تعزيزات أمنية واسعة استعدادًا لانتخابات مجلس النواب 2025 بالفيوم    التنسيقية: لم نرصد أى مخالفات انتخابية خلال تصويت المصريين فى الخارج    رئيس جامعة بنها: توفير منح دراسية للطلاب والخريجين والتواصل المستمر مع الأطراف المجتمعية    تعرف علي سعر جرام الذهب عيار 21 مع إجازة الصاغة    شُعبة الدواجن تطالب أصحاب المزارع والفلاحين بأهمية التأمين والتحصين    وزير المالية : "نحن نبني على مسار «الشراكة واليقين» مع المستثمرين"    غرفة البحرين تشارك في منتدى التجارة والاستثمار المصري الخليجي    صرف تكافل وكرامة لشهر نوفمبر 2025.. اعرف هتقبض امتى    القاهرة تحتضن منتدى مصر للإعلام بمشاركة نخبة من الخبراء    رئيس جهاز الاتصالات: لا يوجد أى قرار رسمى برفع أسعار خدمات المحمول بمصر    هاري وميجان يتبرعان للجمعيات الخيرية وسط أزمة جوع متفاقمة فى أمريكا    استشهاد لبناني في غارة إسرائيلية جنوب لبنان    «أطباء السودان»: «الدعم السريع» حرقت مئات الجثث في مدينة الفاشر    أزمة غير مسبوقة.. أكثر من 21 ألف جندي أوكراني يفرون من الخدمة في شهر واحد    التفاصيل الكاملة لاختطاف 3 مصريين في مالي.. وتحرك عاجل من الخارجية    تشكيل بيراميدز - محمود جاد أساسي لأول مرة في مواجهة سيراميكا بالسوبر المصري    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    أمن القليوبية يضبط صياد يستخدم مولد كهرباء لإصطياد الأسماك بالصعق الكهربائى    تأجيل محاكمة 10 متهمين في قضية «خلية التجمع»    مؤتمر صحفي للهيئة الوطنية لإطلاع الرأي العام على تجهيزات المرحلة الأولي من انتخابات النواب    الداخلية تطلق خدمة VIP إكسبريس لتصاريح العمل.. استلام الكارت المميكن خلال ساعة واحدة    تعليم القليوبية تحيل واقعة تعدي عاملة على معلمة بالخصوص لتحقيق    وزارة الثقافة تحتفي باليوم العالمي للطفولة    الحالة الصحية للمطرب إسماعيل الليثي.. مدير المستشفى: تحسن الضغط والتنفس    «أكبر خيانة».. ما هي الأبراج التي تكره الكذب بشدة؟    أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين    ورش للأطفال وتوعية وفنون في انطلاق قافلة الثقافة عبر المسرح المتنقل بقرية بنجر 28    فيديو.. عمرو أديب يعلق على انتقادات البعض لتغيير آرائه: أنا لا أحمل رسالة دينية    ذعر في الولايات المتحدة بعد اكتشاف حليب أطفال ملوث يصيب الرضع بالتسمم    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    انتظام أعمال الدراسة بالمركز الثقافي بأوقاف السويس    بين السياسة والرياضة.. أحمد الشرع يثير الجدل بلقطة غير متوقعة مع قائد أمريكي (فيديو)    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    محمد معيط: التعريفات الجمركية ألقت بظلالها على صناعة التأمين وأثرت على النمو الاقتصادي    تأجيل محاكمة 10 متهمين بخلية التجمع لجلسة 29 ديسمبر    «كفاية كوباية قهوة وشاي واحدة».. مشروبات ممنوعة لمرضى ضغط الدم    مديريات التربية والتعليم تبدأ تجهيز الاستمارات الورقية لطلاب الشهادة الإعدادية للعام الدراسي 2025/2026 استعدادًا للامتحانات    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    نهائي السوبر وقمة الدوري الإنجليزي.. تعرف على أهم مباريات اليوم    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    جاهزية 56 لجنة ومركز انتخابي موزعة على دائرتين و 375543 لهم حق التوصيت بمطروح    كيف تعاملت زوجة كريم محمود عبد العزيز مع أنباء انفصالهما؟    وفاة الكاتب مصطفى نصر بعد تعرضه لأزمة صحية مفاجئة    برلماني يدعو المصريين للنزول بكثافة إلى صناديق الاقتراع    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    الأهلي والزمالك.. تعرف على جوائز كأس السوبر المصري    أجهزة الداخلية تتمكن خلال 24 ساعة من ضبط 337 قضية مخدرات و150 قطعة سلاح    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025.. تعرف على لجنتك الانتخابية بالخطوات    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    بعد مسلسل كارثة طبيعية، ما مدى أمان الحمل بسبعة توائم على الأم والأجنة؟    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    حبس وغرامة.. نقيب الأطباء يكشف عقوبة التجاوز والتعدي على الطبيب في القانون الجديد (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 8-11-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسطورة صديقه الصدوق!
نشر في صباح الخير يوم 14 - 04 - 2021

كان يصرخ وهو يحدِّثنى على الهاتف: «يعنى إيه يتدفن النهارده؟! سيد لازم تتعمله جنازة شعبية».
«معلش يا عمو، إكرام الميت دفنه»، هكذا أجبته وهو لا يزال يصرخ: «يعنى إيه؟! أنا جاى».
جمال مختار رفيق رحلة أبوالسيد الطويلة، الرجل الذى شبَبْت عن الطوق وأنا أرى ابتسامة
أبوالسيد تكبر فقط حين يسمع صوته، وضحكاته تزداد كلما كان عمو جمال جليسه وصحبته.

طالما اعتقدت أنهما صديقَا طفولة، وعلمت بالمصادفة منذ أشهر قليلة قصة تعارفهما الغريبة. فى أوائل السبعينيات علم جمال من صديق له أن أبوالسيد الآن فى أحد بيوت الإسكندرية، ولأن جمال كان يحب أبوالسيد مِن بُعد، فقد جازف وذهب إلى أبوالسيد فى منزل الرجل الذى لا يعرفه. قابل أبوالسيد وعرَّفه نفسَه حتى إنه أراد أن يُثبِت له بالدليل القاطع أنه يحبه، فعرض عليه أن يغنِّى له أغانيه التى يحفظها عن ظهر قلب، وسَرْعان ما بدأت صداقتهما العميقة الطيبة.
انتهت السهرة فى منزل الغريب عن جمال مختار، وواصل أبوالسيد وجمال سهرتهما التى امتدت إلى الصباح، وفى تلك السهرة بدأت رحلتهما معًا.
جمال مختار، هذا السكندرى الجميل، أحد كبار ضباط قُوَّاتنا البحرية المصرية، والرجل الذى أسَّس الأكاديمية العربية للنقل البحرى التى أصبحت فى ما بعد الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، ظَهْر أبوالسيد الذى طالما اعتمد عليه فى المِحَن، وشريك أوقات السعادة الذى لم يغِب عن عائلتنا فيها قَطّ.
«مش عارف، حاسس إنه مش كفاية»، هكذا قال لى بعد أن أصَرَّ فى ذكرى الأربعين لأبوالسيد أن يُقِيم له تكريمًا يليق به، دعا إليه كل أحباء أبوالسيد الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم، المختلف عنهم والمختلفون معه، وإكرامًا لأبوالسيد استقبل الجميع وكان أحرص الموجودين على أن تكون المناسبة لائقة بصاحب عمره وصُحْبته.
«طبعًا هاروح، جمال مش ممكن يطلب منى حاجة واتأخر عليه أبدًا»، كان هذا ردّ أبوالسيد على دعوة عمو جمال إلى أحد احتفالات الأكاديمية التى يقيمها.
تَعوَّدتُ منذ طفولتى أن عائلتنا ما إن تطأ أرض الإسكندرية حتى نكون تحت مظلَّة عمو جمال، شئنا أم أبينا، نصل إلى منزلنا فيكون أول اتصال من أبوالسيد لعمو جمال ليبلغه بوصولنا، ويتركنا أبوالسيد ليلًا ليذهب إليه، يضع ألحانًا لا يأتى وحيها إلا فى صحبة عزيزه الأقرب. كان يكفينى وأنا طفلة لأعرف مقدار جمال مختار أنْ ترك والدى أحد أعواده فى منزله، وهو الذى لا تفارقه أعواده أبدًا، فهو يعتبرها أبناءه ويعاملها كما الأطفال، فما بالك إذا ترك أحد أبنائه لدى جمال؟! ولم أعرف إلى اليوم من منهما كان يؤدِّى دور الأب للآخر، فلا قرار يخصّ أيًّا منهما إلا بعد مشورة الآخَر، لا حلّ لمشكلة إلا بعد أن يتدارساها معًا، لا فرح ولا حزن إلا وكتفاهما متلاصقان.
«عمك جمال ده عجيب يا شيخه! عسكرى مافيش منه، الأكاديمية دى عملها من الهوا، وشوفى الناس بتحبه وبتحترمه إزاي! جمال ده من نِعَم ربنا عليا».
تعلو الضحكات فى منزلنا، ووالدتى تتفنَّن فى تقليد مشية عمو جمال المميَّزة، وتحيطنا زوجته الرائعة بكرم لطفها الذى لم يغِبْ عنها لحظة.
تأتمن أمى زوجته على أسرارها، تترك لديها مفتاح منزلنا فى الإسكندرية ولا تتركه لشقيقاتها، وتشد زوجته البهية طنط سهيلة أَزْر أمى كلما اشتدَّت وطأة غياب أبوالسيد عليها.
«إنتى مش هتفهمى أبوكى ده بالنسبة ليا إيه غير لَمَّا تكبرى»، وبالفعل لم أدرك صداقتهما التى كنت أظنُّها فقط وطيدة إلا حين خبِرْتُ ما خبِرْتُ من الحياة الطاحنة.
ورغم تنوع صداقات أبوالسيد وعمو جمال، ظلّت علاقتهما بالنسبة إليّ هى المثال الأكبر والأشمل لِمَا تعنيه كلمة الصداقة، رأيت جمال مختار محاربًا يقف بقوة ضدّ مَن يطال أبوالسيد ولو بكلمه تندرج تحت قائمة الدعابة، وشهِدْت أبوالسيد يتحدث عن جمال كما لو كان يتحدث عن نفسه، لم يترك أبوالسيد مناسبة كان لجمال مختار إنجاز فيها إلا كان صوته يشدو احتفالًا بصديقه الدَّؤُوب الذى استطاع أن يُحِيل أكاديمية النقل البحرى إلى أحد - إن لم يكُن أنجح- الكيانات العربية الموجودة فى وطننا العربى، لم أعرف أبوالسيد إلا مُفاخِرًا بأسطورة صديقه الصدوق، ولم أرَ جمال مختار، هذا العسكرى والجامعى والإدارى الناجح، بين يدَى أبوالسيد إلا طفلًا يضحك ويغنِّى ويطوِّل عنقه مباهاة بأنه صديق هذا المبدع الإنسان.
يُصِرّ أبوالسيد على أن يغنى لأبناء صديقه فى أفراحهم أغانى كُتبت خصيصًا لتلك المناسبة، وهو ما لم يفعله معنا أنا وإيناس. تمرض والدتى فيستلزم جزء من علاجها أن نكون فى لندن، فيفتح لنا جمال مختار أبواب بيته اللندنى لنسكن هناك ونشعر أننا فى منزلنا لا فى مدينة تئنّ من الجفاء فى كل ما بها.
«عمِّك جمال ده من القليلين قوى اللى ممكن أعمل معاهم أى حاجة نِفْسى فيها، ماعندوش مستحيل، المهمّ نكون مبسوطين، وماعرفش يا عمّ بيلحق يعمل كل الحاجات دى إزاى!».
وفاءً لمشوار طويل ورحلة لم يتوارَ فيها هذا الرجل أو عائلته من جميع مشاهدها، وفاءً لعلاقة قلّما وُجدت فى زمن تغلب عليه المصالح... أكتب عن جمال مختار، العمّ، والأب الثانى الذى وهبه لى أبوالسيد دون أن يعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.