للكبار فقط، هذا التحذير ظهر مع حلقات مسلسل بيمبو الثمانية التى انتهت منصة شاهد من عرضها مؤخرًا، أى أن العمل موجه لمن هم فوق الثامنة عشرة عامًا، لتبدأ من هنا مفارقات هذا المسلسل الذى يؤكد الجدل حوله أنه يطرح أسئلة أعمق بكثير من تلك التى جاءت فى المحتوى حول شخصية البطل اليتيم الضائع، ديلر المخدرات الذى يبحث عن ذاته كما الغريب فى رواية ألبير كامو. المفارقة المقصودة فى الفقرة أعلاه أن هذا المحتوى مصنوع بالأساس لمن هم تحت السن، الجيل زد كما صنفته أدبيات الميديا الجديدة، القادر على فهم التعبيرات التى يقولها الأبطال، بل القادر على حفظ الأسماء الحقيقية للأبطال والتفرقة بين أغانى ويجز وشاهين وأبو الأنوار وفيديوهات عمر شرقى وملك الحسينى ومحمد مولا، لهذا جاء المسلسل يعانى من نفس الأزمة التى يعيشها هذا الجيل، التخبط فى تحديد الهوية، استعادة أغانى التسعينيات وموسيقى هانى شنودة واستخدامها كخلفية تعلق على الأحداث، فيما الشخصيات كلها «مبتورة» ولا تتكشف حقيقتها إلا فى الحلقة الأخيرة، بينما القصة الرئيسية جريمة القتل لا ينتج عن كشف سرها أى شعور بالدهشة أو المفارقة لدى المتفرج، أو على الأقل هذا ما أحسست أنا به، حتى عندما اتضح أن شقيق البطلة هو وراء كل شىء، لا أظن أن من شاهد شعر بالصدمة، ليس لأن الحبكة لم تكن جذابة ولكن لأنه من البداية لم تكن هناك حبكة بالمعنى التقليدى المتعارف عليه.
بوستر المسلسل
نحن باختصار أمام مسلسل اهتم بالشكل على حساب المضمون، أو لنقل لم يضع صُنّاعه المضمون نصب أعينهم لأنهم ببساطة يخاطبون جمهورًا يريد كل ما تعود عليه متتالٍ ومتداخل أمام عينه، دون أن يتعايش مع الشخصيات وهمومها ويضع نفسه مكانها، جمهور تعود على الفرجة على كل شىء بسرعة، الذهاب من فيديو لآخر فى ثانية، كما مشاهد المسلسل حيث الإيقاع اللاهث الذى يجعلك تنسى ما حدث وعلى حالات الاستفاقة التى تصيب بيمبو أن تعيدك للحدث الرئيسى، البحث عن الصديقة المختفية وقاتل الأنفلونسر فى الحلقة الأولى. لا يمكن أن توجه لعمرو سلامة المشرف الإبداعى والمخرج عمر رشدى والمؤلف محمد عماد الدين أديب أسئلة من نوعية، أننا لم نعرف حتى اسم بيمبو الحقيقى عن عمد، ولا سبب ترك والدته له، لأن هذا ليس الهدف من المسلسل، الهدف هو صناعة صورة درامية تناسب الجيل، الجيل زد صغير السن الذى استغرقته الدراما الأجنبية الحديثة فلماذا لا نقدم لها مثلها لعل وعسى نعيده للدراما الناطقة بالعربية مرة أخرى. لا أظن أبدًا أن من تابعوا المسلسل من هذا الجيل، قد توقفوا أمام مشهد المواجهة بين بيمبو ووالدته بالتبنى، حيث نصيحة البحث عن الذات، ولن يبحث أحدهم عن رواية ألبير كامو لقراءتها، هم ببساطة شاهدوا وأظنهم استمتعوا ثم ضغطوا «لايك» كما هى العادة فى عصر السوشيال ميديا ولا شىء بعد ذلك. على خط مواز، بل متشابك، قدم فريق العمل أسلوبًا جذابًا فى التصوير والمونتاج، واستخدام الموسيقى الشهيرة فى مواضع درامية مناسبة معظم الأوقات، وعلى مستوى التمثيل لم يضف العمل جديدًا لأحمد مالك وهدى المفتى، لكن الاكتشاف الحقيقى كان «ويجز» الذى قد ينجح كممثل أكثر منه مطربًا إذا أحسن استغلال إمكاناته، فيما أعتبر الثنائى أحمد بسيونى وأحمد الأزعر من أفضل ما فى الحلقات الثمانية، ولا مناص من تكرار الإشادة بمستوى طه دسوقى الصاعد باستمرار، فيما أكد سليمان عيد قدرته على تقديم أداء متميز لشخصية غير منطقية فى كل شىء، لكن يكفى جيلى اسمها المحبب إلى القلب، «شمعدان» اللى زى ما بنحبه بيحبنا كمان وكمان، كان هذا فى الثمانينيات عندما كانت الدراما لكل الجمهور وليست فقط للأندر إيدج.