم ذلك على بناء كيان درامى جديد فى الشعر والأغنية، والحوار والمسرحية كمعادل موضوعى للتجربة الحياتية والبيئة بكل تفاصيلها: الطبيعة والمناخات الاجتماعية فغيروا الحقيقة الغنائية فى المنطقة العربية.
وكانت فيروز كما أرى فى قلب تلك الحقيقة الغنائية.



أغنيات رومانسية
ومن أشهر أغنيات فيروز التى كتبها ولحنها الرحبانية أغنية «بكتب اسمك»، و«لا أنت حبيبي»، و«رجعت الشتوية»، و«فى قهوة على المفرق»، و«قديس كان فى ناس».
وفى هذه الأغنيات بالذات تتجلى ملامح رومانسية الأخوين رحبانى حيث يتوحد شعرهما بالطبيعة بما فيها من شجر وبحر وأمطار وتطلع إلى السماوات، ونلمس هذه الوحدة العميقة التى يستشعرها شعراء الرومانسية رغم ما يحيط بهم من أجواء انتظار الحبيب أو دفء محبته، حيث يشعر المحب أو الحبيبة بقرب الفراق، ويبرز عنصر المفارقة فبينما تكتب الفتاة اسم حبيبها على الحور العتيق يكتب اسمها على رمل الطريق! حيث بإمكان دفقة من مطر تجريحه بل محوه، وهنا تندفع الفتاة فى غناء حزين عميق، فى تساؤلات موجعة معبرة عن حيرتها، عن إمكانية استمرار الحب رغم ما يخيط به من أسئلة ومفارقات:
بكتب اسمك يا حبيبى على الحور العتيق
بتكتب اسمى يا حبيبى ع رمل الطريق
وبكرة بتشتى الدِنى ع القصص المجرحة
بيبقى اسمك يا حبيبى واسمى بينمحى
بحكى عنك يا حبيبى لأهالى الحى
بتحكى عنى يا حبيبى لنبعة المى
ولما بيدور السهر تحت قناديل المسا
يحكوا عنك يا حبيبى وأنا بتنسا
ويتعمق الإحساس بالفقد، والاستسلام له ومحاولة تجاوز هذا الخسران بالدعاء وبالصلاة، وبالعودة إلى محراب النفس بعدما أخفق نداء القلب، ويسيطر الشعور بالغربة والوحدة والألم وهى المشاعر التى هى وقود الشاعر الرومانسي، ويبدو ذلك جليا فى أغنية: «لا أنت حبيبي» –من كلمات وألحان الرحبانية:
لا أنت حبيبى ولا ربينا سوى / وقصتنا الغريبة شلّعها الهوي/ وصرت عنك غريبة/ إنسانى يا حبيبى إمبارح تلاقينا قعدنا عا حجر / برد وحوالينا عريان الشجر / خَزَّقنا الصور / ومحينا القمر / رديت له مكاتيبه ورد لى مكاتيبى / كل من طوى شراعه وراح بها المدى / ولدين وضاعوا حسر الصدى /تفرقنا بهدا والدنيا هدا / بخاطرى صلى لى تسعد يا حبيبى.



وتبلغ هذه الأناشيد الأسيانة ذروتها فى أغنية «قديش كان فى ناس» وهى التى تصور الاغتراب والوحدة، والحلم بالحب الغائب، فيجسد الرحبانية أزمة الإنسان المعاصر الباحث عن العاطفة وسط عواصف ومطر، لكنها أى الأغنية تفتح بابا للحلم والتحقق لأن السماء لا بد ستمطر شمسيات وأحبابا، وتقول كلمات الأغنية الرائعة :
قديش كان فى ناس ع المفرق تنطر ناس / وتشتى الدني، ويحملوا شمسية، وأنا بأيام الصحو ما حدا نطرنى / صار لى شى ميت سنة مشلوحة بها الدكان /ضجرت منى الحيطان / وأنا عينى على الحلا والحلا ع الطرقات /غنى له غنيات وهو بحاله مشغول.
نطرت مواعيد الأرض.. ما حدا نطرنى / صار لى شى ميت سنة عم قلّب فى عناوين، مش معروفة لمين / ووديلن أخبار / بكرة لا بد السما لا تشتى لى ع الباب / شمسيات وأحباب / يا خدونى بشى نهار.
نحنا والقمر جيران
ورغم ذلك يشرق عالم الرحبانية بالفرح فى أغنيات وأشعار، تتجلى فيها الموسيقى المبهجة التى تتفتح على عالم الألوان، وتسمع النهوات فتشف أجواء القصيدة كاشفة عن ألحان الفرح والتوحد مع الطبيعة فى أغنية «نحنا والقمر جيران»:
بيته خلف تلالنا بيطلع من قبالنا يسمع الألحان / عارف مواعيدنا / وتارك بقرميدنا أجمل الألوان / ياما سهرنا معه بليل القمنا مع النهدات / ياما على مطلعه شرحنا الهوى غوى حكايات / نحنا والقمر جيران لما طل وزارنا ع قناطر دارنا رشرش المرجان /غنانى وذكر حب وسهر.
عندى ولع فيك
وقد تطور غناء فيروز لحنا وأداء فى أغنياتها الحديثة مع ابنها «زياد الرحباني» الذى قدم لطاقاتها الفنية أسلوبا جديدا فلحن لها من كلماته وتلحينه «بعثت لك روحي»، و«ع هدير البوسطة»، و«راح تبقى سواء»، و«معرفتى فيك»، و«عودك رنان»، و«عندى ثقة فيك»، و«فى شى عم بيصير»، و«كيفيك أنت»، و«مش فارقة معاى»، و«صار لازم ودعكن»، و«ضاق خلقي»، و«اشتقت لك»، و«صباح ومسا».
.. كلمات وألحان بطعم الحداثة، والتجديد فى اللحن والأداء، فإذا سمعت جارة القمر وهى تغنى «عندى ثقة فيك / عندى أمل فيك وبيكفى / شو بدك يعنى أكتر بعد فيك ؟/ عندى حلم فيك / عندى ولع فيك وبيكفيك».
تكون قد ملكت الدنيا وما فيها: غناء بإيقاع سريع، وتفان فى إبداع العاطفة الصادقة للمحبوب، صراحة تمثل لغة العصر، وشجاعة البوح مع بساطة اللغة، وألحان ناعمة وكأنها إيقاعات أشواق، وخفقات قلوب نابضة بالمحبة.



الانفتاح على عالم الغناء
وقد طعمت «فيروز» معالم تاريخها الغنائى بألحان مصرية فأحبت ألحانا مهمة للشيخ سيد درويش فغنت من ألحانه: دور «أنا هويت وانتهيت»، و«وزورنى كل سنة مرة»، و«أهو ده اللى صار»، و«طلعت يا محلا نورها»، و«يا شادى الألحان»، ولحن «الصنايعية»، وتبدأ كلمات هذه الأغنية بكلمات «الحلوة دى قامت تعجن فى الفجرية».
وقد غنت فيروز أيضا خمس أغنيات من تلحين الموسيقار محمد عبدالوهاب الذى لحن لها: «أسهار بعد أسهار»، و«خايف أقول اللى فى قلبي»، و«يا جارة الوادي»، و«سكن الليل»، و«دق الهوى على الباب».
عاشقة الكلمات
وقد أحبت فيروز الكلمة الشاعرة بجناحيها الفصحى والعامية، فغنت لأشهر شعراء الأغنية فى مصر، شدت بكلمات أحمد عبدالمجيد «خايف أقول اللى فى قلبي»، وغنت لمرسى جميل عزيز: «سوف أحيا»، وترنمت بكلمات «بديع خيرى»: «أهو ده اللى صار»، أما «فتحى قورة فقد تغنت بكلماته فى أغنية «يا حمام يا مروَّح».
فيروز والشعر العربى
وكما أهدت كوكب الشرق أم كلثوم لعشاق فنها قصائد من عيون الشعر العربى أهدتنا فيروز بصوتها قصائد مهمة من الشعر العربى، فقربتاه إلى أذهان العامة، غنت أم كلثوم من أشعار الشريف الرضى، وعباس بن الأحنف، وابن نبيه المصرى، وأبو فراس الحمدانى، وعلى الجارم وأحمد شوقى.
وغنت فيروز لابن سناء الملك، ولسان الدين الخطيب، وقيس بن الملوح، وجميل بثينة، وأبى العتاهية، وأبى نواس ومن الشعراء المحدثين غنت لأحمد شوقي، وعمر أبو ريشة، وهارون هاشم رشيد، وسعيد عقل، وميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران ونزار قبانى، وجوزيف حرب، وأبى سلمي، ورشيد معلوف، وإلياس أبى شبكة، وإيليا أبى ماضي، وبدوى الجبل.



ثراء وتنوع
وسيظل ماثلا فى تاريخ الغناء إنجاز الرحبانية من مسرحيات غنائية فى القلب منها صوت فيروز التى جسدت أدوارا مسرحية عديدة ذاعت فى العالم العربى كألبومات موسيقية بصوت فيروز، كما نجح الرحبانية فى تقديم لون من الغناء الأوبرالى فى مسرحيات مثل «لولو»، و«بترا» خاصة باستخدام الألحان الجماعية، بمصاحبة صوت فيروز.
كما قدم الرحبانية أشكالا من الفلكلور حيث معظم الأغانى والموسيقات الشعبية تعتمد على مواويل العتاب والميجانا، والغزيل والدلعونا والروزانا وغيرها.
كما استلهما التاريخ وذلك فى مسرحيات «أيام فخر الدين»، و«آخر أيام سقراط»، و«تتبرا»، و«ملوك الطوائف»، و«زنوبيا»، و«عودة الفينيق».
مسرح الرحبانية
ومن أهم ما يميز المسرح الغنائى الرحبانى موضوعاته التى دارت حول المشاكل المحلية فى لبنان، ومن خلالها يطرح الرحبانية القضايا الكبيرة برموز ودلالات وصياغات فنية راقية، ومنها المشاكل التى واجهها لبنان والوطن العربي، مع التركيز على القضية الفلسطينية.
وقد تأثر الرحبانية بالموسيقات العالمية, وخاصة المسرح الغنائى متضمنا الأوبرا والأوبريت كما تأثروا بكل من ساهم فى بناء المسرح الغنائى متضمنا الأوبرا والأوبريت، كما تأثروا بكل من ساهم فى بناء المسرح الغنائى العربى بدءا من «مارون نقاش»عام 1848 مرورا «بسليمان قرداحي»، و«يوسف خياط» و«أبى خليل القباني»، و«إسكندر فرح»، و«سلامة حجازي»، كما تأثروا بسيد المسرح الغنائى الشيخ سيد درويش، وزكريا أحمد ومسرح الرحبانية يدافع دائما عن الحب والحربية، ويبحث عن القيم الإنسانية المهدورة.
حب الأرض
ومن أهم المسرحيات التى جسدت حب الأرض مسرحية «البعلبكية» نسبة إلى «بعلبك»، وتقوم فكرة المسرحية على أسطورة مؤداها أن الآلهة تريد الرحيل عن المدينة بعد أن تهدمت وأرادوا أن يأخذوا معهم الصبية الجميلة الصوت لترافقهم لكن الفتاة تحب المكان الذى تنتمى إليه فاختارت الأرض وناسها، وبالفعل تركتها آلهة هذه الأسطورة لتنهض بالمكان بالعمل والفرح وقد تم إنتاج هذه المسرحية عام 1961.
الكنز الحقيقى
أما مسرحية «جسر القمر» التى تم إنتاجها عام 1962 فاعتمدت أيضا على نص مسرحى محلى وتراثى مستمد من واقع أسطورى تحكى عن الحرب الأهلية التى وقعت فى لبنان عام 1958 فتختزل أحداثها فى معالجة درامية، ورؤية موسيقية وإخراجية فى مضمون درامى وتأتى رمزية الخلاف بين أهالى قريتين هما «الجسر» و«القطاع» على توزيع الماء لتعبر بمفردات فنية عن قضية النزاع والحروب الأهلية، ويكمن الحل الدرامى فى الصبية المسحورة التى تخبر شيخ مشايخ القرية أن الحب ولا شيء غير الحب يحررها من وقوعها فى أسر السحر، وتدل أهل القرية على الكنز الذى سيغير حياتهم إلى الأفضل وهو السلام فيأمر الشيخ بأن تعود المياه إلى مجاريها وتفتح أقنية الماء المغلقة فى احتفالات كبيرة تحييها الصبية التى تحررت من أسرها من عالم السحر بقوة السلام والحب.
وقد عرضت هذه المسرحية فى معبد «جوبيتير» فى بعلبك، وعلى مسرح معرض دمشق الدولى عام 1962، وقد غنت فيروز فى هذه المسرحية أغنيات:
«القمر بيضوى ع الناس»، و«جايبلى سلام»، و«حبيبى قال أنطريني»، و«سنة عن سنة»، و«ديروا المي» و«غَرب يا هوي» وغيرها.
كما قدم الرحبانية وفيروز أيضا مسرحية «الليل والقنديل» عام 1963، وأخرجها صبرى الشريف.
بياع الخواتم
وتأتى أهمية مسرحية «بياع الخواتم» أنها قدمت فيروز والرحبانية إلى عالم السينما عام 1964 بعد أن قدموها كعمل مسرحى، وفيها نقد سياسى عميق للأنظمة التى تبرر وجودها وامتيازاتها باختراع عدو خارجى، وهو فى هذه المسرحية «راجح» حيث يكاشف مختار القرية «ريما» فيقول لها: «مفيش راجح، كبرى عقلك، خيالك يا «ريما» اللى اخترع راجح»!» وبالفعل يصدق المختار، ويأتى راجح نفسه أو بياع الخواتم ليقدم هدايا للعرسان الجدد وتنكشف كذبات «عيد» و«فضلو» وأراجيفهما، وحكاياتهما الوهمية عن راجح الذى أصبح مصدرا للسعادة لا الخوف، وغنت فيروز فى «بياع الخواتم» عددا من أغنياتها الشهيرة مثل «يا مرسال المراسيل»، و«حيدوا الحلوين»، و«يا بياع الخواتم»، وغيرها.
ومن مسرحيات الرحبانية التى لعبت بطولتها فيروز أيضا: مسرحيات تاريخية مثل «أيام فخر الدين» وقدمت فى بعلبك عام 1966، ومسرحية «هالة والملك» عام 1968، وقدمت لأول مرة على مسرح «البيكا ديللي»، ثم فى مهرجان الأرز، و«دمشق».
أما مسرحية «الشخص» فقد أطلق عليها أحد النقاد «عريضة احتجاج» فهى مسرحية استعراضية، ناقدة، سخارة وتناول فيها الرحبانية حكاية الحاكم الذى لا يعرف ما يدور فى كواليس حكمها، وغنت فيها فيروز «فايق يا هوي»، و«أنا عصفورة الساحات»، وغيرها، وتوالت مسرحيات الرحبانية وفيروز فى مسرحية «جبال الصوان» عام 1969 التى صورت أهل «جبال الصوان» فى صراعهم مع المحتل، وصمودهم واستبسالهم فى مقاومته وتضحيتهم فى سبيل الحرية، بقيادة الفتاة «غربة» العائدة من الخارج لتخلص شعبها من الاحتلال فى معالجة لقضية الأرض المغتصبة، والإنسان المقاوم.
كما قدم الرحبانية وفيروز مسرحية «يعيش.. يعيش» عام 1970، وعرضت على مسرح «البيكاديللي»، وهى من المسرح الانتقادى، ومسرحية «صح النوم» عام 1971، وتحتوى على نقد سياسى فى قالب مسرحى، ومسرحية «ناس من ورق» عام 1972، و«ناطورة المفاتيح» عام 1972، و«المحطة» عام 1973، و«ولولو» عام 1974، و«ميس الريم» عام 1975، وفى هذه المسرحية تهتف بطلتها زيون: «ما وقع ظلم على إنسان بآخر الأرض إلا وحسبت إنى أنا اتظلمت» حيث تلعب فيروز دور «زيون» الباحثة عن العدل كما بحثت عنه دائما فى جميع أدوارها المسرحية، وقد قدم د. محمد الشيخ هذه المسريحات جميعا فى كتابه «فيروز سيسيولوجيا الإبداع عند الرحبانية «1960-1980».. فيروز هى صوت الحرية العدل، وصوت الإنسان، إنها رمز لبنان، توءم شجر الأرز، وأشواق المواطن العربى لعالم أفضل.
وسلام لفيروز فى عيد ميلادها
فيروز من قلبى سلام
«لبيروت من قلبى سلام لبيروت وقُبَّل للبحر والبيوت».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.