«يا أهل بلدى فى كل مكان من المنزلة لغاية أسوان، ياللى اتحرمتوا من التعليم الفرصة لسة قدامكم، من غير ما تغرموا ولا مليم إذاعتنا ناوية تعلمكم، بس اللى مطلوب منكم تتجمعوا كده كلكم، يوماتى وفى نفس الميعاد، وتحضروا من فضلكم ورقة قلم ومراية، وتخلوا بالكم معايا، يلا بقى سمع هوووس». على أنغام الإذاعة وصوت عبد البديع قمحاوى وعايدة شكرى كان يلتف الأميون حول الراديو ليفتحوا الشبابيك لنور العلم، والآن يجمعهم الجهاز التنفيذى للهيئة العامة لتعليم الكبار حول شاشات الهواتف الذكية بحثًا عن مخرج لاستمرار جهود مكافحة الأمية رغم حظر التجمعات بسبب فيروس كورونا. قد تبدو فكرة محو الأمية «أونلاين» مستغربة فكيف لشخص لم تُتَح له فرصة التعليم أن يتواصل عبر تطبيقات الهواتف الذكية ليصل إلى فصل يتعلم فيه الأبجدية وكلماتها، الفكرة صعبة بالطبع لكنها غير مستحيلة وربما تحمل فى طياتها فوائد أكبر من محو أمية القراءة والكتابة فقط، بل تمحو معها أمية التكنولوجيا، وتنأى بنا عن تأجيل خطة هيئة تعليم الكبار لمحو الأمية من مصر نهائيًا بحلول عام 2030 وربما 2025 إذا توفرت إمكانات أوسع وتضافرت الجهود. «كورونا تُفَعِّل التعليم عن بُعد لمحو الأمية» الدكتور عاشور عمرى رئيس الجهاز التنفيذى للهيئة العامة لتعليم الكبار يشرح ل «صباح الخير» أسباب التوجه نحو إطلاق فصول محو أمية أونلاين قائلا: «ندرك جميعًا متطلبات الفترة الحالية التى أربكت العالم بأسره بسبب انتشار جائحة كورونا، فكان لا بد للجميع من التعايش مع الأزمة، ونعيد النظر فى مستقبل تعليم الكبار فيما بعد انفكاك الأزمة، بعد أن تحركت الدولة للحفاظ على أرواح المواطنين بإغلاق جميع التجمعات ومن ضمنها الفصول التعليمية، من ثَمَّ أصبحنا أمام تحد كبير بسبب إغلاق الفصول لأجل غير مسمى، ولكن صممنا على استكمال الدراسة، فأنشأنا وحدة للتطوير التكنولوجى، ثم بدأنا بتدريب المعلمين بالاستعانة بجامعتى عين شمس ومصر للعلوم والتكنولوجيا حتى أصبح المعلمون يدربون زملاءهم، وفى النهاية نجحنا فى تصوير فيديوهات قصيرة تنتهى بتدريبات للدارس». «التعليم عن بُعد الذى فعلته الهيئة ليس هو المتعارف عليه، فهو يعتمد على أبسط أشكال المراسلة، ويساعد الأمى على التواصل بأى وسيط فى منزله يجيد التعامل مع التكنولوجيا، يقوم الدارس بمشاهدة الفيديو وعمل التكليف المطلوب منه ثم تصويره للمعلم الذى يكون متفرغًا لخمسة أو ستة دارسين فقط. وندرك جيدًا أن تعليم الأمى وجهًا لوجه أفضل، لأنه يبدأ من كيفية إمساك القلم والخط به، وفى حين كانت وزراتى التعليم والتعليم العالى تعتمدان على أساس تكنولوجى من قبل كنا أمام تحدى بلا قاعدة نرتكز عليها، كما أن كلاهما يتعاملان مع فئة تجيد القراءة والكتابة واستخدام التكنولوجيا، وهيئة تعليم الكبار واجهت مشاكل أكبر بسبب ضعف البنية التكنولوجية وعدم وجود معلمين مؤهلين لاستخدام التكنولوجيا، والأصعب مما سبق هو فئة الدارسين التى نتعامل معها، لكن التوجه لدمج التكنولوجيا أصبح ضرورة ملحة». البرنامج يستهدف حوالى 15 % فقط من ال 18 مليون أمى فى مصر، لأنهم الفئة التى تحمل هواتف ذكية أو لديهم وسيط، وهو أفضل من أن تغلق الهيئة أبوابها بسبب أزمة كورونا، والعاملون فى الهيئة استجابوا بشكل كبير ليتعلموا تقنيات جديدة، كما أن الهيئة وضعت حافزا ماديا للمعلم الذى ينجز ويفتتح «صف أونلاين». يتفاعل مع الدراسة عن بعد لفئات كالسائقين الراغبين فى استخراج رخصة القيادة التى تشترط وجود شهادة محو أمية، وبدأت الاستجابة تزيد بحمد الله، وتعلمنا من الأزمة وسنظل مستعدين لأى سيناريو، لذا اتخذنا القرار باستمرار وحدة التكنولوجيا حتى بعد انفراج الأزمة، ونشاط الهيئة أصبح أوسع مما سبق بفضل بروتوكولات التعاون مع الجامعات، وخاصةً بعد قرار المجلس الأعلى للجامعات بإلزام كل طالب بمحو أمية عدد معين من الأشخاص، وهو قرار يكشف عن اتجاه الدولة نحو القضاء على الأمية وندعو وزارة التربية والتعليم للإقدام على هذه الخطوة. «ينقصنا تفعيل دور المجتمع المدنى الذى يمكن أن يُحدث فارقًا كبيرًا، فالإنترنت فى القرى هو أكبر مشكلة تواجه الأميين فى التعليم عن بُعد، والوجه القبلى له النصيب الأكبر فى نسبة الأمية كما أن محافظاته هى الأكثر فقرًا وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، لذا كانت المنطقة الأصعب فى تطبيق نظام التعليم عن بُعد للأميين. النت ضعيف ومكلف أحمد عبد الستار مدرس فى فصول محو الأمية فى بنى سويف يقص ل«صباح الخير» مدى الصعوبات التى يواجهها أثناء محاولة استكمال واجباته فى ظل عدم توفر الإمكانيات قائلا: «الفكرة جميلة جدًا ونحاول تفعيلها بشكل أكبر، ولكن هناك مشاكل عديدة نواجهها مثل صعوبة استخدام برامج التعليم عن بُعد، إضافةً إلى ضرورة وجود وسيط فى منزل الدارس والذى يعتمد على خدمة إنترنت ضعيفة جدًا وتحتاج لإمكانات مادية للحصول عليها، وقبل كورونا كنت أدرس فصل مكون من 10 أفراد ولم نكن نواجه صعوبة فى الاتفاق على أماكن ومواعيد الحصص، كانت المساجد وفصول المدارس تفتح أبوابها لنا، أما الآن طالبة واحدة فقط هى من استطاعت التواصل معى عن بُعد بصعوبة لكن مازلنا نحاول». الأمى وظله والأندرويد أمانى سلامة واحدة من الملتحقين بفصول محو الأمية بقريتها فى بنى سويف والتى استمرت على متابعتها عن بُعد مع «أستاذ أحمد» رغم صعوبة الأمر لكنها متحمسة للحصول على شهادة محو الأمية وتقول: «بدأت التعليم منذ فترة قصيرة ما لبثت حتى قطعتها الكورونا فعرض علينا أ. أحمد أن نطلب من شخص فى المنزل أن يتواصل معه لنكمل التعليم من المنزل، وأنا لا أجيد استخدام الهواتف فقط أستطيع الرد على المكالمات، أختى هى من تجيد استخدام الهواتف الذكية وهى من تجعلنى أتواصل مع أ. أحمد بعد أن رأت حماسى للتعليم، ومازلت فى البداية أكرر الحروف مع المدرس عبر الهاتف ثم أقلد الحروف وتعلمت حديثًا كتابة اسمى، بالطبع الفصول الحقيقية كانت أفضل خاصةً وأن أختى غير متفرغة بالكامل من أجلى».