كثيرًا ما ننسى ممثلين قدامى أحببناهم، ولا نتذكرهم إلا عند إعادة أعمالهم كل حين، فنتساءل أين هم الآن!..وأحيانًا يظهرون فى أعمال حديثة بعد اختفاء، فنفاجأ بمن كانوا شبابًا أصبحوا شيوخًا، دون أن تأتيهم فرصة لسنوات طويلة، رغم ما يتمتعون به من موهبة وكاريزما.. وقد ننساهم حتى يذكرنا الموت بهم?!..كالفنان/إبراهيم الشرقاوى (بطل فيلم الحرافيش، والعديد من الأفلام والمسلسلات حتى أواخر التسعينيات) والذى توفى فى 9 أغسطس الماضى.. والغريب أنه عقب وفاته تصدر «تريند» مؤشر البحث على جوجل!!..فرغم أنه وجه معروف وشهير، إلا أن كثيرين لا يعرفون اسمه.. خاصة بعد غيابه لسنوات!..وهو حال كثير من فنانينا الذين لم ينالوا حظهم من الشهرة.. ولن نشعر بهم إلا بعد فوات الأوان!..ولم يسلم من الاستبعاد والتهميش فنانون كبار عبروا عن حسرتهم، كالفنان/عبد الرحمن أبوزهرة الذى اختزل مرارته فى قوله: «اعتبرونى وجه جديد وجربونى».. والفنان/حسن يوسف الذى أعلن أنه لم يتلق أى عرض لثلاث سنوات، وقال: «أنا واخد على خاطرى، لأننى وجيلى أصبحنا خارج الحسابات».. وغيرهم كثيرون لم تأتهم فرصة الحديث.. وهو ما دفع بعض الفنانين منذ سنوات قليلة للمطالبة بمنع الفنانين العرب من المشاركة فى الأعمال المصرية، وصدر قرار من نقيب الممثلين آنذاك بحظر عمل الفنانين العرب فى أكثر من عمل واحد خلال العام، للحد من بطالة الفنانين.. وقد هوجم القرار ولم ينجح.. فرغم عمق الأزمة التى يعانيها كُثر فى الوسط الفنى، فإنه لا يمكن حلها بالقوانين أو القرارات..فلا يمكن أن يتم إجبار صناع عمل فنى على فنانين بأعينهم، ولكن الأمر يحتاج إلى بعض الإنسانية، من المنتجين والمخرجين والنجوم الذين يفرضون سطوتهم على ما يقدمونه من أعمال.. وهو ما يذكرنا باستعانة النجم الكبير/نور الشريف بالفنان القدير/نظيم شعراوى، فى مسلسل «الرجل الآخر»، حيث كان شعراوى قد أصيب بالشلل، لكنه كان لا يزال عاشقًا للفن وقادرًا على العطاء، فاستعان به نور فى دور يماثل حالته، مما كان له بالغ الأثر فى نفسه.. فما بالنا بمن هم فى كامل صحتهم وتألقهم، ومع ذلك يشعرون بموتهم وسط الأحياء!..والسبب تحكم «الشللية» فى الفن!. فأغلب الأعمال الحديثة تعتمد على نفس الوجوه، وكل منتج أو نجم وله فريقه، ويتحدثون فى الإعلام عقب كل عمل عن روعة الكواليس، وأجواء التآلف والمودة التى يصرون على إعادتها كل مرة!..حتى ولو على حساب المشاهد والعمل!.. فقد يحدث للمشاهد خلط بين الأعمال الدرامية لتكرار نفس الممثلين، أو يصاب بالملل من كثرة الاستعانة بالبعض فى أعمال كثيرة..بالإضافة إلى أن التنوع ليس مطلوبًا فقط من أجل المشاهد، ولكنه حق لفنانين آخرين، لا تنتقص الشللية من أرزاقهم فقط، بل من صحتهم وربما أعمارهم!.. وحين ينتهزون فرصة الظهور فى أى برنامج حتى ولو لم يتناسب مع مكانتهم - كبرامج رامز جلال- يصفهم البعض بما لا يليق، رغم أنها قد تكون فرصتهم الوحيدة التى يمكن أن تعيدهم للمشهد كى يتذكرهم المشاهدون والمنتجون!.. وقد يكون أيضًا بدافع الاحتياج المادى فى ظل بطالتهم لسنوات!!..وبالتأكيد الشللية لا تنطبق فقط على مجال التمثيل، بل كل المجالات الإبداعية التى أصبحت تعتمد على مهارات اجتماعية أو دعائية بعيدة عن الموهبة والكفاءة! فهى قتل مع سبق الإصرار لمبدعين كثر.. وهو ما يتنافى مع النبل والشهامة المستقاة من عاداتنا المتوارثة، فقد سمعنا أن التجار فى المناطق الشعبية قديمًا، كانوا يضعون مقعدًا أمام المحل صباحًا، وبعد الاستفتاح من أول زبون، يُدخل التاجر المقعد حتى يعرف الباقون من لم يستفتح البيع.. وإذا جاء زبون آخر لنفس التاجر، ينظر للمحال الأخرى فإذا وجد مقعدًا أمام أحد المحال، أرشد الزبون للشراء من عنده!!..هذا ما نحتاجه من أخلاق وإنسانية وشعور بالغير، حتى لا يُقتل مبدعونا حسرة وكمدًا وهم أحياء!