عن نهر النيل، وقدرته على إلهام الفنانين والفنانات برؤى إبداعية مختلفة، وربط ماضيه بحاضرنا، قامت جماعة الحنين المستقبلى الفنية بتقديم أحدث معارضها التشكيلية بجاليرى الزمالك للفن بعنوان «النيل»، وقدم أعضاء الجماعة: فرغلى عبدالحفيظ، عادل مصطفى، نعمت الديوانى، كاريل حمصى، أمينة الدمرداش، ياسمين الحاذق وثريا فهمى رؤاهم الفنية والتشكيلية، وفق مفهوم الجماعة التى اختارت فى بيان تأسيسها «أن تعود إلى الجذور لتبحث فى ثناياه عن ملامح الغد، يغوصون فى تاريخ مصر تطلعًا لمستقبل أفضل موصول بالماضى، وهى ذات الفكرة التى استلهمها أعضاء الجماعة من المصرى القديم الذى صنع حضارة وهو يعرف أنها سوف تبحر فى المستقبل». وجاء اختيار جماعة الحنين المستقبلى لنهر النيل ليكون موضوع معرضهم الحالى، باعتباره شريان الحياة، والنيل كذلك مرتبط بجوهر فكرة جماعة «الحنين المستقبلى» فى ربط الماضى بالحاضر بالمستقبل.
وعندما نذكر كلمة «النيل» فى أى زمان ومكان – كما يقول الفنان فرغلى عبدالحفيظ مؤسس الجماعة- لا بد أن تكون مصر حاضرة وبقوة، فالنيل عبر بلادًا كثيرة، لكنه لم ينفعل بقوة المكان كما فعل فى مصر، فحين دخل إلى مصر انفعل بالأرض وانفعل المصريون بطبيعة المشهد، وولدت حضارة هى مزيج فريد من عوامل عدة، خلقت الفرصة لفنان فذ ليتذوق المكان ويتشربه جيدًا ليعيد تقديم رؤيته فى أشكال فنية متفردة». وفى لوحات المعرض تتنوع الرؤى، والخامات المستخدمة كذلك، وتخرج كلها محمولة على المراكب الخشبية التى نراها تسبح على صفحة النهر، فى رسالة من فنانى المعرض إلى أهمية استمرار النهر بعطائه وجلاله رفيقًا للمصريين. وتتصدر أعمال المعرض لوحات الفنان فرغلى عبدالحفيظ، وصحيح أن النيل كان حاضرًا بقوة فى كثير من أعماله السابقة، إلا أنه فى هذا المعرض اختار اللون الأخضر ليطغى حتى على اللون الأزرق، ليذكرنا بقوة النمو التى ارتبطت دومًا بالنيل، مستعينًا فى ذلك بخاماته، وشخوصه، وأسلوبه المعروف به. أما أعمال الفنان عادل مصطفى فتفيض بالجمال، والحميمية، إذ يسجل بشخوصه وأزهاره انفعاله باللحظة التى يقول عنها: «منذ زيارتى لأسوان مع جماعة الحنين المستقبلى فى فبراير 2021، وأنا عالق بذهنى ذلك المشهد المهيب الجليل لنيل أسوان، ذلك المكان البديع الذى تتعانق فيه مفردات الطبيعة والمكان الذى يستقبل مياه النيل عند دخولها مصر».
وتعود الفنانة كاريل حمصى بخيالها للماضى، وتحديدًا لأسطورة «إيزيس وأوزوريس» المحملة بقيم المحبة ورمزية المثابرة من أجل الاستمرار، لتعيد رواية قصة النيل المرتبطة بالحياة من خلال تلك الأسطورة بما فيها من عبرة حول انتصار الخير على الشر، وبما تحمله تفاصيلها من معانٍ نبيلة لها علاقة بالأمومة والإخلاص والصداقة وجمال الحياة، وقصة الحب والعطاء التى تنتصر رغم الصعوبات ورغم المخاوف والظلمات والشرور، ليولد حورس قويًا حاملًا معه الحكمة والبصيرة. وتخرج لوحات الفنانة ثريا فهمى أيضًا محملة برموز عدة استقتها من المصرى القديم، فتصور الإلهة نوت تحمل وليدها وسنبلة القمح، لتحافظ على الأجيال القادمة وتهبهم الخير، كما وهب مياه النيل الحياة للمصريين. أما الفنانة نعمت الديوانى فاستعارت اللون الأزرق كخلفية لأعمالها المقدمة فى هذا المعرض من روح النيل، الذى يجسد معنى الحياة، لتترك المشاهد فى حالة من الحيرة إذا ما كان المشهد يدور فوق سطح المياه أم هناك فى الأعماق حيث الخير وحيث المحبة. ومن فكرة الألفة والمحبة تخرج أعمال الفنانة الشابة ياسمين الحاذق التى تشع بالبهجة، لتسجل حالة من الترابط والونس الذى ربط المصريين دائمًا بالنيل ليكون هو رفيقهم فى كل الأوقات.
وتستمر الفنانة أمينة الدمرداش فى ربط مشاعرها الذاتية بكل ما يمر بها، تنفعل بالنيل فى قصيدتها إليه، وتراقب النهر فى امتداده وصفائه، وتتأمل زهرات اللوتس المنتشرة على سطحه، مخاطبة وجوده كهبة من الله وواهب للحياة ورمز للخلود أو كمفتاح للحياة الذى ظهر فى لوحتها.