يبدو أن ثورة 25 يناير وما حدث في ميدان التحرير كان أكبر من قدرة البعض علي الاستيعاب وأعظم من احتوائه في أيام لقد خرج البعض منا من ميدان التحرير مهرولاً إلي مكانين.. إما إلي قاعة محاكمة هي أكبر من ميدان التحرير امتدت علي طول الوطن وعرضه.. وإما إلي حلبة السيرك نصب علي عجل ليلحق به كل ما فاته أن يتشدق ويحلل ويدعي البطولة وإحراز الأجوال متناسيا أن الأجوال لا تسجل إلا أثناء المبارة وأن الهدف الذي يسجل بعد إطلاق صفارة الحكم.. لا يحسب. إن جرأتك الآن هي بطولة مزيفة.. وانتهازية منقطعة النظير أنا كمواطنة ضد فكرة التسامح مع المخطئين الفاسدين ولا أتعاطف إطلاقا مع شعارات (عفا الله عما سلف) (ارحموا عزيز قوم ذل) و (لنبدأ صفحة جديدة) بل أنني مع المكاشفة والمصارحة بل والمحاسبة عن كل صغيرة وكبيرة للكشف عن الفساد الذي استشري حتي صار سمة عصر.. وعنوان مرحلة لكن يظل السؤال الأهم هو: من الذي يتولي المحاسبة؟ ومن الذي يملك أن يبرئ ساحتك أو يدينك؟! لأن المحاسبة الارتجالية وإلقاء التهم جزافا هو ما نعيشه الآن هي أقرب لتصفية الحسابات والتشهير بغرض التشفي. فالمحاسبة لابد أن تتولاها جهات مسئولة تفند وتناقش الاتهامات وتحدد المتورطين والأخطاء والخطايا وتصدر أحكاماً منزهة عن الهوي لكن أن يتحول الوطن كله إلي قاعة محاكمة الجميع فيها قضاة والجميع فيها متهمون والكل يتبادل أدوار وكلاء النيابة والمحامين فتختلط الأوراق وتضيع الحقائق.. لابد من المحاسبة.. لكل الفاسدين ليس فقط لأنهم سرقونا ونهبوا خيرات البلد ولكن لما عاناه الشعب من قهر وإحباط أفرز كيانات مشوهة تريد أن تصفي حساباتها بأيديها. تريد أن تنتزع حقوقها بأسنانها وتجيد ركوب الموجة وادعاء البطولات بعد فوات الأوان لابد أن يحاسبوا لأنهم حولوا كثير منا إلي مسخ مشوه بالكره والكبت.. أشخاص تتحين أي فرصة لتقتص بنفسها وتأخذ حقها بذراعها ممن ظلمها وقهرها بعدما فقدت الثقة في تطبيق مبدأ الثواب والعقاب علي الجميع سواسية. ورغم إيمانها بالقضاء كانت تؤمن أكثر بأن أحكامه كثيرا ما كانت حبراً علي ورق لاتنفذ إلا علي من لا ظهر له وتثق في القانون لكنها علي يقين بأن هناك أساتذه تجيد النفاذ من ثغرات به لتعزل منها مظلة تحمي مصالح الكبار وتفنن أي رغبة لهم.. وتحمي أي معانم لذا تحول الجيمع الآن إلي متهمين.. أصبح الجميع في ذات الوقت قضاة. ولم لا.. ونحن نري من يبدل مبادئه وكأنه يبدل ثيابه لا يشغله كثيراً أن يداري عوراته التي انكشفت علي الجميع.. فالمهم أن يجيد وضع الأصباع علي وجهه.. إن يسرع باءخفاء الصورة التي كان يختال بها معجباً ولهاناً بصاحبها.. وفي ذات الوقت يحتفظ بالبرواز ليكون جاهزاً لصورة السيد الجديد الذي سيصير عبداً لأوامره. خرجنا من ميدان التحرير إلي قاعة محاكمة كبيرة أو حلبة سيرك مزدحمة لم نتعلم.. ولم نع الدرس الذي مات من أجله زهرة شباب مصر الذين فكروا في الوطن كله وليس في مصالحهم.. ودفعوا أرواحهم ثمناً لإيمانهم بغد أفضل.. ولم نتعلم من أولادنا الصغار الذين لم يتلونوا.. ولم يتمكن من عقولهم ووجدانهم أمراض الكبار المزمنة الصغار الذين خرجوا بحماس ووعي إلي الشوارع ينظفونها ويدهنونها نظموا أنفسهم وحددوا هدفهم وجمعوا من مصروفهم وعملوا في صمت ليغيروا واقعهم بأسلوب عملي راق يتناسب ومثالياتهم ونقاءهم وسنوات عمرهم الفضي البريء. ياليتنا نتعلم من أولادنا الإيجابية وألا ننشغل بالاشتراك في محاكم التفتيش.. أو حلبة السيرك فلنتعلم منهم العمل في صمت.. ولنتعلم النقاء.