شباب جمعتهم فى مكان واحد عزيمة واحدة، وإصرار واحد على التخلص من الإدمان، مَهْمَا كانت التكلفة. الجميع يريد العودة إلى الحياة بعد الوقوع فى دوامة المخدرات. ولهذا السبب تأسَّس مركز العزيمة للدعم والتأهيل والمساندة، وهو أول مركز لتأهيل مرضى الإدمان بالصعيد، تابع لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى بوزارة التضامن الاجتماعى، على مساحة 10 آلاف متر، ويضم المركز مبنى للنزلاء بطاقة 120 متعالجًا، إضافة إلى جيم وملعب كرة ومسرح و4 ورش نجارة ونقاشة وكهرباء وحدادة؛ لتعليم المتعافين الحِرَف لدعمهم وتأهيلهم وإعادة دمجهم فى المجتمع من جديد. أنشطة اجتماعية وترفيهية
أصبح المركز طاقة نور لكل من دخل عتمة الإدمان، ولأن لا شىء يعادل الإحساس بالعودة إلى الحياة واستعادة الشعور بالناس وبالأصدقاء والجيران مرّة أخرى، تحدّث الشباب المتعافى تحت التأهيل عن قصص وحكايات انزلاق أقدامهم تحت قطار الإدمان السريع بنصائح لشباب آخرين قد ينخدعون بشائعات وكلام غير حقيقى من رفاق السوء. قال علاء محمد إنه متزوج ولديه أربعة أطفال كان يعيش حياة عادية بعلاقات طيبة مع الأصدقاء والجيران، يعمل نجارًا ومعروف بصنعته وحرفيته. ومع الوقت بدأت الرؤية تصبح ضبابية، تعرَّف إلى بعض أصدقاء السوء ومن خلال التعاملات المختلفة دخل فى دائرة الإدمان وواحدة واحدة بدأ يفقد كل شىء، أصبح سيئ السمعة واضطر إلى بيع ورشته لأجل المخدرات وقد وصل إلى الفقر بعد 14 سنة من الإدمان وهو فى العقد الرابع من عمره. وعندما أفاق لنفسه سعى لمركز التعافى للعودة للحياة مرّة أخرى. ويقول: خلال مراحل الإدمان يفقد المدمن كل إحساس بمَن حوله، فكل ما يهمه ربع قطعة حشيش جديدة. يضيف: الآن كأنى أشعر أنى وُلدتُ من جديد وأنى أسير بجانب بُستان زهور بعد أن كانت كل حياتى السير بجانب سلال الزبالة. والتحق «علاء» داخل المركز بورشة النجارة وساعده المركز بقرض ليبدأ حياته من جديد. أمّا محمد خالد فقد ظل 15 سنة يتعاطى المخدرات وبدأ فى سن المراهقة، حتى وصل إلى مرحلة فقد فيها كل شعور بالآدمية، واليأس من الحياة، وأن المجتمع والأهل يرفضانه، فكان طريد كل مكان، إلى أن سمع عن مركز التعافى. يقول نبيل فوزى المشرف العام على المركز: إن الاحتواء النفسى للمرضى هو الأساس قبل تعليم أى شىء، فمركز التعافى رسالة إنسانية ونعلم أن القادم لديه مشكلة نفسية نحاول تفريغ طاقته السلبية من خلال تقديم الدعم الكامل حتى تستقر حالته النفسية، ومن ثم يكمل المتعافى رحلته العملية والعلاجية. تعليم حرف فى مركز العلاج
ومن حكايات الناجين من الإدمان حسام محمد 35 سنة، كان طالبًا فى كلية الشريعة والقانون ولاعبًا دوليًا وحصل على عدة بطولات فى الكيك بوكس، قبل أن يقع فى شباك الإدمان، من خلال التجربة مع الأصدقاء. وبعد المعاناة الشديدة من الهزائم التى لحقت به على كل المستويات دله أحدهم على طريق التعافى ووصل إلى المركز ليعود كما كان ناجحًا ومتفوقًا ومحبوبًا. قال: بدأت أعوّض الأيام التى فاتتنى فى الضياع وقد التحقت بنادى السكة الحديد فى الكيك بوكس. وقال: بعد خروجى من المركز اشتركت فى بطولة الجمهورية وحصلت على المركز الأول والميدالية الذهبية، وأحلم بالاشتراك فى بطولة العالم. الإدمان كما يقول الأبطال المتعافون منه يمر بعدة مراحل حتى يصل الذروة، الأولى مرحلة تجربة المخدرات ثم التعاطى عن عَمد، مرحلة الإدمان وأخيرًا مرحلة اللا عودة. وعلاج الإدمان داخل المركز يتم وفق خطوات، أولها مرحلة التقييم الشامل والفحص الأولى؛ حيث يتم فحص وتقييم عالى المستوى للاحتياجات الطبية والنفسية والاجتماعية للمريض، ومدى شدة الإدمان وأعراضه. ثم مرحلة طرد السموم من الجسم، وهى من أصعب المراحل وأكثرها معاناة للمدمن، ويشرف عليها أساتذة وأطباء متخصصون فى علاج الإدمان. ثم تأتى مرحلة التأهيل والعلاج النفسى السلوكى، وهى من أهم مراحل العلاج؛ لأنها تستهدف علاج الاضطرابات النفسية جراء الإدمان، وتشتمل على بعض برامج الدعم الذاتى، والعلاج الجمعى، وأخيرًا مرحلة المتابعة الخارجية بعد التعافى. خلال مرحلة المتابعة بعد التعافى يستمر المركز فى متابعة المتعافين من خلال برنامج ممنهج للمساعدة فى الوصول إلى مرحلة آمنة ومستقرة ويوفر لبعض المتعافين مَلجأ وملاذًا آمنا فى أى وقت. الرسالة المهمة أن المدمن مريض والمريض يمكنه أن يتعافى نهائيًا، ولا بُد من أن نعلم أن المريض ليس منحلاً أخلاقيًا، ومدمن المخدرات لا يعلم معنى العزيمة والإرادة، «هو عايز حل مش هجوم.. مفيش مدمن مخدرات راضى عن حياته وعيشته حتى لو حاول يظهر لك عكس كده، قف جواره سانده وساعده وقدّم له يد العون، فلا تفقدوا الأمل أبدًا فى مدمن».