الكوميديا كما عرفناها من الإغريق من آلاف السنين، فن راق وجاد له قواعده وشروطه.. ورغم تهاون البعض فى نظرتهم للأعمال الكوميدية، فإنها من أصعب فنون الدراما، فى كتابتها وإخراجها وأدائها.. ولكن كثيرًا مما يعرض من أعمال يفترض أنها كوميدية، لا تندرج تحت هذا التصنيف!..فالكثير منها يحاول انتزاع الضحك بالسفه والاستظراف المقيت والتهريج المبتذل..وفى ظل ما يعرض من سخافات، جاءنا مسلسل «ب100وش» ليشيع البهجة، ويطغى على سوداوية الواقع بأجواء الحظر، ومتابعة أعداد ضحايا كورونا!.. والغريب أنه جعلنا نتعاطف مع عصابة تتفنن فى السرقة والنصب، ونخشى القبض عليهم!!..ولكن رغم ما يبدو من رسالة سلبية فى الظاهر فى بعض الأحيان، إلا أن براعة فريق العمل وطبيعته الكوميدية، تجعلنا لا نلتفت سوى لمفرداته الإبداعية.. إلى جانب أنه ليس من الضرورة أن تحمل كل الأعمال رسالة أخلاقية أو تربوية.. فالفن والجمال قيمة فى حد ذاتها، تستخدم مهارات الإبداع ووسائله لتؤثر على المتلقى وتحقق له المتعة.. وهو ما حققه مبدعى «ب100وش»، بعيدًا عن حالة الكآبة والانتقام التى سادت أغلب مسلسلات رمضان.. فقدموا حالة جادة واحترموا وعى المشاهد، وعكفوا على توظيف إمكانياتهم الفنية ببراعة.. بدءا من المخرجة/كاملة أبو ذكرى.. والتى منحها الله نصيبا من اسمها، فتسعى دائما للكمال، بإتقانها ما تفعله وصدقها فيما تقدمه، وجرأتها فى الاختيارات، وعدم اعتمادها على الصور النمطية للنجوم.. كذلك بطلة العمل الرائعة/نيللى كريم، المتمكنة والمتجددة والجريئة، والتى تؤكد موهبتها ومهارتها ونضجها مع كل عمل فنى.. ويبدو أن تأثير دراستها وعملها كبالرينا، وما يتطلبه ذلك من جدية ودأب وجهد مضنٍ، ترك عليها بصمة متفردة.. ويكفى أننا أصبحنا على يقين بجودة العمل الفنى الذى يحمل اسمها، وخاصة حينما يقترن بالمبدعة كاملة والتى قدمت معها 3مسلسلات «ذات.. سجن النساء.. ب100وش» وكل منهم يختلف تماما عن الآخر، ولكن يتفقوا فى الإتقان والإبداع.. واستطاع بطل المسلسل/ آسر ياسين أن يتبارى بقوة وبراعة مع نيللى، وقدم نفسه بشكل جديد أكد مواهبه التى لم تكتشف، وقدراته على تجسيد كل الأدوار ببراعة.. ويحسب لهم وللمنتج الواعى/جمال العدل، التناغم بين كل مبدعى العمل، ومنح فرصة التميز لكل الأبطال.. واختيارات الممثلين التى لم نلمس فيها شبهة مجاملة كأغلب المسلسلات، بل جاءت بدقة يصعب معها تخيل فنان آخر فى كل دور..بالإضافة لتفجير طاقات نجوم كثر لم يأخذوا فرصتهم من قبل.. حتى اختيار أغنية «مهرجانات» للتتر جاءت موفقة ومناسبة، وتؤكد أن عين المبدع يمكنها التقاط الجمال فيما تراه وتوظيفه بشكل صحيح..وعبرت موسيقى تامر كروان عن البهجة والإثارة التى تتلاءم مع الأحداث..قادت كاملة فريقها باقتدار، وقامت بتشريح دقيق لكل شخصية، بطموحاتها وأحلامها ومخاوفها.. وساعدت بالطبع حبكة القصة للثنائى المبدع «أحمدوائل، وعمرو الدالى» فى خلق شخصيات من لحم ودم، فتغلغلوا داخل أعماقهم، وجعلوا المشاهد يتعايش مع الشخصيات ويتعاطف معها.. والعكس مع المجنى عليهم الذين جعلتهم أغلب الأحداث يستحقون ما وقعوا فيه!!..وفى اعتقادى كان الماكياج وتصميم الشخصيات أقل عوامل القوة، حيث لم ينجح أحيانا فى تغيير الملامح بشكل كاف.. ورغم أن النهاية المتوقعة كانت القبض عليهم، إلا أنهم فاجأونا بنهاية مرحة ومضحكة، قدمت خلالها العصابة عرضا فنيا مبهجا فى شوارع سويسرا للشحاذة!.. هذا العمل شهد ميلاد نجوم بحق، وتميز باستغراق كل فنانيه فى تفاصيل شخصياتهم.. واستوقفنى بالأخص الأداء الناضج والسلس «الكوميدى والتراجيدى» لإسلام إبراهيم.. كذلك شريف دسوقى، ومحمد عبدالعظيم، ودنيا ماهر.. والذين أكدوا بعبقريتهم فى الأداء امتلاكنا لكنوز لم ينالوا فرصتهم فى الظهور وحظهم من الشهرة.. فكفى استسهال من المسئولين عن الأعمال الفنية، وتدوير قلة قليلة بحكم العلاقات والشللية!..وتجاهل عشرات وربما مئات المبدعين، الذين يقضون أجمل سنوات العطاء على الأرفف، منتظرين فرصا لا تأتى!.. وقد يصيبهم الصدأ بفعل الإحباط..ونفقد معهم ثرواتنا الحقيقية التى لا تعوض!