يكفى لأى إنسان أن ينظر إلى امرأة تحتضن طفلا ليشعر بشىء من ذلك الحنان والرحمة غير المحدودين؛ الشعور بالأمومة مجموعة من العوامل منها أنه احتياج نفسى مبنى على متعة العطاء، صحيح عادة ما تتكون الرابطة بين الأم وطفلها بالحمل والولادة، إلا أنها قد تختلف أيضا فى الحالات التى يكون فيها الطفل غير ذات صلة مثل الطفل المحتضن. فى بعض المواقف والحكايات ربما تتفوق أمومة الأم المحتضنة على الأم البيولوجية حيث هناك امرأة قررت أن تعتنى بطفل لم تكن حياته على ما يرام فتمنحه من حبها وعاطفتها وأمومتها بلا إنجاب. هنا، وبمناسبة عيد الأم حكايات لنساء قررن أن يكفلن أطفالا فى بيوتهن بعدما أتاحت الدولة الفرصة بشروط وإجراءات مُحددة. هن نساء قررن التمتع بأمومتهن وتوفير بيئة سوية ومُحبة لأطفال ليسوا من أرحامهن إنما ولدوا من قلوبهن، وقفن بشجاعة وعبرن عن تجاربهن فى احتضان الأطفال بكل فخر. داوود وسليمان تحكى لنا أم داوود وسليمان: كنت قررت أنا وزوجى أيام خطوبتنا أن نكفل طفلًا فى منزلنا بعدما ننجب طفلنا الأول. وبعد مرور 4 أعوام على زواجنا لم يرزقنا الله أطفالًا فقررنا نخطو الخطوة نحو احتضان طفل وأثناء متابعة الإجراءات جاءنى خبر حملى فاعتبرته رزقًا من الله وأكملت الإجراءات حتى كفلت ابنى داوود وأسميت أخاه بعد الولادة سليمان. تبتسم وتكمل بشغف: رأيت داوود للمرة الأولى على سلم إحدى دور الرعاية فى حضن مشرفته.. لا أعلم أى شىء سوى أننى وقعت فى حب هذا الطفل، طننت أنه تم كفالته من أسرة أخرى إلا أننى لم أستطع التماسك أمامه وظللت ألعب معه وأحتضنه بقوة وكأنه ابنى بالفعل، تضيف: كان بيننا رابط عجيب لم أفهمه حتى سهل الله لنا وأنهيت كل الإجراءات ليصبح فى منزلى قطعة من قلبى وسندًا لأخيه سليمان». تتنهد بحب قائلة: أحب علاقتى بأولادى، علمتهم كيفية التعبير عن مشاعرهم، يأتينى داوود فى منتصف الليل ليقول لى «ماما بحبك.. ماما حضن»، «هما الاتنين أبنائى مفيش فرق». تقول أم داوود وسليمان: أحيانًا أرى نظرات البعض للأم الحاضنة أم «درجة ثانية»، مديرتى فى العمل سألتنى «بتحبى داوود زى سليمان؟» نعم أحبهما بنفس القدر؛ ولذلك أحاول دائمًا تغيير فكرة أن الأمهات الكفيلات درجة ثانية، المرأة حين تنجب طفلها الأول تعتقد أنها لن تحب طفلها الثانى ولكن حين يأتى يكون له مكانته الخاصة به بشكل كاف. وتختم أم داوود وسليمان: «مش لازم كل أطفالنا تيجى من رحمنا.. الناس فاكرة أن الأطفال فى دور الرعاية محتاجين فلوس فقط، الأطفال محتاجة حب ومشاعر وأمومة ومكانها البيت!».
من زمان تحكى ميرى بشاى تجربتها مع الاحتضان: «تجربتى كانت كوميدية» واجهت صعوبات كثيرة أولهما الأهل والمجتمع تحديدًا أن فكرة الكفالة بمعناها الحالى غير مستحبة وكنت أسمع الكثير من الرفض سواء بالحديث المطول أو بالأمثلة الساخرة زى «يا مربى فى غير ولدك»! تكمل: «كان الموضوع بالنسبة لى حلمًا أريد تحقيقه من زمان حتى قبل زواجى لدرجة أنى اتفقت مع زوجى قبل الزواج على إنجاب طفل ونتبنى آخر وكنا متفقين نخلف طفل ونتبنى طفل». تقول: عام 2018 وجدت مجموعة لكفالة الأطفال فى المنازل.. وقتها بحثت بشكل مكثف على الإجراءات والشروط وغيرها، والحقيقة كنا نبحث أنا وأمير زوجى عن طفلة بنت عمرها ثلاث سنوات أو أقل، كان زوجى متمسكًا بهذا الشرط بشكل كبير أذكر أن حاجتى إلى طفل أقبله كانت أكثر من حاجتى لطفل أقع فى غرامه». تكمل ميرى حكاية أمومتها فتقول: «لما استقرينا على الدار التى سوف نكفل منها طفل، أخبرتنى مديرتها أن المتاح عمره 5 سنوات، وهو صبى وليست بنت شعرت وقتها بالإحباط لأنى أعرف أن زوجى لن يوافق لكنى أقنعته أن نرى الطفل ونخوض التجربة وإذ لم نشعر بارتياح لن نكمل». تستطرد: ذهبنا للدار 8 مساء وكان موعد نوم الأطفال اقترب وحين دخل لنا الطفل قعد جنب أمير زوجى وحضنه وفى الآخر نام على حجره أنا مكنتش فاهمة إيه بيحصل ولما خرجنا سألت زوجى وقالى انه عايز الطفل ده وقادر أشوفه عايش معانا وأنه ابنى». تبتسم وبصوت أكثر حيوية وبهجة تقول: دخل بيتنا «عسلية» «وهذا اسم الدلع الذى منحناه اياه» لأنه أسمرانى وعسل.. «أول مرة جاء بيتنا لم نشعر أنه كان غريب لعبنا وضحكنا وحين جاء وقت نومه سألته» أطبطب عليك «رد بحميمية» آه «ومن وقتها كل ليلة أصبح لا ينام إلا بداخل أحضانى وكأنه يختبئ فيه، وقتها أشعر انه لا شىء فى الحياة يضاهى هذا العناق، لا شىء فى الحياة له قيمة أمام هذا الشعور».
بابا وماما تكمل ميرى حكايتها: كانت الحياة سلسة وكان إحساسى إنه ابنى «أنا وزوجى مش بنعتقد أو نحس أننا كافيلين» بعد أسبوع قرر «ابننا» من تلقاء نفسه أن يلقبنا ب«بابا وماما» وكانت مفاجأة وبعد أسبوع كان قطعة من قلوبنا وبيتنا وبعد الأسبوع الثانى وقفت أصلى وشكرت الله على وجوده وعلى كونى لم أنجب طفلا بيولوجيًا حتى أعطانى هذا الابن الرائع». تقول: «أصبح ابنى الطفل المفضل لعائلتى، أمى تتصل بى من وقت لآخر لتقول لى أنها تفتقد حفيدها، كل الناس التى تراه تقول «أنه شبهى أنا وأمير» وحين أقبلت على التقديم له فى مدرسة «استغربوا أوى أنه مش ابنى البيولوجى لأنه شبهى جدًا وكنت حاسه مشاعر حلوة أوى وكمان كام حد من العيلة بيقولنا إنه شقى وشبهنا كأنه نفس الچينات بالظبط. وكمان بيشترك مع زوجى فى حاجات كتير أوى». تختم ميرى حديثها: «الناس أو المجتمع يتقبلون أى شىء جديد بمدى تقبل صاحبه له.. وطالما واثقة فى خطوتك ستنتقل هذه الثقة للمجتمع بشكل تلقائى. وأنصح المقبلين على الخطوة أن يكونوا واثقين من أنفسهم ليس هناك بديل للطفل البيولوجى لأن الطفل المحتضن طفل مختلف باحتياجات مختلفة لكنه فى النهاية طفل وأنا فى النهاية أم أربيه بشكل طبيعى أكافئه حين يفعل أمرًا جيدًا وأعاقبه وأدعم خلفياته وتجاربه السابقة أمام الجميع ثم أحاول معه لتحسينها».
نور عينى من ناحيتها تقول دينا حسين : وتحكى عن علاقتها بابنها المكفول: «علاقتى بابنى حمزة ليس لها وصف هو ابنى ونور عينى وكل شىء لى فى الدنيا هو من أعاد لى الحياة من جديد». تشرح دينا أن الاحتضان كلمة ليست سهلة على الإطلاق والقرار نفسه صعب للغاية تحديدًا مع أسئلة المحيطين الكثيرة منها مثلا: «ليه فقدتى الأمل؟ ليه استسهلتى ليه محاولتيش تانى أنتى وزوجك تخلفوا». دينا قررت الاحتضان وتقول: قبل احتضانه عرفت أن هناك ما يسمى بالإرضاع وبالفعل بدأت الإرضاع كان أصعب وأحسن تجربة فى حياتى كنت أستيقظ من نومى لأجل جلسات معينة لتجميع كم معين من اللبن وبعد 5 أشهر استطعت بالعلاج تجميع 5 رضعات. تواصل: كان أسعد يوم فى حياتى يوم عرفت أن طلبى تمت الموافقة عليه، وبعد فترة وجدت حمزة ابنى أخيرًا فى حضنى.. تضيف: «طفلى حمزة رضع منى وهو فى حضنى ده أكبر كرم من ربنا حمزة ابنى ابن قلبى وابن روحى وأنا بشوف إنه كان فى حضانة مش أكتر ولما ربنا أذن رجع لحضنى». وتوجه دينا رسالة لكل أم محتضنة: نستطيع تغيير نظرة الناس لفكرة الأم المحتضنة وللاحتضان حين نتحدث بشكل مستمر ونرفع درجة الوعى وحين تتحدث كل أم عن تجربتها بدون خجل وبكل قوة تقول: أنا أم محتضنة وفخورة بابنى وتضيف: «الناس إللى شايفه الأم المحتضنة مش أم كاملة عايزه أقولهم أننا ما نفرقش عن أى أم غير فى حاجة واحدة أن الطفل بيتكون فى بطنها بس ده الفرق الوحيد بس إحنا كامهات محتضنة الطفل بيبقى ابن قلبها وروحها وكل جزء فينا».