الصمت قنبلة موقوتة تفتك بالحياة الزوجية، تنتزع منها الألفة والسكينة والتآلف والتقارب، وقد تنتهى إلى الطلاق، يرى الخبراء أن الحوار بين الزوجين مثل الدم الذى يضخ فى شرايين هذه العلاقة، والمصل الفعال ضد المشاكل أو الأزمات. العديد من الإحصائيات الأجنبية تحديدًا أكدت أن 20 % فقط من الأزواج سعداء، أما الباقون فتمضى بهم الحياة بين التعاسة والشكوى والملل والنكد، أو البحث عن السعادة والمتعة خارج إطار الزواج، وأن الخرس الزوجى من أهم أسباب الخلافات الزوجية. وأوضحت دراسة للهيئة البريطانية للأبحاث المجتمعية أن نسبة الخرس الزوجى تزداد بمعدل 3 بالمائة سنويًا، بسبب ضغوط الحياة المادية والاقتصادية، زعمت أن هذه الأوضاع تظهر بصورة أكبر فى العالم العربى بما يمثل 45 حالة من كل 100 حالة زواج، مؤكدة أنه يبدأ بعد سنوات قليلة من الزواج قد تكون ال5 أو ال7 أو بعدها. وقالت الدكتورة عزة فتحى، أستاذ مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس: إن الزواج بدون الحوار تنعدم فيه الألفة والمحبة والود، وتزداد به المشاكل وتقل الثقة فى الطرف الآخر وتظهر الوساوس بين الأزواج، وكل هذه الأمور قد تؤدى فى لحظة ما إلى شىء أخطر، ويكون الضحية هم الأطفال ويتحملون وصمات عديدة وتتفكك الأسر وتبدأ الحياة فى الدخول بمتاهات، كما أن استمرار تدخل الأهل فى حياة الزوجين، يسبب نفورًا فى العلاقة العاطفية بينهما.
وأوضحت فتحى أن الحوار ليس ثرثرة، ولكن يكون بين الزوجين أفراد الأسرة، والنقاش فى الأمور المختلفة فى العمل والمدرسة والجامعة، ومشاهدة التليفزيون وتناول الطعام معا وزيارة أفراد الأسرة الكبيرة من الوالدين أو الأجداد، مؤكدة أنه يجب اختيار الوقت المناسب للحوار، فالصمت مكروه فى الحياة الزوجية، ولكنه مطلوب أحياناً، خاصة لو كان الرد المتوقع من الطرف الآخر عنيفًا ومستفزًا، وربما يؤدى لنتائج أخطر لا يمكن إصلاحها، ولكن لا يجب التمادى فى الصمت. وأضافت أستاذة مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن المرأة بطبيعتها تجنح إلى الكلام، بينما الرجل بفطرته يميل إلى الصمت، وبالتالى فمن الطبيعى أن صمت الزوج أثناء غضب زوجته يستفزها، وترى ذلك دليلاً على اللامبالاة وعدم الاكتراث وربما عدم الاحترام، بينما قد يستفز الزوج حين ترد عليه زوجته أثناء غضبه لأنه يرى ذلك عدم احترام. وأوضحت أن مشروع «مودة» بوزارة التضامن الاجتماعى يقوم على تدريب المُقبلين على الزواج على الحوار وإدارة الغضب، ومن الأفضل أن تضاف أمور أخرى كتدريس التربية الأسرية فى التعليم بشكل صحيح، ومادة المواطنة التى تدرس حقوق وواجبات الفرد نحو الوطن والأسرة، مع الاهتمام والإحاطة بأن هناك أوقاتًا شهرية تكون الزوجة فى أمس الحاجة إلى الاحتضان والاحتواء. ليس حكمة دائمًا! فى حين قال الدكتور محمد رضا الفقى، أستاذ الأمراض النفسية بالأكاديمية الطبية العسكرية: قد تشعر الزوجة بالإحباط عندما تجد زوجها يلتزم الصمت فى وقت تحتاج فيه إلى النقاش بإيجابية، ويعتقد بعض الأزواج أن هذا الصمت حكمة، ولكن قد يؤدى إلى استفزازها، ويتسبب أحيانًا فى زيادة الخلاف والغضب المكبوت بسبب إحساسها بالإهمال والتجاهل، وأن زوجها لا يتعاطف مع مشاعرها أو يحرص على إرضائها ولا يسعى لنزع فتيل المشكلة، وهكذا تظل جمرة النار متقدة تحت الرماد. ويضيف: فى أوقات أخرى، يستخدم الصمت الاختيارى للمعاقبة بالانسحاب من العلاقة، ويصبح الصمت وسيلة للغضب، ويعيق أيضًا فرصة الحل، لأنه يكتم الأفكار والمشاعر ويمنع إمكانية الحوار الحقيقى، إلى جانب صنع حاجز واضح لصحة العلاقة، ويمكن أن يؤدى الصمت إلى اليأس والاكتئاب أحيانًا. ويكمل: كلما زاد «الخرس الزوجى» قل التوافق النفسى، ما يؤدى إلى إحساس الزوجين بالبرود العاطفى واللامبالاة، وبالتالى موت الحب وانعدام اللهفة وانعزال كل منهما فى عالم منفصل، وحدوث الانفصال النفسى بينهما ومنه إلى الطلاق النفسى ثم الطلاق الفعلى، بسبب فقد الحوار الذى يربطهما فى عالم واحد، وتفاصيل عديدة تعزز من الروابط بينهما، فى ظل احتياج كل منهما لمن يهتم به ويرعاه ويحادثه وإبراز العواطف. واعتبرت دكتورة إيمان عبدالله، خبيرة الإرشاد الأسرى، أن الخرس الزوجى من أهم أسباب الفتور الجنسى فى العلاقة الحميمة، خاصة بعد فترة من استمرارها، حيث يصبح الأمر روتينيًا بشكل يجعل المرأة تمتعض من العلاقة وتتجنب حدوثها، ويؤدى غالبًا إلى وقوع أحدهما أو كليهما فى بئر الخيانة المظلم، أو يحاول كل منهما التخلص من الآخر بأى وسيلة.. ما يمثل بيئة غير صحية ويؤثر بشكل خطير على نفسية الأطفال، ويسبب لهم الكآبة والحزن. وأضافت «عبدالله» أن هناك أسبابًا متعددة لحدوث الملل والنفور ثم الصمت، أهمها: عدم التوافق بين الزوجين، عمريًا أو ماديًا أو ثقافيًا وتعليميًا، واعتياد الرجل الشرقى على أن التصريح بمشاعره قد يدل على ضعفه، وأحيانا يعتبر أن الصمت والسكوت أهم طرقه للتعبير عن المشاعر، ويبذل مجهودًا كبيرًا ليخرجها، لأن ذلك لا يريحه دائمًا. كما أن من الأسباب المعيقة لعلاقة زوجية طبيعية هو عدم التعبير عن المشاعر والرغبات وخاصة ما يتعلق بالعلاقة الحميمية، وبناء حواجز عاطفية ونفسية بينهما تدريجيًا، خاصة عندما يكون أحدهما لا يشعر بالرضا عن شريكه أثنائها، لكنه يخجل من المصارحة، فضلاً عن الضغوط الحياتية، وتحول الحياة إلى روتين متكرر دون مفاجآت، وانعدام العاطفة، نتيجة لمقارنة الزوج بأبطال الأفلام والمسلسلات التى تصور الشىء بغير واقعيته، حيث تصور العاطفة أنها نهر لا ينضب من الرجل لزوجته أو محبوبته. تضيف عبدالله إنه أحيانًا تكون الزوجة أكثر انشغالاً بالأطفال والمنزل، كما أن عمل الزوج طوال اليوم، وعدم وجود اهتمامات مشتركة أو حديث مستمر، يتسبب بقلة الكلام تدريجيًا، إضافة إلى عوامل أخرى مثل بخل الزوج فى عواطفه، فلا يعبر عن مشاعره تجاه زوجته ويعتبر المدح والكلام الحلو ضعفًا، وتشعر الزوجة بأن لا فائدة من الحديث معه. الهروب من المنزل! ويرى د.أحمد صالح، أستاذ علم النفس التربوى بجامعة أسيوط، أن كثرة الإنجاب تسبب الخرس الزوجى، حيث يلجأ الكثير من الرجال إلى الهروب من المنزل لأنه يصبح مكانًا للضجة وقلة الراحة والمتطلبات الأسرية التى لا تنتهى، كما أن جدال الزوجين فى متطلبات الأطفال واحتياجاتهم يؤدى فى النهاية إلى شجار عنيف بينهما، فيعمد الرجل غالبًا إلى الصمت، ولذلك يجب أن يحدد الشاب عدد الأطفال الذين سينجبهم بعد الزواج تبعًا لقدراته المادية والمعنوية والنفسية.
وأشار إلى دراسة ميدانية جرت بمدينة سوهاج أكدت وجود علاقة بين الخرس الزوجى واستخدام مواقع التواصل الاجتماعى، كما أوضحت دراسة أخرى أن 3 % فقط من الأزواج الصعايدة سلموا من أثر الفيسبوك عليهم، وأن الغالبية العظمى منهم واجهوا مشكلات عديدة فى مقدمتها الخرس الزوجى وتعميق الفجوة بين الأزواج بنسبة 24 %. إلى ذلك دعت أمريكية إلى أن العلاقات الزوجية ستفقد مكانتها العاطفية والإنسانية بحلول العام 2030، بسبب الإفراط فى استخدام «المحمول»، وأن الوقت الذى يقضيه الزوج مع المحمول، وخاصة أثناء الليل، سيجعله مع مرور الوقت يفقد الحاجة إلى التواصل مع زوجته. وأشارت إلى أن الزوج سيصبح مشغولاً، لأنه يفضل فحص وإرسال رسائله الإلكترونية أو الرسائل القصيرة، أو مشاركة أصدقائه فى لعبة «كاندى كراش» الإلكترونية بدلاً من الخروج مع زوجته أو التحدث معها فى أمور ومشاكل الحياة الأسرية والاهتمام بالأولاد، كما تزيد نسبة الخيانة الإلكترونية وسهولتها، وهو ما قد يتسبب فى المزيد من تفكك الأسرة المعرّضة للصمت أو الخرس الزوجى أصلاً. وأجمع خبراء الطب النفسى والإرشاد الأسرى والاجتماع، على أن الوقاية من الخرس والزوجى وعلاجه يكون من خلال تربية الأبناء على أسس تنمية الثقة بالنفس وحرية إبداء الرأى، وتنمية الوعى بمفهوم الزواج والقضاء على المفاهيم والمعتقدات الخاطئة. وأكدت على ضرورة تنمية الثقافة الزوجية فى مجالات: الحفاظ على الحب بين الزوجين وتنميته، تنمية الذكاء العاطفى، الثقافة الجنسية، طرق حل المشكلات، وفنون الحوار وإدارة الأسرة والتربية السليمة.. وتثقيف المرأة نفسها وتنمية قدراتها ومهاراتها، تزيد قدرتها على التعبير، فتنزع احترام زوجها لحديثها ورغبته فى ذلك عندما ترقى اهتماماتها وفكرها ولغتها. من المهم أيضًا تعزيز ثقافة التواصل الفعال بين الزوجين، وبيان أهمية اختيار أفضل العبارات لا سيما عند الخلاف فى الرأى، والتعبير عن مشاعر الحب والإشباع العاطفى بجميع وسائله اللفظية والمادية والحسية، والجلوس فى حوارات مفتوحة هادئة وواعية حول سبل تنمية العلاقة بينهما وتربية أبنائهما. وحسب آراء المتخصصين فمن الضرورى تعلم مقاومة الرتابة والفتور، كالتغيير فى البيت وفى سبل الترفيه، والبحث عن اهتمامات مشتركة أو هوايات أو تمارين رياضية للقيام بها فى أوقات فراغهما.وتحديد أهم الأشياء التى تخلق بينهما خلافًا، وتجنبها، وإعادة إحياء روح فترة الارتباط الأولى والخطوبة، ووجود مصارحة بين الزوجين بما يسعدهما فى العلاقة الحميمة وما لا يسعدهما، وكسر الروتين فيها، والتحدث عن مخاوفهما ومشاعرهما والأشياء التى تسعد كل طرف، بصراحة ووضوح دون تجريح، والحرص على التقدير المتبادل، والتفهم الجيد لشخصية وطبائع وخصال الطرف الآخر، والاختلافات الطبيعية بين الجنسين، وتقبل كل منهما للآخر، وأن يعنى كل منهما بتنمية شخصيته. كما أن على الزوجة معرفة أن الزواج ليس بالصورة الوردية كما تصورها الأعمال الدرامية والفيلمية، وألا تكلف زوجها ما لا يطيق، ولا تشترى إلا الاحتياجات فقط، وألا تنغمس بالأمور المنزلية وتربية الأطفال فقط، وتدليل زوجها فإن بداخله طفلاً يحب ذلك، وتسمعه كلمات التشجيع والإعجاب والتقدير والاحترام والامتنان والشكر، فذلك سر امتلاك قلبه. ومن الواجب على الزوج ألا يجعل العمل والأصدقاء يؤثرون سلبيًا على حياتهما، وعدم البخل بقول كلمات المدح والثناء لزوجته، فلها تأثير السحر عليها، وأن يمازحها ويتحاور معها كصديق ويتقرب منها، ويشاركها مشاعرها وأفكارها، ويعاونها فى شئون البيت إظهارا للرعاية والاهتمام.