أم الثوار هكذا أُطلق على خديجة الحناوي أو "ماما خديجة"، استطاعت أن تحصد قلوب الشباب وتجمعهم، جذبت أرواحهم بعد أن وجدوا فيها أم بما تحمل الكلمة من معان، وحمّلها ذلك مسؤولية كبيرة فخشيت أن تفرق بين ابنها في شهادة الميلاد وابنها في الميدان. عاشت أصدق وأصعب اختبار، وضعها أمام أمومتها الحقيقية في يوم 28 يونيو، يوم الاعتداء على أمهات الشهداء عند مسرح البالون، فوجئت بابنها العائد من الخارج، حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، في أوج الاشتباكات وفي لهفة سألته عن سبب مجيئه، فأدهشها رده "أنا متوضي وناويها" الابن الذي لم يشم رائحة الغاز بعد، لم تتردد في أن تقول له "ربنا ينولهالك" وفي غضون دقائق معدودة مرت كالدهر شعرت فيها بهول الموقف، وقرب المسافات التي يمكن أن تبعدها عن ابنها الذي لقي ربه، ولكنها لم تستسلم لتلك المشاعر، ودعت الله أن يعينها ولا يجعلها تفرق بين أبنائها. ابتسامتها المشرقة وملامحها الواثقة لا تعبر عن عمرها فهي في العقد السادس، أخذت من حيوية الشباب ما يضفي عليها الصلابة والثبات، "في عائلتي أنا زعيمة الشباب" هكذا وصفت ماما خديجة نفسها، كلمة ماما بالطبع لها مذاقها الخاص، ولكن "أم الثوار" وقعها على أذنيها كان له رونقاً مختلف، لا تعرف متي وأين بالتحديد أطلق عليها ذلك اللقب الذي أعادها إلي نضارة الحياة، فمشاعرهم الصادقة وحبهم وخوفهم عليها، كانت نتاج العطاء والحنان ودفء الأمومة، في وقت الضيق، كانت تجفف دموعهم وتخفف أوجاعهم، بمشاعر صادقة خرجت كلمة ماما من أفواههم لتصل إلى قلبها. بعيونهم اللامعة وقلوبهم الواثقة أيقنت خديجة الحناوي، أن "جيل الجيل" كما كانت تطلق عليهم، هو من سيخرج الحلم إلى النور ويحققة، في يوم 28 يناير خرجت معهم من مسجد مصطفى محمود على أمل أن يحققوا الحلم سويا.. ومنذ ذلك التاريخ رفضت أن تترك أبناءها، وفي خيمة وسط الميدان كانت ماما خديجة تجمّع الشباب، وتأوي البنات ليلا، وبعد أن تم الاعتداء على أبنائها في الميدان في 8 مارس، فتحت أبواب بيتها على مصرعيه لتضمهم إلى أحضانها، قامت بتقسيم منزلها إلي جزئين جزء للأولاد وآخر للبنات، ففي تلك الأيام شعرت ماما خديجة بالمعنى الحقيقي للأمومة وعلى أعتاب بيتها قالت "حسبي الله ونعم الوكيل في أي حد هيعمل في أمه حاجة غلط"، فلم يخزلها أبناءها وعاشت في أحضانهم حتى اعتصام يوليو. "عشت دنيا الأحلام مع أولادي" هكذا عاشت ماما خديجة أصدق عيد أم لم تعشه من قبل، ففي وسط جموع من أبنائها "أبناء الميدان" وعلى عرشها احتفلت بعيدها كأم للثوار في أجواء سيطر عليها مذاق الأمومة، وترك في قلبها سعادة لا توصف من حفاوة أبنائها الذين فضلوا أن يمكثوا معها ولم يذهبوا إلى أمهاتهم. "لما تلاقي ابنك راح منك أدام عنيكي ده أصعب شيء في الوجود" روت ماما خديجة عن أصعب اللحظات التي مرت بها، عندما ترى أحد أولادها لم يعد بين أحضانها، كان عامل زي الطفل"، قال لها "مش هسيب حد يهينك يا أمي"، وذلك بعد واقعة الاعتداء عليها من قبل الجيش في الميدان، لم تعد تتحمل مرارة فراق الابن البار، تشعر بروحه تحوم حولها وفي ميدان طلعت حرب حيث كان يجلس، تنهمر في البكاء، وتفتخر بابن لم تنجبه ولا يوضع اسمها في شهادة ميلاده. وفي وسط جموع الشباب الغاضب أمام مكتب الإرشاد تحدثت ماما خديجة ل"الوطن"، معربة عن شدة الأسى والحزن لما فعلة الإخوان من تقسيم البلاد، "الإخوان قسمونا زي فتح وحماس، بس إحنا بنتخانق على بلد اتخربت"، لم تتخل عن أبنائها في يوم من الأيام، فلا تقبل بأي مهانة لأحدهم، لذلك تقف بجانبهم في الصفوف الأولى أثناء الاشتباكات، "علشان خاطر دم الشباب اللي راح، وعلشان خاطر عيون ولادي، مش هسيب حقهم" بتلك الكلمات الصادقة أنهت حديثها".