منذ بدأ التليفزيون المصرى البث فى 21 يوليو عام 1960، اعتادت الأسر أن تلتف حول شاشة التليفزيون، لمتابعة البرامج والمسلسلات، أو حتى الأفلام، دون قلق أو حذر من المحتوى المقدم..فقد كانت القاعدة الأساسية والقناعة التى تبنتها الدولة، أن تلك الوسيلة الإعلامية تقتحم البيوت، وبالتالي يجب ضمان التزامها بمعايير منضبطة لا تحيد عنها، كى تناسب الجمهور بكافة أعماره وفئاته..وكانت الرقابة على التليفزيون شديدة وصارمة، حتى فى مظهر مقدمى البرامج..ومع ظهور القنوات الفضائية العربية وانتشارها فى مصر، بدأنا نشكو مما يبث أحيانًا من مواد لا تليق، أو ترقى للظهور على شاشات التليفزيون، وبدأنا نسمع ألفاظًا ونرى مشاهد لم نكن نتخيل أن تقتحم بيوتنا..ومع زيادة نسب المشاهدات على تلك القنوات، وما تقدمه من برامج تتعمد الإثارة، سواء بالموضوعات المطروحة أو الجرأة فى النقد، أو المشادات الكلامية بين المقدمين والضيوف، والتى كانت تصل أحيانًا للتشابك بالأيدى!!..تغير شكل الإعلام، وأصبحنا نقبل ما لا يفترض قبوله، واعتدنا القبح، وتراجع السلوك العام فى الشارع المصرى!!..ومع سنوات الانفلات منذ 2011، افتقد التليفزيون المصرى الكثير من الثوابت الذى ظل متمسكًا بها لأكثر من 40 عامًا، وبدأنا نرى مقدمين غير مؤهلين أو مدربين، ومحاولات لتقليد القنوات الخاصة (الوليدة)، بل نشاهد أحيانًا بعض مقدمي النشرات الإخبارية يحاولون لى ألسنتهم، تشبُّهًا بالقنوات الإخبارية العربية!!رغم أن زمام الريادة كان دائمًا فى قبضة التليفزيون المصرى!!..أما على مستوى الدراما، فقد تغير شكلها ومحتواها أيضًا، وبدلًا من فرض الضوابط والمعايير على القنوات الخاصة، من خلال الهيئات المعنية، لضمان الحد المقبول الذى يناسب أفراد الأسرة كافة فيما يقدم، تخلى المسئولون عن المعايير والضوابط التى تجعل التليفزيون يقتحم البيوت دون غضاضة، ورفعت الرقابة يديها عن الكثير من الأعمال الدرامية، بحجة التصنيف العمري للمسلسلات!! والذى صار موضة منذ 2015، بل سعت الرقابة لفرضه وتوقيع غرامات على القنوات المصرية الرسمية والخاصة التى لا تلتزم به..حتى وجدنا أغلب المسلسلات المقدمة فى رمضان هذا العام مصنفة عمريًا إما لأكبر من 8 سنوات أو 12 أو 16 !!.ونادرًا ما نجد مسلسلًا يناسب جميع أفراد الأسرة!!..والغريب أن بعض الأعمال الكوميدية التى أعتقد أنها لا تجتذب سوى الأطفال لتفاهتها، واعتمادها على المبالغات فى الشكل والأداء، خاصة العام الماضى، كانت مصنفة عمريًا لغير الأطفال!!..ولا أعلم على أى أساس يصنفون العمر؟!وما هى القواعد التى يستندون عليها؟!ألديهم هذه الدقة؟!وهل مثلا المسلسلات المصنفة فوق 8، لن تؤثر على نفسية وسلوك الأطفال فى التاسعة والعاشرة!!..وحتى لو افترضنا تطبيق تلك التصنيفات، فيفترض ألا تكون فى أغلب المسلسلات، ويراعى كم الأعمال المصنفة، وتوقيت عرضها!..ورغم أن البعض يتبنون فكرة التصنيف، لتطبيقه فى الغرب منذ سنوات بعيدة، فإن لدينا ووفقا لمجتمعنا ليس سوى تقليد أعمى، لا يتوافق مع ظروفنا وطباعنا، ولم أر أى أسرة مصرية بمختلف الطبقات الاجتماعية تطبق تلك التصنيفات وتمنع أطفالها من المتابعة!!..فهل يفترض مثلا أن يتابع أفراد الأسرة أحد المسلسلات، ويحبسون من هم دون التصنيف حتى انتهاء المسلسل؟!..ولكن السؤال هل الضرر من عدم التزام الأسر بالتصنيفات، يقع على الأطفال والأسر فقط، أم المجتمع ككل؟!والذى سيتأثر بالانعكاسات السلبية التي قد تحدث بسبب تلك الأعمال؟!..وهل بذلك تكون الرقابة قد أخلت مسئوليتها الاجتماعية؟!أم تخلت عن دورها؟!..أرجو أن نستعيد الدراما كما كانت، تلملم الأسرة ولا تفرقها!..ويراعى فيها الضوابط التى تربينا عليها، ولم نرها تقيد المبدعين عن إنتاج أعمال رائعة، ما زلنا نتحاكى عنها حتى الآن!