نهر النيل القادم لمصر يأتى رافده الأول (النيل الأزرق) من الشرق، حيث ينبع من الهضبة الإثيوبية، ماراً بالسودان، حاملا لبلادنا 86 % من حصتها البالغة 55٫50 مليار متر مكعب من مياه النهر، ويأتى رافده الثانى (النيل الأبيض) من الهضبة الأفريقية الاستوائية، ويلتقى الرافدان عند الخرطوم.. ومنها إلى مصر. وفى أبريل 2012 بدأت إثيوبيا فى بناء سد النهضة على النيل الأزرق، وأعلنت عزمها على ملئه فى ست سنوات، وهو ما يهدد حصة مصر من المياه. لذلك نشأ الخلاف بين الدولتين، حيث ترى مصر أن الملء يجب ألا تقل فترته الزمنية عن 12 إلى 21 سنة.
وفى مارس 2015 وقعت مصر والسودان وإثيوبيا اتفاقية إعلان مبادئ، أكدت على ثمانى مبادئ - أهمها؛ عدم الإضرار بالدول المستفيدة من النيل الأزرق - وتسوية المنازعات بالتفاوض.
وبناء على ذلك طلبت الدول الثلاث وساطة أمريكية بمشاركة من البنك الدولى وذلك فى نوفمبر 2019.
وسارت المفاوضات جيداً، إلا أن إثيوبيا رفضت التوقيع على الاتفاق الذى صاغته أمريكا والبنك، ولم تحضر الاجتماع المخصص للتوقيع فى فبراير 2020.
وعلى ذلك أصبح موقف السد وقد انتهت 70 % من إنشاءاته، بتكلفة إجمالية تقدر بحوالى 4٫80 مليار دولار أمريكى - قدمت منها الصين 1٫80 مليار دولار فى صورة قروص ميسرة لإثيوبيا. أما باقى التمويل، فأتى، ومازال يأتى، من طرح سندات وطنية تباع للإثيوبيين، بأعتبار أن السد يمثل لهم قضية وطنية.
وقد تلى ذلك تأكيد أمريكا بالتزامها بحل مشكلة السد، وأن ملئه لا يجب أن يتم قبل وصول أطرافه الثلاث لاتفاق.
«المعنى» .. أمريكا لن تقبل بفشل مفاوضات تُديرَها، خاصة مع ما يمثله القرض الصينى الضخم لبناء السد من تهديدا لمصالحها التجارية فى إثيوبيا وأفريقيا.. مع علمها بأن ما يُستفاد منه حالياً من مياه الأمطار التى تهطل على دول حوض النهر، لا يجاوز 5 % فقط من إيراد تلك الأمطار البالغ 1600 مليار متر مكعب سنوياً ... «إذاً المعنى مرة ثانية».. أن هذه النسبة الضئيلة التى يُستفاد منها من مياه الأمطار حالياً، يمكن أن تُزاد كثيراً باستعمال حلول فنية وتكنولوجية وأموال أمريكية، بما يغطى ويفيض كثيراً عن احتياجات دول حوض النيل الثمانية بما فيها مصر.
ثم أعلنت إثيوبيا عن البدء فى ملء السد فى يوليو 2020، دون الاتفاق مع مصر والسودان، وإزاء ذلك تقدمت مصر بشكوى لمجلس الأمن.
وتغير الموقف السودانى إزاء السد مؤخراً، بما أدى لقلب موازين التفاوض، فقد رفض السودان طلباً إثيوبياً بتوقيع اتفاق جزئى حول ملء وتشغيل السد، كما تحدث السودان لأول مرة عن مخاطر أمنية للسد، وأعلن التزامه بمسار مفاوضات واشنطن، كما أكد على ضرورة التوصل لاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان قبل بدء الملء الأول للسد.
وظنى أن هذا التصاعد فى وتيرة الأحداث.. جعل إثيوبيا تتفق مع السودان يوم 21 مايو 2020 على استئناف المفاوضات حول قواعد الملء والتشغيل.. وهو ما وافقت عليه الحكومة المصرية فى بيانها الصادر يوم الجمعة 22 مايو 2020، بعودة المفاوضات بين وزراء الرى فى الدول الثلاث للوصول الى حلٍ شامل.
إذاً الشاهد هنا، أن هناك من الاستنتاجات لديناميكية ردود الأفعال، ما يعطى أسباباً منطقية لإمكانية تحقيق حل شامل لمشكلة سد النهضة.
أضف إلى ذلك أسباباً أخرى أراها منطقية هى الأخرى، حيث يمكن لمصر أن تلجأ الى لغة المصالح الاقتصادية المتبادلة، وتعمل على إنشاء شركات قاعدتها على الأراضى المصرية، تضم شركاء من مصر وأمريكا و من الخليج العربى، لإقامة مشروعات اقتصادية فى إثيوبيا والسودان ودول حوض النيل، تعود بالربح والنفع على الجميع. .فأفريقيا هى السوق الوحيدة التى لم تتشبع بعد بالمشروعات، ومصر مفتاحها الجغرافى والتاريخى، وهى كذلك عقلها الفنى وقلبها اللوجستى.
لكل هذه الأسباب، فإن رأيى الشخصى، أننا سنرى حلاً عادلاً لمشكلة سد النهضة يُرضى الجميع.