«مش هاقدر أروح المَدرسة بكرة لأن جزمتى قديمة عايزة جزمة ماركة زى صحبتى»، «مش عايزة أروح المَدرسة خالص.. الأولاد بيعايرونى لأن أبويا بواب»، «مش هاقدر أروح المَدرسة بكرة من غير ما ألبس الحجاب»، «مش هاقدر أروح المدرس من غير ما أدفع مصاريف المَدرسة والكُتب»، «مش عايز أروح المَدرسة لأن المدرس شتمنى بكلام قبيح»، «مش عايز أروح المَدرسة لأن الأولاد مش عايزنى ألعب معاهم علشان أنا مسيحى.....». منذ اليوم الأول لعودة الأطفال إلى المدارس تواجهنا هذه العبارات على ألسنة أطفالنا فى المراحل التعليمية المختلفة، وفى جميع المستويات الاجتماعية، وتعكس لنا قدرًا كبيرًا من أشكال العنصرية والتنمر والتعصب الدينى والاجتماعى والجنسى المتغلغلة فى ثقافة أطفالنا، وبالأساس فى ثقافة المجتمع المحيط بهم. المَدرسة: الحل أمْ المشكلة؟ يرى بعض العاملين فى قطاع التعليم من- منظور عملى- أن الأسرة هى الأساس فى تنشئة وتربية الطفل، وأن الطلاب ينقلون القيم والسلوكيات من الأسرة إلى المَدرسة. وفى كثير من الأحيان تضطر المَدرسة للخضوع إلى القيم والسلوكيات القادمة من الأسرة والمجتمع والمناهضة لقيمها ومبادئها التربوية. والأمثلة كثيرة، منها؛ أولًا: استخدام العنف الجسدى والإهانة من قَِبل بعض المُدرسين لضبط سلوك الأطفال، رُغم كل الدعوات والقرارات الوزارية ضد العنف المَدرسى، والمبرر لديهم أن الأطفال تعوّدوا على الضرب والإهانة فى أسرهم. ثانيًا: الفصل بين الجنسين فى قاعات الدرس تماشيًا مع الفكر السلفى فى بعض المناطق الريفية، رُغم الأهمية التربوية للاختلاط بين الجنسين فى تهذيب السلوك والعلاقات بينهم. ثالثا: ممارسات التعصب الدينى من قِبَل بعض المدرسين تجاه الطلاب المختلفين دينيًا، أو الطلاب تجاه بعضهم البعض، رُغم كل الدعوات الفكرية التى تؤكد محورية دور المَدرسة فى علاج ظواهر التعصب والتوترات الدينية. ويؤكد د. شبل بدارن- أستاذ علم اجتماع التربية- فى دراسته المهمة «جماعات الإسلام السياسى والمناهج الدراسية» (مجلة التربية المعاصرة مارس 2018)؛ أن بنية المؤسسة التعليمية وما تضمنه من مكانة ودور للمُعلم، ومقررات دراسية، وطرُق تدريس، وإدارة مدرسية هى انعكاس بشكل أو بآخر لبنية النظام السياسى، وأن المَدرسة باعتبارها مؤسسة اجتماعية فإنها تعيد إنتاج العلاقات الاجتماعية القائمة فى المجتمع. ومن ثم فلإن المصالحات السياسية مع جماعات الإسلام السياسى فى عهد الرئيسين الأسبقين السادات ومبارك قد أدت إلى تغلغل فكر «الاخوان والسلفيين» إلى المناهج الدراسية وإلى عقول المعلمين والطلاب، عن طريق «أخونة» المَدرسة وثقافتها ومناهجها، وفرض الحجاب على طالبات المدراس، وعدم الاختلاط فى التعليم. وهنا يبرز السؤال: هل للمَدرسة دور فى علاج أفكار وممارسات التعصب الدينى والعنف ضد المرأة والنعرات الطبقية والتنمر بين الأطفال، أمْ أن المَدرسة تعيد إنتاج هذه الأفكار والممارسات داخلها، وبذلك تصبح جزءًا من المشكلة؟! المَدرسة مساحة للجميع إذا كان أغلب المصريين قد تمرّدوا فى 30يونيو 2013 على التسلط باسم الدين والتطرف وتغيير الطبيعة المدنية والتعددية للدولة والمجتمع المصرى؛ فان إصلاح العملية التعليمية من أجل علاج تغلغل الفكر والسلوك المتشدد والرجعى قد أصبح واجبًا مجتمعيًا وليس حكوميًا فقط. وما لا شك فيه؛ فإن الحقبة الأخيرة قد شهدت مبادرات عديدة من قِبَل الحكومة والمجتمع المدنى لإصلاح مناهج التعليم ودمج مقررات تعليمية حول المواطنة وحقوق الطفل والمرأة واحترام التنوع الدينى فى مناهج اللغة العربية والتاريخ والدين. هذه المبادرات استطاعت تقديم حلول للمنهج المكتوب، أمّا «المنهج الحى» وأقصد به المَدرسة ذاتها، ذلك المكان الحى الذى يعج بالمديرين والمُدرسين والمشرفين والعمال البسطاء والطلاب، فلايزال يحتاج إلى كثير من الإصلاح والتغيير ليصبح «المساحة المدنية المشتركة» التى تسع الأطفال المصريين كافة وتعزز لديهم قيم وممارسات المواطنة واحترام التنوع الدينى والاجتماعى والجنسى. بداية الإصلاح المَدرسى هى تنمية رؤية وقدرات المجموعة البشرية التى تدير العملية التعليمية فى المَدرسة- بدايةً من المدير ومرورًا بالمُدرسين وانتهاءً بأبسط العمال-لامتلاك المعارف والأساليب التربوية القادرة على علاج مشاكل التعصب الدينى والتمييز والعنف ضد النساء والتنمر بين الطلاب بشكل عملى ومستمر وليس فقط فى إطار درس نظرى مقرر فى المنهج. والحقيقة أن هناك مبادرات كثيرة نُفذت فى مدارسنا حول «التربية على المواطنة» من قِبَل الإدارات المَدرسية أو الجمعيات الأهلية. طبقت هذه المبادرات أساليب تربوية مبتكرة مثل المسرح التفاعلى وفنون الرسم والكاريكاتور والأنشطة الرياضية والأيام المَدرسية الترفيهية المفتوحة للأنشطة التفاعلية. النتائج المبدئية لهذه المبادرات تؤكد نجاحها فى تنمية وعى الطلاب ومهاراتهم لاحترام حقوق المواطنة وقبول التنوع والاختلاف. وهو ما يتطلب تقييمها لتصبح سياسة تربوية عامة فى مدراسنا. دعوة لمجلة «صباح الخير» للقلوب الشابة والعقول المتحررة وتأكيدًا على الدعوة التى أطلقتها الأستاذة عبير صلاح الدين فى مقالها فى العدد السابق «لسّه الطلبة بتحب المَدرسة» حول تشجيع الرقابة الشعبية لدعم حقوق الطلاب والمُعلمين معًا، والتواصل بشكل علمى ومؤسسى لتقديم الحلول؛ فإننى أدعو مجلة «صباح الخير» أن تفتح صفحاتها طوال العام الدراسى لمناقشة وعرض التجارب الحكومية والمدنية المختلفة لدعم العملية التعليمية ماديّا ومعنويّا، وبخاصة مبادرات التربية من أجل المواطنة واحترام التنوع والاختلاف، لتصبح المَدرسة المصرية بالحقيقة مساحة للجميع.