على مدار زياراتى المتعددة لبعض الولاياتالأمريكية مثل كاليفورنيا، ونيوچيرسى، وواشنطن، وفلوريدا، وپنسلڤانيا.. كنت أتابع التغيرات التى تلحق بالمهاجرين المصريين، والاختلافات التى تصيب الأسر المصرية هناك! وهل تأتى إلى تلك البلاد بنفس مفاهيمها؟ أم تخلع عنها بعض ملامح ثقافتها.. المرتبطة بالعادات والتقاليد التى تخص علاقات الحب والزواج؟ لاعتقادى أنها العلاقات الحقيقية الكاشفة لمدى تغير المجتمع، خصوصًا فى الغربة التى تغربل حقيقة الناس. رائد وسارة «سارة» الشابة المصرية السمراء الممتلئة جاذبية وذكاءً ومرحًا.. كانت تثير حماس «رائد» للاشتراك فى مباريات الكرة الطائرة بفريق المدرسة، رغم تخرُّجه فيها منذ عامين والتحاقه بالجامعة! ورغم اشتهاره بأنه الشاب المصرى الوسيم، الخجول، الصامت؛ كان حلمه بالتفوق فى الدراسة يحفزه للابتعاد عن مهاترات العلاقات العاطفية المراهقة بين الزملاء والزميلات فى المدرسة.. والتركيز فى حلمه للالتحاق بكلية الهندسة ليصبح مهندسًا كبيرًا مثل أبيه المليونير الناجح الذى ترك مصر منذ حوالى 25 سنة واستقر فى نيوچيرسى. تهامست الأقاويل حول إعجاب رائد بسارة فى تلك المدرسة التى امتلأت بالمهاجرين العرب والمصريين، الذين لفتوا انتباه سارة لإعجاب رائد واهتمامه بها وعدم نزول عينيه عنها وهى تلعب وهى تتحدث، وهى تضحك و.. و.... وبدأت البنات يحمسنها ويشجعنها على الاقتراب منه لكسر خجله، خاصة أنه يشبه الفنان أحمد عز وهى تشبه سعاد حسنى فى جمالها وخفة دمها! وسريعًا ما ساعدتها روحها المقدامة على الاقتراب منه وإيجاد الأسباب للاشتراك فى العديد من الأنشطة والخروجات والاهتمام.. وبدأت قصة حب جميلة تنشأ بينهما، بلغت مسامع المجتمع المصرى الذى يجمعهما. لاحظت أسرة رائد التغير الذى لحقه، وقد بلغها الأمر، فقامت الأم الطبيبة بالتحرى عن سارة وأسرتها، فعلمت أنها أسرة بسيطة.. حيث تعمل الأم فى أحد مصانع التغليف، بينما يعمل الأب فى محطة بنزينن لأصحابها المصريين.. رغم أنه كان يعمل محاسبًا فى مصر، وعملت الأم كمدرسة ثانوى. وسريعًا ما اجتمعت أم رائد بأفراد الأسرة وعرضت خطورة الأمر عليهم، فانقسمت الأسرة بين معارض للفارق الاجتماعى والمادى بين العائلتين، وبين من استنكر التفكير بهذا الأسلوب الذى لا يعنى شيئًا حينما يتعلق الأمر بالتوافق العاطفى.. أما الأم فقد استشارت إحدى صديقاتها التى قدمت لها خطة «لا تخر منها المية»! اهتمت الأم بمتابعة قصة حب ابنها وسارة، وبدأت تنصت إلى تفاصيل اهتمامه بها، وإعجابه بجمالها وذكائها وطموحها الذى تنوى من خلاله الالتحاق بكلية الطب، والتفكير فى الالتحاق بفريق المحترفات للكرة الطائرة، وتعلُّم اللغة الإسبانية، والسفر إلى كل العالم. بينما كان حماس ابنها وتغيره على يدى تلك البنت يغيظ الأم، التى كانت تصف سارة أمام أفراد أسرتها ب«البنت الصايعة»، واصفة ملابسها بالمهلهلة والبلدى، مثلما كانت تصف أمها بالعاملة، ووالدها بماسح التواليتات! ولكنها تعرف كيف تكتم غيظها فى صمت أمام ابنها، وتبتسم فى وجهه لئلا تخسره! ثم انتقلت للخطوة الثانية من الخطة، وطلبت من رائد استدعاء سارة لزيارة الأسرة باعتبارها صديقته! تعجّب الابن من اهتمام أمه، رغم إحساسه بعدم إعجابها بالقصة منذ بدايتها؛ حيث لاحظ أنها دائمًا ما تفسر الصفات الإيجابية التى يرويها عن سارة بأنها سلوك بنت سوق.. دونما يفهم المعنى المصرى للكلمة.. وإن كان يدرك أنه ليس تعليقًا لطيفًا فى مجمله! وعلى الناحية الأخرى، كانت أسرة سارة مدركة للفارق الاجتماعى بينها وبين أسرة رائد، وبدأت تحذيرات الأم تعلو وتغلق أبواب الأمل فى وجه ابنتها، خاصة قد علمت أن أم الولد سألت عنها فى المصنع الذى تعمل به، مثلما سألت عن والدها.. الذى علم بقيام السيدة صاحبة السيارة الرولز رويس البيضاء بالسؤال عنه، فعلم أنها والدة رائد! وبشكل ما، عرف أن أصحاب المحطة أساءوا لسمعته أمامها واتهموه باليد الطويلة وعدم الأمانة، رغم كذب هذه الاتهامات، ولكن الكثير من المصريين لا يحبون الخير لبعضهم فى الغربة.. ويستكثرونه على بعضهم! ثم كانت الخطوة الثالثة من خطة الأم، وهى ترك المنزل بعدما تتودد إلى سارة وتدعوها لتناول الإفطار أو العشاء مع الأسرة، لتراقبها بالكاميرات التى تملأ قاعات البيت الكبير.. دون علم البنت والولد! ودائمًا ما كانت تصرفات البنت الواثقة من نفسها تخلّ بتوقعات الأم التى استمرت فى خطتها واثقة أن النار والكبريت سيفعلان مفعولهما آجلا أم عاجلا! والحقيقة أن سلوك أسرة رائد المطمئن والمرحب كان مخادعًا لدرجة أن رائد نفسه هو الذى بدأ الخطوة الأولى فى الاقتراب من سارة وتقبيلها، بعد استسلامها بأمر الحب! وسريعًا ما دخلت الأم والأب.. وبأسلوب الأفلام المصرية لقّنت البنت درسًا فى الأخلاق، متهمة إياها بسوء التربية التى تليق بابنة عاملة المصنع والعامل فى محطة البنزين التى لا تحترم ثقة العائلات الكبيرة.. وتغرر بالشاب الخجول المحترم! انهارت سارة! وترك رائد المنزل! وصارت قصتهما على ألسنة المجتمع الذى جمعهما. فى زيارتى الأخيرة للولايات المتحدة، اتصلتُ بصديقتى التى روت لى القصة لأعرف كيف انتهت بعد سنوات! فعرفتُ أن رائد تزوج من شابة جميلة ابنة أسرة غنية مثل أسرته، لكنه تحوّل من الشاب الوسيم المبتسم دائمًا لشخص قاتم كئيب، نادرًا ما يبتسم، وقد أهمل منظره ووزنه! قد يكون سعيدًا فى زواجه، ولكن شيئًا ما فى روحه لم يعد مبتهجًا مثلما كان أيام علاقته بسارة.. التى علمتُ أنها انشغلت فى تحقيق أحلامها وأهدافها ولم تعد تهتم بأمور الحب ولا الزواج! ممدوح وسينثيا أما قصة «ممدوح وسينثيا»، فقد عايشتها بنفسى، وقد بدأتْ فى منزل أسرتى بكاليفورنيا، حينما فوجئنا بمكالمة هاتفية من سينثيا، تخبرنا أنها صديقة ممدوح الذى تعرّف على أسرتى فى فلوريدا، وليس له أحد سوانا هنا، وقد تم احتجازه بالمستشفى نظرًا لانفجار زائدته الدودية فى نهاية رحلتهما الترفيهية قبل العودة لفلوريدا! وسريعًا ما تحركت أسرتى لزيارة ممدوح، ودعوته لقضاء فترة النقاهة بمنزلهم! أما سينثيا، فكانت رمزًا للصديقة المخلصة الوفية، تهتم بأدق تفاصيل علاج ممدوح، وتقوم بنفسها بتغيير ضمادات جرحه، وشراء الطعام المناسب لحالته، وكل التفاصيل التى تؤكد صدق مشاعرها نحوه، لكنه أصر على ألا تنام سينثيا معه فى حجرة واحدة مراعاة لتقاليد الأسرة. تعجبتُ من إصرار ممدوح، وتساءلت كيف سيبرر الأمر لصديقته؟ هل سيخبرها أن هذه الأسرة المصرية متمسكة بتقاليدها وترفض مسألة الصداقة بين الولد والبنت بالمفهوم الأمريكانى؟ فلماذا جاءت للعيش فى ذلك المجتمع إذن؟ ثم انتبهت إلى أن أسرتى تبرر وجود هذين الشابين أمام الأبناء باعتبارهما متزوجين! فانتهزتُ الفرصة وسألتُ ممدوح إذا كان سيتزوج سينثيا حقًا؟ فاندهش من سؤالى وبدأ يسبها هى وأسرتها وأبوها وأمها وعاداتهم وتقاليدهم، وكيف يتزوج من هذه التى عرفها وهما ليس بمتزوجين! فقلتُ له إن الثقافة الغربية تسمح بمثل هذه العلاقات منذ الحرب العالمية الثانية التى قتل فيها ما لا يقل عن 75 مليون شخص من الدول المتناحرة حينئذ، حيث قتل 20 مليون عسكرى، والباقى من المواطنين! وقد صارت المدن شبه خربة، وقامت النساء ببنائها، لغياب الرجال الذين قتلوا فى الحروب، فلم يكن هناك وقت لإجراءات الزواج والطلاق وبدأ مفهوم الصداقة بين النساء والرجال يتخذ شكلاً آخر بغرض الإنجاب للحفاظ على الحياة وإعمار البلاد.. وهكذا استمرت تلك العلاقات ليومنا هذا، فالحروب لا تدمر المدن والبشر فقط بل القيم أيضًا .. وهكذا تغير العالم كله بعد الحرب! أما هى، فقد أخبرتنى أنها تحبه وتتمنى الزواج منه! بعد سنة، اتصلت أسرة ممدوح بأسرتى فى كاليفورنيا تطلب منهم حذف سينثيا من قائمة الأصدقاء فى الفيس بوك لئلا تعلم بأمر زواج ابنهم من الفتاة المصرية التى ذهب للبلد ليتزوجها! استجابت أسرتى لطلب أسرة ممدوح، بينما تمسكتُ أنا بصداقتها، ناقمة على الخداع الذى تعرضت له هذه الشابة الجميلة التى أحبت ممدوح من قلبها، ولكنه تركها بعدما استمتع بحبها وثقتها به.. دونما أجرؤ على إخبارها الحقيقة وهى أن ممدوح كان يستغل عادات وتقاليد بلدها للاستمتاع بها فى فترة الحب، ثم قرر البحث فى مرحلة الزواج.. عن البنت المصرية المغلفة فى السوليفان، والتى يتوقع منها التقدير والامتنان لأنه نقلها من الريف لأمريكا بحالها! عاطف والزوجة الآسيوية أما «عاطف» فهو طبيب مرموق على مشارف الخمسينيات، ماتت زوجته المصرية منذ سنوات بعد صراع مع المرض، تاركة له ثلاثة أبناء، فبدأ الناس فى الكنيسة يبحثون له عن عروس جميلة وصغيرة تعوضه عن سنوات الحرمان، وتليق به وبثروته وبيته الذى يقطنه فى نيو پورت بيتش الشهير بحى الأغنياء فى جنوب كاليفورنيا! بينما كان هو دائمًا ما يردد أن كل شيء قسمة ونصيب، فيصحح له كاهن الكنيسة مقولته، مؤكدًا أن كل قرارات الإنسان هى من صنع عقله وخبراته وثقافته ورغباته، فلماذا نلصق كل شىء بربنا؟ وكنت ألحظ كيف كان الناس يبتسمون أمام أبونا، ثم يمضى فتتغير تعليقاتهم ويقولون لعاطف: أبونا بيخوفك عشان تختار صح.. لكن كل شىء قسمة ونصيب من ربنا طبعًا! انقطعت أخبار عاطف لفترة طويلة، ثم فجأة نشر صورة زفافه على سيدة من جنوب شرق آسيا، فى كنيسة غير أرثوذكسية، فلم تهدأ التليفونات بين عائلات الكنيسة، يتحسرون على اختياره لهذه المرأة، وكيف ولماذا لم تعجبه ولا شابة مصرية من اللاتى ارتضين الزواج منه رغم فارق السن بينهما؟ وكيف وقع فى هوى هذه «العفريتة» التى لا نميل نحن المصريين لملامح نساء الشعوب التى تجيء منها، بينما كان الرجال يتغامزون ساخرين من آراء النساء وتعليقاتهم تؤكد أن الأجساد القليلة المتناسقة المرنة هى التى تجذب الرجال لنساء جنوب شرق آسيا... حيث معروف أن صاحبات هذه الأجساد يتمتعن بجاذبية جنسية عالية جدًا! كنت أستمع إليهم بابتسامة وأنا أريد إخبارهم أنها ثقافة عالمية وليست مصرية، وكيف أن مخرجًا فرنسيًا شهيرًا خرج علينا بخبر عشقه لنساء شرق آسيا لقدرتهن على إسعاد الرجال! فى زيارتى الأخيرة، علمت أن الدكتور عاطف سعيد بزواجه، ولم تتحقق نبوءات النساء المصريات اللاتى كن يتوقعن فشله لتأكدهن أنه أكثر حساسية ورقة ويريد من يتمتع معها بالشعر والموسيقى والفن بلسان مصرى، حينما يشتاق لممارسة لغة بلده وذكرياته التى نشتاق إليها كلما كبرنا. رضا تزوج أخيرًا وأخيرًا رأيت رضا، أشهر عريس لم يترك فتاة مصرية قادمة فى زيارة لأسرتها بكاليفورنيا إلا وتقدم لها، حتى تزوج أخيرًا... بعدما سافر إلى مصر واختار زوجة من أسرته وعاد بها لأمريكا! حينما رأيتهما معًا انتابنى شعور بأن هذا الرجل يفتقد الإحساس بالثقة فى النفس، وكيف كان – مثل بعض الرجال- يتخذ من فكرة التقدم لعروس كوسيلة للسيطرة والإحساس بالرجولة التى قد تكسرها تلك البلاد المحكومة بالقوانين الصارمة! هو قصير القامة نسبيًا تزوّج من امرأة تعتبر طويلة، بيضاء البشرة وملفوفة القوام! يتباهى بتقديمها للناس، خاصة أنها تصغره ب 14 عامًا! لم أهتم كثيرًا بمعرفة المزيد عن رضا. وزوجته التى رأيت ابتسامتها.. فقرأتُ كم يسعدها وجودها فى كاليفورنيا أكثر من كونها زوجة هذا الرجل. الذى يعتبر النموذج الشعبى لأى عريس قادم من أمريكا! الذى سأهتم بمعرفة المزيد عنه، فى الزيارة القادمة لتلك البلاد – بإذن الله –!