يمضى العمر وتتسلل الشعيرات البيضاء لشعورنا معلنةً وصولنا منتصف الطريق. هنا نبدأ فى تساؤلات حول ما فات من عمرنا، وتقييم ما حققناه من أهدافنا ورضانا عما وصلنا إليه، واذا كان الرد غير مرضٍ، نواجه ما يطلق عليه أزمة منتصف العمر. وأول انتفاضة تكون فى وجه شريك الحياة فيكون هو الشماعة التى نعلق عليها زلاتنا وإحباطاتنا.
مثلاً.. تستيقظ الزوجة لتجد أنها أفنت حياتها فى تربية الأولاد ومذاكرتهم وتمارينهم، وترك عملها أو التقصير فيه لمساندة زوجها والتفرغ له، وعند الانتهاء من هذه الفترة تتوقع الامتنان من زوجها وأولادها، ولكنها تتفاجأ بانشغالهم عنها «فتصعب عليها حالها» فتستجدى من زوجها الاهتمام، وتعويضها الحنان، وغالباً لا يتجاوب الزوج لانشغاله بعمله أو أصحابه. هنا تتفاوت ردود فعل المرأة فى هذا الموقف تبعاً لسماتها الشخصية، ومستواها الثقافى، وعلاقاتها الاجتماعية، وقدر تحقيقها لذاتها فى عملها.. فهناك من تشكو لصاحباتها، وهناك من تكتئب وتنغلق على نفسها، أو تنكد على زوجها وأولادها، كذلك هناك من تبذل جهوداً مضاعفة فى عملها، وهناك من يقتصر رد فعلها على قص شعرها أو صبغه وعمل «نيولوك»! وضبى دنيتك أولاً عزيزتى الزوجة ندمانة على حياتك التى سابقت الزمن؟ خلقك ضاق؟ عايزة تتطلقى؟ سأطلب منك أن تبدئى مع نفسك ولنفسك أولاً عن طريق عدة خطوات تعتمد على الترتيب والتوضيب، قبل أن تقودك مشاعرك وتتخذى قراراتك. أولاً: رتبى دولابك.. نعم رتبى دولابك وأدراجك، وأوراقك وملابسك، ومكتبك، وكل ما يتعلق بك، اعزلى نفسك لفترة فى محاولة لترتيب حياتك ابدئيها بأشيائك البسيطة المحسوسة، واجعلى بجانبك كيسًا كبيرًا ارمى فيه كل كراكيبك المكدسة.. وقبل أن تتساءلى: ما علاقة ذلك برغبتك فى الطلاق أو بأزمة منتصف العمر؟! سأجيبك بأن أحدث الدراسات أكدت تلك العلاقة، فوفق تقرير نشره موقع (ڤيرى ويل مايند) الأمريكى المتخصص فى الصحة النفسية، أن النساء اللاتى لديهن منازل فوضوية أو غير مرتبة لديهن مستويات أعلى من الكورتيزول، والكورتيزول هرمون يُفرز من الغدة الكظرية، وتأثيره كرد الفعل فى حالات الضغط والتوتر ويؤثر بصورة مباشرة على وظائف الجهاز المناعى. ودراسة أخرى منشورة فى دورية (بيرسونالتى أند سوشيال سايكولوجى بولتن) أن النساء اللاتى وصفن منازلهن وغرفهن بأنها مزدحمة أو غير مرتبة كن أكثر عرضة للإرهاق والاكتئاب من اللاتى وصفن بيوتهن بأنها مريحة ومُتجددة. وتخلص الدراسات إلى أن الذين يعالجون التوتر أو الضغوط النفسية بالتنظيف ينظمون أيضاً أفكارهم ومشاعرهم ويرتبونها بالتخلص مع الشحنات والأفكار السلبية والحفاظ على الطاقة الإيجابية وثَبت أن ترتيب الإنسان لمحيطه له تأثير مباشر على الحالة النفسية. ثانى الخطوات التى يصفها المتخصصون: رتبى محيطك من الناس وزودى الأوكسيتوسين، يعنى كما تتخلصين من كراكيب غرفتك وبيتك، تخلصى أيضاً من الأشخاص «الكراكيب» الذين يملأون حياتك دوشة وضجيجا ويستنزفون طاقتك ونسميهم بالناس «التوكسيك» سواء فى العمل، فى العمارة، أو فى العائلة وكل من لا يسكن معك فى البيت، ولكنك تحملين همه داخل البيت.
ريشة: مها أبوعمارة
بدون تردد «اعمليله ديليت» وحاولى أن تزيدى هرمون الأوكسيتوسين الذى ينتج من خلال تعزيز مشاعر الحب والترابط الجسدى والنفسى. فإذا لم تجدى الحضن عند زوجك احتضنى بنتك، إذا لم تجديها احضنى صديقتك، فتعزيز الإحساس بالحب والثقة لا يرتبط بشخص واحد فى حياتك. اقتربى ممن تحبينهم ويسعدونك ويخرجون أجمل ما فيكِ من مشاعر. وللضحك دور أيضًا كتبت لوريتا بريونينج فى كتابها (عادات الدماغ السعيد): «يمكن للضحك أن يغير نشاط الدوبامين والسيروتونين فى الدماغ»، وتبادل الضحكات مع صديق، أو مشاركة شىء مضحك مع من تحب، يساعد فى تحسين الحالة المزاجية، وتخفيف مشاعر الألم أو القلق والتوتر، عن طريق إطلاق الأوكسيتوسين، وزيادة الإندورفين. أما خطوة الترتيب الثالثة.. فهى ترتيب اهتماماتك، وامشى كل يوم، صحتك يجب أن تكون أول قائمة اهتماماتك، ولا تتساهلى فى مشوارك للطبيب، أو إجراء تحاليل كل فترة للاطمئنان على صحتك.. فالمرض والاحتياج لمساعدة الآخرين محبط ومؤلم، فإذا كنت بصحة جيدة تستطيعين القيام بكل شىء وتحقيق أى شىء. مارسى الرياضة فتأثيرها مباشر فى الحالة الجسدية والمزاجية والقدرة على اتخاذ القرارات بصورة هادئة وواضحة لا يسيطر عليها الغضب، فجمعية علم النفس أكدت أنَّ ممارسة الرياضة يمكن أن تجعلك تشعرين بالسعادة، ونشر موقع «هيلث لاين» أن التمرين خاصة فى الصباح ولو ربع ساعة من المشى أو الرقص يزيد هرمون الأندروفين المسئول عن الإحساس بالسعادة. عندما تختلط عليك الأفكار ويصعب القرار ارقصى.. امشى حتى ولو داخل البيت والأفضل كما ينصح الأطباء النفسيون «نطى الحبل». وأوضحت دراسة فى جامعة ميتشيجان بالولايات المتحدة أن الأشخاص الذين يمارسون نشاطًا بدنياً ولو مرة واحدة فى الأسبوع، أكثر سعادة من أولئك الذين لم يمارسوا أى نشاط فهو يزيد من الصحة النفسية الإيجابية للناس، ويقلل فى الوقت نفسه من المشاعر السلبية مثل الاكتئاب، والقلق. كذلك يفرز الهرمون الثانى للسعادة واسمه السيراتونين الذى يساعد على التخفيف من مستويات ومسببات التوتر، وتعزيز الإحساس بالراحة والسعادة والهدوء. مرنى عقلك على التفكير الإيجابى، كما مرنتِ جسمك مرنى عقلك على النظرة الإيجابية لنفسك ولمن حولك. لا تجلدى ذاتك وانظرى من منظور آخر للأمور وانظرى لاختيارك ليس أنه تضحية فاستمرارك فى حياة زوجية بدون رضا كامل، لأسباب أو لقيمة معينة، كاستقرار الأولاد أو الاستقرار المالى لك، هو اختيار لهذه لقيمة التى فضلتِها على قيمة أخرى، الدراسات تؤكد أنه لا يوجد صح وخطأ، بل يوجد أولويات اخترتها ورتبتها كما تريدين حسب أهميتها لك أنت .. وقتها لن تشعرى بالندم أو الأسف على حالك فالندم أول طريق الاكتئاب فيصبح اختيارك «بيدى لا بيد عمرو». النصيحة المهمة أيضًا أن تتمنى لنفسك.. تذكرى إنجازاتك الصغيرة والكبيرة فى أسرتك أو عملك، اكتبيها لتتذكريها، وكافئى نفسك واحتفى بها، فإن لم تكونى قادرة على تقدير نفسك فلن يقدرك أحد، فالشعور بالإنجاز يعزز من هرمون الدوبامين أو كما يطلق عليه «هرمون المكافأة». اشترى لنفسك هدية أردتها أو شيئًا حلمت به، وأشبعى احتياجاتك، ولا تنتظرى من أحد أن يمن عليك بالسعادة. وأخيرًا لا تتردى فى طلب مساعدة نفسية، الجئى لطبيب نفسى إذا شعرتِ بالتشوش والإحباط، أو أى أعراض قلق أو اكتئاب. فالصحة النفسية هى ما ستنعكس على شكلك وأسلوبك ورؤيتك، وقد تكون وراء أعراض مرضية جسدية. بعد هذه الخطوات أنتِ على الطريق الصحيح الواضح لاتخاذ قراراتك بعد الأربعين.