البابا تواضروس يترأس قداس الأحد في العلمين    أستاذ علوم بيئة يكشف دور المرأة في الزراعة المستدامة الذكية    ضبط تشكيل عصابي تخصص في النصب على المواطنين بزعم توفير خطوط محمول مميزة بالقاهرة    السجن المشدد 7 سنوات لمتهم بتعاطى المخدرات في قنا    انطلاق امتحانات الثانوية العامة بالفيوم وسط أجواء من البهجة وتوزيع المياه والشيكولاتة على الطلاب    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    إطلاق خدمات الجيل الخامس للمحمول    تستحوذ على %60 من إنتاج الزيت الخام الصحراء الغربية كنز الذهب الأسود    إجراء انتخابات البورصة يوم الثلاثاء 24 يونيو بمقر شركة مصر لنشر المعلومات    إيران: الهجوم الإسرائيلي على منشآتنا النووية تجاوز للخطوط الحمراء    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    سواريز: الشناوي نجم مباراة الأهلي وإنتر ميامي فى كأس العالم للأندية    مواعيد مباريات الأحد 15 يونيو - أتليتكو مدريد ضد سان جيرمان.. وبايرن يواجه أوكلاند    أشرف داري: الحظ حرمنا من الفوز على إنتر ميامي    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    الاستحقاق النيابى بدأ فعليًا القائمةالموحدة مشاورات حزبية مستمرة لخوض السباق الانتخابى    يقترب نحو 51 جنيها.. قفزة كبيرة في سعر الدولار خلال تعاملات اليوم    وزير التعليم يتابع انطلاق امتحانات الثانوية العامة من غرفة العمليات    ضبط شخصين بتهمة التشاجر بسبب خلاف بينهما في بولاق الدكرور    وفاة نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي    فيلم سيكو سيكو يحقق أكثر من ربع مليون جنيه إيرادات ليلة أمس    «أمي منعتني من الشارع وجابتلي أول جيتار».. هاني عادل يستعيد ذكريات الطفولة    معهد وايزمان جنوب تل أبيب: تضرر عدد من منشآتنا جراء قصف إيرانى ليلة أمس    بعد جهود استمرت 5 سنوات متحف سيد درويش بالإسكندرية ميلاد جديد لفنان الشعب    المتحف الكبير واقتربت ساعة ال 0.. أنظار العالم تتجه نحو المتحف المصرى الكبير موعد مع المجد    أسعار اللحوم اليوم الأحد 15-6-2025 بأسواق محافظة البحيرة    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    قصر العيني يحقق إنجازا طبيا فى الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 15 يونيو 2025    طلاب الثانوية الأزهرية بشمال سيناء يؤدون الامتحانات في اللغة الأجنبية الأولى    320 الف طالب وطالبة..بدء ماراثون الثانوية العامة لمادتى التربية الدينية والوطنية بسوهاج    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 15 يونيو    برواتب تصل ل12 ألف جنيه.. العمل تعلن وظائف جديدة بشركة أدوية بالإسماعيلية    دعاء امتحانات الثانوية العامة.. أشهر الأدعية المستحبة للطلاب قبل دخول اللجان    "زيزو الأعلى".. تعرف على تقييمات لاعبي الأهلي خلال الشوط الأول أمام إنتر ميامي    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    حارس إنتر ميامي الأفضل في افتتاح مونديال الأندية أمام الأهلي    جيش الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مقر منظمة أبحاث دفاعية إيرانية    بداية العام الهجري الجديد.. تعرف على موعد إجازة رأس السنة الهجرية 1447    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    إعلام إسرائيلي: مصرع 5 وأكثر من 100 مصاب جراء القصف الإيراني على تل أبيب    مقتل ثلاثة على الأقل في هجمات إيرانية على إسرائيل    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الموعد المتوقع لإعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025؟.. رابط الاستعلام برقم الجلوس    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    "رفقة سواريز".. أول ظهور لميسي قبل مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    السفارة الأمريكية في البحرين تدعو موظفيها إلى توخي الحذر عقب الهجوم على إيران    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    "العسل المصري".. يارا السكري تبهر متابعيها في أحدث ظهور    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    تشكيل الأهلي أمام إنتر ميامي.. مفاجأة متوقعة من ريبيرو    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرايا النهار
نشر في صباح الخير يوم 10 - 01 - 2024

يستيقظُ، يبلِّل وجهه الخمريَّ بأحزانه الطَّازجة، يغلِّف جسده النَّحيل بجلبابه «الكستور»، ينتعل قبقابه الخشبيَّ؛ فيكسر خطوه صمت العزلة، يتَّجه صوب بابٍ خشبيٍّ متهالكٍ يحجبه فى تلك الدَّار الضَّيِّقة عن كُلِّ ما يجرى فى الخارج. الأثاث هنا فى غاية البساطة؛ فلا ترى سوى حصيرٍ مهترئٍ، وَوسادةٍ من ليفٍ، وأغطيةٍ باليةٍ، وأطباقٍ قديمةٍ، وَأوانٍ منطفئة البريق، وَموقدِ كيروسين. رُبَّما كانت هذه الدَّارُ الضَّيِّقةُ نقطةً منسيَّةً، لا تحفل بها العيون، إلَّا أنَّها مثَّلَتْ للصَّبيّ عالمًا من جمرٍ، أضلاعه الوحدة، ونكهاتٌ مُرَّةٌ من الذِّكرى، وخوفُ فرخٍ صغيرٍ من كُلِّ ما يرتقى سلالم الاحتمال خارج تلك النُّقطة الباهتة تمامًا فى خارطة الكون. هذا هو «مُحَمَّدٌ» بلا أيِّ رتوشٍ تُزيِّن اللَّوحة بعد موت الرَّجل، الَّذى كان يشعر عند الانصهار فى رائحة عرقه بدفء ونور آخر شعاعٍ، خفتَ فى الخامسة من عمره، بعد أن سلب منه التُّراب صاحبة (حكايات) الشِّتاء والسَّكينة؛ فَحُرِمَ من ملاذ صدرها الدَّافئ.
كان وقتئذٍ فرخًا أخضرَ، بالكاد يُدَثِّرُ الزَّغب عريه، وَكان الشَّرابُ كعادته مُرًّا؛ فَلَمْ تتورع اللَّيالى يومًا عن صبِّ الكئوس إليه. يا اللهُ! كم عاندته المواقيت؛ فأمسى الرَّقم (5) سِرَّ حزنه المقيم، وأمسى الرَّقم (12) عدد الأوراق، الَّتى قامر بها فى تلك اللَّيالى الواجمة.
(2)
مسكونٌ بالشَّوق إلى مرايا النَّهار، والانخراط فى متاهات الزِّحام؛ لعلَّ الأعين تلقى إليه بفتاتٍ من أمانٍ، يُطَمْئِنُ- وَلَوْ قليلًا- قلبه المملوء بالصَّفير والعواء؛ هذا ما دفعه إلى أن يجرجر قدميه فى البكور إلى العراء، حيثُ دوامات البرودة. يستنشق نسماتٍ من حليب الوقت تزيد الجذوة اشتعالًا، يُلْقِى نظراتٍ متوتِّرةٍ على قاطرته المُحدَّبة وفنطاس الكيروسين البيضاويِّ المُثبَّت أعلاها. كُلُّ شيءٍ فى مكانه؛ يتنهَّد، وَيفكُّ قيد أتانه، يعلِّقها فى عريش القاطرة، تسير بخطواتٍ متلكئةٍ، يتلَّهى بأنشودةٍ ناعمةٍ عبر نتوءاتِ الطَّريق. عند مشارف النَّجع يُخْرِجُ حديدته الصَّغيرة؛ فتتأرجح فى الهواء نغماتٌ ذات إيقاعٍ منتظمٍ، حفظوها عن ظهر قلبٍ؛ يهلُّون من الشَّبابيك الواسعة، وفى أجسادهم بقايا من رائحة الفرش، يُخَضِّبُون الفضاء بابتساماتٍ صافيةٍ. ثوانٍ يا مُحَمَّدُ. هكذا يجيبون نداءاته. تمتلئ الصَّفائح بالكيروسين، يجمع القطع الفضيَّة؛ فتتلطَّخ بعرق يديه. يرتدُّ عائدًا إلى داره. ثَمَّة غديرٌ على يمين الطَّريق التُّرابيِّ، تتجمَّع فيه مياهُ المطرِ كُلَّ شتاءٍ. تتعثَّر أقدام أتانه؛ يسقط الموكب فى الماء؛ تنشقُّ فى وجهه أخاديدُ مِنْ ماءٍ وملحٍ واستغاثةٍ؛ يجتمع أهل النَّجع كعادتهم للإنقاذ، يمتزجون رويدًا رويدًا؛ فيطلُّ وجه أبيه كبيرًا كبيرًا، يملأ صفحة الأفق، ويرسل إلى الصَّبيِّ ابتساماتٍ حانيةٍ.
(3)
أنتبهُ، فجأةً، أمدُّ بصري؛ فأرى مربوعةً فسيحةً، وَأرى حشدًا من أهالى النَّجع، يجلس بينهم شيخٌ، تشبه ملامحى ملامحه. ممتلئ الجسم هو، يرتدى جلبابًا من صوفٍ فاخرٍ، بجواره عصا مَزْدَانَةٌ بزخارفَ ونقوشٍ عربيَّةٍ. الرَّجل يتكلَّم؛ فيصغى إليه النَّاس، وَيصمت؛ فتتعلَّق به الأعين. ينهض بعد حينٍ؛ فأجدنى منجذبًا إليه، أُسْرِعُ إلى نعليه، أحملها، أنحنى أمامه، وَأقربُ النَّعلين إلى قدميه. يَشدُّ عضدى، يجذبنى إلى أعلى؛ فأنتصبُ كالرُّمح. يسيرُ؛ فلا أسيرُ حذاءه، بل أتأخرُ إلى الوراء مقدار خطوتين. أستنشقُ-خلسةً- أريجَ العطر، الَّذى يفوح من جلبابه وجسده المُشَرَّب بالحمرة. نصلُ إلى الغدير، وَالشَّيخ يحدِّق مليًّا إلى الماء، وبغتةً، تتلاشى صورته المنعكسة على الصَّفحة الرَّائقة، ويحلُّ محلَّها صورةٌ أخرى، لصَبِيٍّ نحيلٍ يرتدى جلبابًا مهلهلا من «الكستور»، وينتعل قبقابًا خشبيًّا فى قدميه. الشَّيخ يبتسم، وَيستدير، وَيستقبل بوجهه أتانًا وقاطرةً يعلوها فنطاس الكيروسين. وَما إنْ يستوى على مقعد القاطرة، حتَّى يدعونى إلى الجلوس إلى جواره. الأتان تنطلق، والشَّيخ يشدو بأغنيةٍ قديمةٍ، وَسرعان ما نصلُ إلى دارٍ طينيَّةٍ واطئةٍ، تضجُّ بالذِّكريات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.