مخرجات السياسة ليست صدفًا، كما أن مظاهر التنمية خطط واستراتيجيات. لسياسات الدولة المصرية الرشيدة نتائج واضحة.. ومكتسبات إيجابية مختلفة على محاور هى الأخرى مختلفة.. فى حصاد عام. ليست صدفة أن يتزامن افتتاح سد جوليوس نيريرى فى تنزانيا مع آخر أيام العام الجديد. سد تنزانيا نفذته أيادٍ مصرية، على أرض إفريقية، فى واحد من أكثر نماذج التنمية والتعاون الذي تمد به مصر يدها للجميع. جوليوس نيريرى يغير حياة الأفارقة التنزانيين. الإشارة واضحة، وفى تلك الإشارة أن الثوابت المصرية هى اليد الممدودة بالتنمية إلى الأشقاء فى إفريقيا.. والأيادى الممدودة على مستوى العالم والإقليم.. برغبات التعاون.. وفق شروط الندية.. والمصالح المشتركة.. وعدم التدخل فى شؤون الدول. طوال عام مضى، وسنوات من قبله بدأت بعام 2014.. والتنمية للأشقاء فى إفريقيا على اختلاف أنواعها ومساراتها أولوية على رأس أولويات القيادة السياسية المصرية نحو القارة السمراء. عادت مصر لإفريقيا.. والعود كان أحمد.. لكن أهم من العودة كان حسن العودة.
(1) سد «نيريرى» هو واحد من أهم.. أو هو الأهم فى تاريخ تنزانيا.. واحد من أكبر المشروعات التنموية الاستراتيجية فى هذا البلد الإفريقى. يغير السد حياة المواطن التنزانى بكل ما تعنيه الكلمة، ويضيف أضعاف قدرات ما ينتجه البلد من الكهرباء، ويضاعف 4 مرات قدرات ما يمكن أن يستغله البلد للكهرباء والزراعة. السد التنزانى أيضًا هو واحد من أضخم المشروعات التي أقيمت فى إفريقيا، بتكلفة زادت على 3 مليارات دولار. الموضوع ليس مجرد سد، مع أن مجرد السد يكفى. لكن «نيريرى» إشارة إلى الإرادة السياسية المصرية لدعم البنى التحتية الكبرى فى الدول الإفريقية. نيريرى نموذج على التعاون الإقليمى مع دول القارة، تصديرًا للتنمية المصرية، وتحقيقًا لواحد من ثوابت السياسة المصرية فى دعم مصالح الشعوب.. خصوصًا الإفريقية فى استنهاض قدراتها.. ودعم مصالحها. إفريقيا.. ومع تشابك العلاقات على مائدة المناسبات السياسية، ومع تعقد خيوط عالم مرتبك، ومشتعل أحيانًا.. ظلت مصر الصوت الإفريقى فى كل المحافل. العام الماضى وحده ليس هو فقط حصاد العلاقات البناءة مع القارة السمراء، فالقيادة السياسية دائمًا ما تؤكد فى جميع المناسبات أن توجه القاهرة بالمزيد من الدعم لإفريقيا ينطلق من ثبات واستقرار النظرة المصرية الشاملة لعلاقاتها الإقليمية والدولية. محاور حصاد الدولة القوية يمكن تحديده فى ثلاثة مسارات. المحور الأول إفريقيا.. والثانى دوليًا.. والثالث الطفرة التنموية على المستوى المحلى، وقدرة الاقتصاد المصري على الصمود فى مواجهة أزمات عالمية.. أقعدت العالم.. وأرّقته. وفيما ينطلق قطار التنمية فى مصر فى مزيد من مساحات الجمهورية الجديدة، يظل الدفاع عن مصالح القارة الإفريقية والمطالبة بتحقيق التنمية والعمل على تحقيق مصالح شعوبها وتطلعاتهم إلى مستقبل أفضل على رأس أولويات مصر. لم يخلُ خطاب للرئيس السيسي فى اللقاءات والمؤتمرات والقمم من تنبيه بالتركيز على ضرورة حشد جهود المجتمع الدولى لدعم التنمية فى القارة السمراء. الحرص المصري على مصالح القارة، ورخاء شعوبها، وفتح آفاق التنمية، عكسته مؤخرًا تأكيدات الرئيس السيسى، خلال مباحثاته مع وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن على هامش أعمال القمة الإفريقية الأمريكية. أشار الرئيس السيسي إلى ما تحتاجه القارة من بنية أساسية مكتملة الأركان لدعم تنفيذ الجهود التي تستهدفها. وبادر الرئيس بطرح اقتراح بأن تتم تلك المطالب من خلال مشروع دولى ضخم يحشد الموارد والدعم من الدول الكبرى والخبرات التنموية الدولية لبلورة رؤية شاملة لتلك البنية الأساسية التي تعتبر حتمية لنجاح جهود التنمية فى القارة. وفى ظل أزمة الغذاء التي يعانى منها العالم بأسره.. حرص الرئيس السيسي خلال قمة واشنطن.. على تسليط الضوء على القارة الإفريقية وما تعانيه من نقص فى الغذاء، واستعرض رؤية مصر فى تلك المسألة وما يمكن أن تقدمه من مساعدات. أكد عام مضى، ترسيخ الرؤية المصرية لتعزيز الأمن الغذائى فى القارة من خلال عدة محاور. تضمنت تلك المحاور، ضرورة مراعاة تأثير الأزمات الدولية على اقتصاديات الدول الإفريقية والنامية، خاصة فيما يتعلق بالدين الخارجى. واعتبر الرئيس السيسي أن الوقت حان كى توضع آليات تخفيف عبء تلك الديون إما بالإعفاء أو المُبادلة أو السداد المُيسر. فيما يتعلق بأزمة الغذاء العالمية، تظل نظرة القاهرة الثابتة هو الارتباط الشرطى الدائم والوثيق بين الأمنين الغذائى والمائى، لذلك تنظر مصر لهذا الرابط باعتباره أمنًا قوميًا. والأمن القومى وكل ما يتعلق به بالضرورة يحتم توافر الإرادة السياسية لصياغة أطر قانونية لضبط مسار التعاون بين الدول المتشاركة فى المواد المائية، ولهذا يظل موقف مصر ثابتًا ولا يتغير ولن يتغير فيما يتعلق بقضية سد النهضة، الذي كان قاسمًا مشتركًا تضمنته خطابات وكلمات الرئيس السيسي فى كل المحافل الدولية والإقليمية ليس خلال عام مضى فقط.. وإنما على طول الخط. هذا العام، كان النجاح الباهر لتنظيم مصر مؤتمر المناخ، رسالة للعالم كافة، بقدرة القاهرة على حشد الدول لمزيد من الإجراءات الأكثر واقعية والأكثر جدية فيما يتعلق بمكافحة تداعيات التغيرات المناخية. مؤتمر المناخ فى شرم الشيخ، بالفعل وفى الواقع، كان مختلفا فى مخرجاته عن أى مما سبقه من مؤتمرات فى هذا الخصوص. استجابة الدول الكبرى للضغوط الدبلوماسية المصرية، لإقرار صندوق تمويل الخسائر والأضرار، وضع مسألة التغيرات المناخية، لاول مرة على طاولة الجدية. تكلمت مصر فى شرم الشيخ باسم إفريقيا.. ولصالح إفريقيا. كان نصرًا جديدًا على المستوى الدولى.
(2) حضور مصري قوى شهدته القمة الأمريكية العربية. حضور قوى وشديد التأثير للقاهرة فى القمة الصينية العربية، ثم مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي فى قمة بغداد الثانية التي عقدت بالأردن. فى قمة جدة جدد رئيس الدولة المصرية رؤاه فيما يتعلق بالمستقبل، وفيما يتعلق بما يجب أن تكون عليه صورة التعاون فى المستقبل. آفاق المستقبل تبدأ من الحاضر. وكثيرًا ما تتعقد خيوط الماضى، فتضفى على امتداداتها فى المستقبل مزيدًا من التحديات. قال الرئيس عبدالفتاح السيسي فى جدة إن الانطلاق نحو المستقبل يتوقف على كيفية التعامل مع أزمات الماضى الممتدة، مشيرًا إلى أن الجهود المشتركة لحل أزمات المنطقة، لا يمكن أن يكتب لها النجاح.. إلا من خلال تسوية عادلة وشاملة ونهائية لقضية العرب الكبرى.. القضية الفلسطينية. أكبر داعم للقضية الفلسطينية هى القاهرة. القضية الفلسطينية على المسار السياسي العربي والدولي ثابت وأساس فى شواغل القاهرة. تنطلق مصر فى ذلك المسار على أنه لا حلول لتلك القضية إلا بالتوصل لتسوية عادلة وشاملة ونهائية، على أساس حل الدولتين المستند إلى مرجعيات الشرعية الدولية. شهد عام مضى استمرارًا لتحركات رئاسية محسوبة، ومدروسة على خريطة الكوكب. حمل فى تلك التحركات الرئيس عبدالفتاح السيسي ملفات المطالب بالتوازن فى السياسات الدولية، وتحقيق المصالح.. لرخاء الشعوب، وإنهاء الأزمات. استحوذت قضايا الاقتصاد وتعزيز المكانة المصرية إقليميًا ودوليًا على الدبلوماسية الرئاسية المصرية الناجحة. لاح مزيد من بريق دور القاهرة المحورى فى زيارة الرئيس السيسي إلى فرنساوألمانيا ثم صربيا. المراقب للدبلوماسية الرئاسية المصرية منذ عام 2014 وحتى الآن يدرك تمامًا أن الهدف والأولوية والصدارة فى أجندة تلك الدبلوماسية كان الاقتصاد المصري الذي كان يعانى بشدة فى السنوات الأولى لحكم الرئيس السيسي. وبدا واضحًا منذ أول زيارة رئاسية يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد توليه المسؤولية تركيزه على لقاءات كبريات الشركات العالمية وكبار المستثمرين. الهدف دائمًا هو جذب الاستثمار وتعزيز التعاون من الشركات العالمية لخدمة الداخل الاقتصادى.. وتحفيز الاستثمارات الأجنبية للسوق المصرية. حققت الدبلوماسية الرئاسية النجاح بفتح آفاق غير تقليدية بزيارات غير تقليدية أيضًا لدول مثل البرتغال وإندونيسيا وسنغافورة، بمزيد من آفاق جديدة للتعاون والعوائد. بالمناسبة، لدى سنغافورة تجربة رائدة فى مجال تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي، بما يضفى على تلك التجربة أهمية للتعاون. نجحت الدبلوماسية الرئاسية فى أن تصبح مصر رقمًا شديد الأهمية ومدعوًا دائمًا ومؤثرًا بجميع المحافل مثل الدعوة الأمريكية والصينية ومن ثم الفرنسية، فضلاً عن الدول التي تريد أن يكون لها دور فى المنطقة مثل روسيا واليابان وألمانيا والاتحاد الأوروبى. رسخت الدبلوماسية الرئاسية مزيدًا من الاختراقات بالتعبير الدبلوماسى، على نطاق الثلاثيات: (مصر، العراق، الأردن) (مصر، اليونان، قبرص) (مصر، السعودية، الإمارات) فى شكل من أشكال التعاون الفريد بعيدًا عن التحالفات الكاملة ضد دول أخرى. يمضى عام.. وعلى مشارف عام جديد تجنى مصر ثمرة نجاح الدبلوماسية الرئاسية المصرية فى إعادة التوازن للعلاقات الخارجية للقاهرة بين الشرق والغرب. زيارات الرئيس السيسي للصين وروسيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وفيتنام كلها رسخت لمحاور جديدة مع مختلف دول العالم بتنوع فى المصالح، وبإضافات استراتيجية لصالح الاقتصاد والأهداف والمصالح الوطنية فى مجالات التكنولوجيا والتعلم والتسليح. التوازن والشرف والانحياز نحو المبادئ أسس مصرية، لذلك فإن تنوع علاقات القاهرة، وتوسيع آفاق التعاون مع دول غير تقليدية، تماشى فى الوقت نفسه مع الحفاظ على العلاقات والشراكات الاستراتيجية مع الولايات المتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوروبى خصوصًا ألمانياوفرنسا وبريطانيا. وفق معادلة التوازن، لم تأت العلاقات مع روسيا والصين أو مع دول الشرق الأقصى، على حساب المصالح المصرية مع باقى دول العالم خصوصًا فى الغرب، ففى كل معادلات السياسة المصرية، كانت المصالح الوطنية فى المقام الأول وهو ما يبدو جليًا الآن فى المواقف المصرية فى مواجهة الأزمات العالمية.. خصوصًا الأزمة الروسية الأوكرانية. بالمناسبة.. كان الرئيس السيسي أول رئيس مصري يزور أوزبكستان منذ زيارة الرئيس جمال عبدالناصر عام 1958. وأول رئيس مصري يزور صربيا منذ عام 1955. الرئيس السيسي أول رئيس مصري يزور جنوب السودان وجيبوتى ورواندا والجابون.. وإفريقيا الوسطى، والرئيس السيسي أول رئيس عربى وإفريقى يحضر «تجمع فيشجراد». نجحت الدبلوماسية الرئاسية بامتياز فى تعزيز المكانة والمكان. نجحت بامتياز فى دعم المصالح الوطنية واستراتيجياتها.. ومزيد من تحقيق متطلبات الأمن القومى والقدرات المصرية. عززت الدبلوماسية المصرية خلال عام مزيدًا من جهود التعاون مع الدول المختلفة، وتوفير الدعم الخارجى دعمًا مرة أخرى لجهود التنمية الشاملة التي تشهدها مصر.
(3) لولا قدرة الاقتصاد المصري بعد تعديلات جوهرية على مساراته بقرارات شجاعة، لما استطاع هذا الاقتصاد تحمل الصدمات المفاجئة.. والكوكبية. تحمل الاقتصاد أزمة كورونا وتداعياتها، تماسك الاقتصاد فى مواجهة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية. صحيح ظهرت أزمات، لكن الصحيح أيضًا أن فى الأفق حلولاً. والصحيح إجراءات الدولة السريعة لمواجهة الأزمات التي انعكست على المواطن فى مصر كما انعكست على المواطن فى كل دول العالم. مع تصاعد التداعيات السلبية للصراع فى أوكرانيا على الاقتصاد العالمى وانعكاس ذلك على الاقتصاد المصري، أعلنت الدولة المصرية خطتها فى التعامل، بناءً على 5 محاور. خلال العام الماضى، أطلقت الدولة مزيدًا من إجراءاتها لدعم القطاع الخاص فى الصناعة، وتوطين الصناعة المحلية مع توسيع القاعدة الإنتاجية، وتعزيز برامج وإجراءات للدفع فى اتجاه أهداف التنمية المستدامة وخفض الدين العام وعجز الموازنة، إضافة وهو الأهم إجراءات وبرامج للحماية الاجتماعية لضمان توفير السلع الأساسية للمواطنين.. وعين الدولة كانت على الأكثر احتياجًا. تستهدف الدولة من إجراءاتها لتعزيز دور القطاع الخاص، خلق المزيد من فرص العمل ورفع معدلات النمو. تستهدف الدولة المصرية رفع دور القطاع الخاص إلى ما يصل إلى 65 % من إجمالى الاستثمارات. كانت أبرز إجراءات الدولة فى هذا الخصوص تحسين مناخ الأعمال، وإطلاق حزمة من الحوافز المتنوعة، وفتح قنوات تواصل مباشر مع القطاع الخاص. إجراءات كثيرة على مستويات الاقتصاد ودعمه، تخللتها كأولوية حزمة الإجراءات والحماية الاجتماعية لدعم الأكثر احتياجًا، وتخفيف آثار الأزمات العالمية على المواطن فى مصر. خلال عام مضى، كانت أكثر من محطة من محطات إجراءات الحماية. فقد خصصت الدولة نحو 130 مليار جنيه للتعامل مع تداعيات الأزمة وتخفيف آثارها على المواطنين. بتوجيهات رئاسية، زاد عدد الأسر المستفيدة من «تكافل وكرامة»، وحسب التوجيهات الرئاسية تم ضم مليون أسرة إضافية للبرنامج. وفق الضم الجديد، وصل عدد المستفيدين إلى أكثر من 20 مليونًا على مستوى الجمهورية. بتوجيهات رئاسية صرفت مساعدات استثنائية لحوالى 9 ملايين أسرة، بتكلفة إجمالية مليار جنيه شهريًا للأكثر احتياجًا ومن أصحاب المعاشات الذين يحصلون على معاش شهرى أقل من 2500 جنيه.. وأيضًا من العاملين بالجهاز الإداري للدولة الذين يحصلون على راتب أقل من 2700 جنيه شهريًا. مصر كبيرة، مصر قادرة على مواجهة الأزمات. تنطلق مصر من منظورها لحقوق الإنسان فى توفير الحياة الكريمة للمواطن، وتحقيق متطلباته الأساسية. يظل مشروع حياة كريمة الذي يغير حياة أهالينا فى ريف مصر نموذجًا ومثالاً. تعمل الدولة المصرية على كل المسارات. يدخل عام جديد.. ومصر تتطلع لمزيد من التفوق على المسارات المختلفة. مصر كبيرة.. وستبقى كبيرة.