يرن جرس المنبّه فى الوقت المحدد؛ ليبدأ الجميع فى التسابق للحاق بالزمن المحسوب؛ للوصول للمَدرسة أو التمرين الرياضى أو العمل أو ما اعتاد عليه كل واحد من روتين يومى، ينظم الحياة ويضبط التحصيل واكتساب المعارف والمهارات، وينمّى الصداقات والعلاقات. كل هذا ذهبت به «كورونا»، لدى الكثير من الأسر؛ خصوصًا الأطفال، الذين افتقدوا الصداقات والبرامج اليومية أو الروتين اليومى لحياتهم، فضلاً عن الخوف من الإصابة بالمرض، وانتقلت حياتهم من الزمن المحسوب إلى العيش فى «زمن مسكوب» لا يعرف حدودًا لساعات النوم أو الاستيقاظ أو اللعب أو لأى نشاط؛ خصوصًا فى ظل العزل المنزلى، الذى مازالت تتمسك به الكثير من الأسر. تعبير «الزمن المسكوب» صَكّه أستاذ علم الاجتماع بآداب القاهرة، د. «أحمد زايد» خلال الدراسة التى قدمها، أثناء مشاركته - عبر زوووم- فى ورشة العمل التى نظمها المجلس العربى للطفولة والتنمية بالتعاون مع اتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامى، حول «التعاطى الإعلامى لتداعيات أزمة جائحة كورونا على حقوق الطفل» وتابعها العديد من الإعلاميين من مختلف دول المنطقة. ورُغم أنه أكد عدم وجود بيانات لديه لزيادة معدلات ونسب العنف المنزلى ضد الأطفال؛ فإن خبرته العملية تؤكد احتمالية زيادة تعرُّض الأطفال للعنف الجسدى والنفسى، مع استمرار أزمة «كورونا» وضغطها الاقتصادى، والحبس المطول فى المنزل، وتوقف التعلم المنظم فى المَدرسة، مع فقدان العلاقة بالمُعلم، وافتقاد رحلة العودة من المَدرسة، وكلها تنمّى جسد الطفل وعواطفه ونفسيته. الأمرُ لا يخص الأسَر فقط، بل يخص أيضًا - بحسب د. زايد - المؤسّسات المسئولة عن الأطفال وحمايتهم وفاعلية أنظمة الحماية القديمة، ومراكز الأبحاث المتصلة بدوائر صُنع القرار، التى لم تستطع مواكبة تداعيات «كورونا»، وأدى الانشغال بمخاوف «كورونا» إلى تحول المسئولية العامة عن الطفولة إلى اهتمامات أخرى، ومضاعفة هشاشة ذوى الإعاقة والفقراء، والأطفال الذين يعيشون فى الشارع واللاجئين. الفرصة سانحة الآن- كما يراها د. زايد- لاستغلال طاقات الأطفال فى التصنيع، والتأمل الشخصى، وإعادة التفكير فى الكثير من الأمور، ومنها الاكتفاء الذاتى من الغذاء، وأهمية تقديم أنشطة مَدرسية تعلم الأطفال مواجهة المشكلات، وتصميم أفلام وألعاب إلكترونية لتعليم الأطفال كيفية مواجهة الخطر، وتقديم حلول بديلة ومبتكرة لتمتع الأطفال بحقوقهم فى الراحة والترفيه والتسلية وممارسة الأنشطة الثقافية والفنية، لصحتهم وتنمية إبداعهم وخيالهم وثقتهم بأنفسهم، وتطوير مهاراتهم، والوصول إلى طرُق مرنة للتواصل عن بُعد. خطة للتواصل بين الأجيال اقترح د. أحمد زايد خطة لتعاون الكبار مع الأطفال والمراهقين لسد الفجوات بين الأجيال، وتقوية التضامن بينهم؛ لتقوية نقاط الضعف التى يواجهونها، ومنها استحداث جلسات الدعم عبر الإنترنت، مع الأطفال ومع الأسرة ككل؛ خصوصًا فى زمن الخطر والظروف الاستثنائية. د. حسن البيلاوى، أمين عام المجلس العربى للطفولة والتنمية، رأى أن الجائحة أماطت اللثام عن أوضاع كان مسكوتا عنها، «نريد عملية تنويرية كبيرة؛ لننفض هذا الركام من العنف، ولنؤسّس مجتمعات سليمة ونامية قوية». قبل أيام، دعّم المجلس إحدى مبادرات التواصل مع الأطفال، بمبلغ 50 ألف دولار، لصالح منظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ لتبنى مشروع «تعزيز مشاركة اليافعين والشباب لمواجهة جائحة كورونا»، بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة بمصر. يطبق المشروع فى خمس محافظات تمثل الصعيد والدلتا فى الريف والحضر، مع اليافعين والشباب (من سن 13 - 24 سنة) من المصريين واللاجئين؛ لإكسابهم مهارات إدارة مواقع التواصل الاجتماعى؛ لتقديم الدعم للمتضررين من آثار الأوضاع التى فرضها فيروس «كورونا»، من خلال تدريب الشباب على إعداد فيديوهات وأشكال إعلامية مختلفة، حول قصص نجاح البعض فى التعلم والتصنيع والتواصل؛ لتبث على وسائط التواصل الاجتماعى التابعة لليونيسيف ووزارة الشباب والرياضة؛ لإتاحة الفرص أمام النشء والشباب لتبادُل الخبرات. هذا المشروع هو امتداد لبرنامج ينفذه اليونيسيف منذ عام 2006 بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة، ويشارك فيه طلاب مدارس وجامعات من مختلف المحافظات، على المواطنة والمشاركة المدنية الفعالة والحقوق والواجبات وكيفية تصميم وتنفيذ المبادرات التى يقودها النشء والشباب. «كورونا»، كما يقول الطيب آدم، ممثل اليونيسيف فى منطقة الخليج، «أكبر من كونها أزمة صحية، بل هى أزمة فى حصول الأطفال على حقوقهم»، وهى رسالة إلى كل مؤسّسات الطفولة لتغيير طريقتها فى العمل، من أجل وصول الأطفال لحقوقهم.