ما يوجد فى مجتمعاتنا العربية، بل من ظلم ضد النساء، دائمًا نُرجعه لفكر المجتمع الذكورى، ورغبته فى فرض سيطرته على المرأة بشتى الطرُق، ولكن أن تكون المرأة هى من تمارس الظلم أو الاضطهاد ضد امرأة مثلها!! فهو ما ليس له أى تبرير.. ولا يكون الأمر مجرد عدم مساندتها.. مع أنه من المفترض أن تتعاطف معها لأنها تشعر بمعاناتها!! وإنما يصل إلى إيذائها نفسيا وإحباطها ومحاربتها.. حتى فى وقائع التحرش نجد أن كثيرات من النساء تحمل البنت المسئولية.. فهل صحيح أن جزء من أزمة المرأة .. مرأة مثلها؟! من صور الاضطهاد التى نصادفها كثيرًا وتؤكدها الكثيرات.. أن الرجل كمدير أفضل فى معاملته وأكثر تقديرًا لظروف المرؤوسات من المرأة المديرة، أيضًا تجد أبًا يشجع ابنته على تحقيق أهدافها وبناء شخصيتها وأمًا تثبط من عزيمتها وتفضل أخوتها الذكور عليها.. وتظهر صور اضطهاد المرأة للمرأة واضحة جدًا على صفحات السوشيال ميديا من التعليقات عند وجود جريمة تحرش أو اغتصاب أو حتى جريمة قتل ضحيتها امرأة.. فنجد من النساء من تقول «استروا على الجانى حرام عليكم» أو «لبسها هو السبب» أو «دا جوزها وحقه يربيها»!!! والعديد من التعليقات المستفزة. وظهر ذلك فى أحدث جريمتين.. جريمة رمى سيدة من بلكونتها.. وجريمة التحرش بالفتاة الصغيرة.. دراسة فى جامعة أريزونا الأمريكية تشير إلى أن التجاوزات اللفظية واستخدام الشتائم والألفاظ المسيئة مستخدمة أكثر بين المرأة والمرأة بالمقارنة فى استخدامها بين المرأة والرجل أو حتى بين الرجال وبعضهم بعضًا.. ووجدت الدراسة أن نسبًا عالية من نوعية السلوك الذى يعتمد على التجاهل والمقاطعة أثناء الحديث وتوجيه التعليقات والانتقادات السلبية أعلى كثيرًا بين النساء.. ما الذى يدفع المرأة لممارسة أى نوع من الإيذاء ضد امرأة مثلها فى العمل أو على صفحات السوشيال ميديا أكثر مما يمارسه الرجال عليها؟! الاجتماع يحلل بهذه التساؤلات لجأنا للدكتورة نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع لنحلل موقف المرأة من المرأة وما يحمله من اضطهاد فى أكثر من صورة فقالت: «أولًا هذه الأبحاث لا نستطيع أخذها على علاتها لأن العينة قد لا تكون ممثلة بدقة وغير واضح ظروفها أو ناقصة لأن نجاح اختيار العينة بمنهجية علمية دقيقة تمثل 90٪ من نجاح نتائج البحث ليمثل الواقع.. ومع هذا لا نستطيع إنكار أن للمرأة أساليبها فى مضايقة امرأة غيرها، وهذا السلوك غالبًا ما يكون ناتجًا من أنها تفهمها وتفهم ألاعيب المرأة من جنسها، وفى أغلب الأوقات لدى المرأة إحساس دائم بالقلق والخطر من ضياع زوجها أو أن يُخطف منها وراء معظم تصرفاتها غير اللائقة مع امرأة أخرى، وعندنا حالات على هذه الشاكلة بالطبع أكثر مما يحدث فى الغرب، وذلك بسبب حال المرأة المتراجع فى العالم العربى وعدم حصولها بصورة كاملة على حقوقها.. إلا فئة قليلة من المثقفين، وأيضًا لا نعتبر أن هذه الشريحة البسيطة أخذت حقوقها كاملة، فالغالبية العظمى لاتزال تعانى. كذلك هناك ضغط كبير باسم الدين مستشهدين ب «الرجال قوامون على النساء»، وهو ما يطالب المرأة بالخضوع عن عدم وعى حقيقى وبالهيمنة الدينية المغلوطة لاستخدامه كسلاح للضغط فى مجتمعاتنا الذكورية، وهو ما له أصل من ملايين السنين من مرحلة الصيد فى العصر الحجرى!! فيجرى الرجل وراء الحيوانات للصيد ويقدم لها الأكل، وإذا تمردت أو رفضت طاعته لن تجد ما تأكله.. من هنا بدأت السلطة الذكورية، فتظل المرأة منصاعة للرجل.. وفى أيامنا هذه إذا مشت بعض البنات من عند أهلها فهم وبالتأكيد لا يريدون أن تعود لهم ثانية للظروف المادية التى تحيط بغالبية الناس وعدم قدرتهم على تحمل مسئوليتها.. والأمان الوحيد هو زوجها ليصرف عليها، والرجال يعرفون ذلك، لذا هناك الكثير منهم يرفض عمل المرأة؛ لتظل المرأة خاضعة له مع أن الزواج يجب أن يكون شركة.. نتاج هذا المجتمع طفل وطفلة يربيان على هذا المبدأ بنفس العقلية، فلا تتعاطف المرأة مع مثيلتها وإنما تتصرف بما تربت عليه من انصياع المرأة للرجل استنادًا على مفاهيم دينية مغلوطة، وتبرير تصرفاته ونظرة دونية لنفسها ولغيرها من النساء. الخوف تضيف الدكتورة نادية رضوان: «إحساس المرأة الدائم بالقلق، وفرصها الأقل دائمًا عن الرجل هو ما يجعلها خائفة على مكاسبها، وردود فعلها العدوانية تجاه امرأة أخرى لشعورها بأنها تنافسها على هذه الفرص المحدودة، وهو نتيجة ليس فقط لظروف مجتمعها وإنما لعدم تربية ووعى وانعدام الثقة فى النفس، وهى الحالة التى تجعل الناس تتكلم عن بعضها، وتشعر بالغيرة من بعضها، فالخوف وعدم الأمان سواء فى بيتها أن يخرج زوجها من البيت ويتزوج عليها ويتركها أو فى عملها أن تحرم من حقوقها. فوراء كل عنف لفظى ونفسى شعور بالخوف والتهديد، وتفوهها بألفاظ دليل على خوفها ورعبها، ولكن مع هذا فرد الفعل يختلف من موقف لموقف ومن شخصية لشخصية فلا يمكن لشخصية معينة أن تشتم مَهما تعرضت لضغوطات.. ولأن الشخص الخائف هو الذى يكون رد فعله غير سوى لخوفه من ضياع مكتسباته فيهاجم منافسه.. إذا كانت المرأة واثقة من نفسها، محققة نفسها، متصالحة مع نفسها، لديها إحساس بالأمان النفسى والعاطفى والمادى مكتفية بنفسها وراضية عنها لن تفعل ذلك، فالأمان والشعور بأن حقوقى مضمونة يخرج أفضل ما فى الإنسان، لأنه فى حالة استقرار نفسى فلا مجال للكذب والغش أو التلاسن، وطبعًا أمامنا مشوار طويل للوصول لهذه الحالة من الأمان والسلام النفسى كما حاربت المرأة الغربية فى الستينيات.. ضغوط أكثر وتضرب الدكتورة نادية مثلًا: «نموذج نراه كثيرا عندما تمسك امرأة زمام الأمور وتكون فى دور قيادى نراها جادة حازمة للحفاظ على مكانتها وإنجاز المهام بسبب ضغط من المجتمع الذى لا يثق بقدراتها لمجرد أنها امرأة !! ويكون هدفها الوحيد أن ينجز العمل بغض النظر عن رضا وحب من حولها، المهم تثبت نفسها فى عملها.. نموذج آخر يكون أسلوبها مختلفًا مع الرجال لتستقطبهم «لمسح الجوخ» أو لخوفها منهم لأنها تعرف أنها غير مرغوبة من الرجال فى القيادة فتكون مبالغة فى ردود أفعالها للنساء وناقدة لهن خوفًا من الاعتقاد بأنها فى صف النساء لترضى الرجال وتأخذهم فى صفها، فنجد النساء يكرهنها. وفى الغالب المرأة الناجحة أعداؤها كثيرون فما بالك بالمرأة فى المناصب الإدارية فى بيئة يتهافت فيها الذكور على هذه المناصب!! غير مرحب بها بالتأكيد لا من ذكور باعتبارها اقتنصت فرصتهم ولا من النساء اللاتى تتزعزع ثقتهن فى أنفسهن.