إنها الرغبة فى أن تخرج من قوقعة ذاتك.والشهيّة لكى تتذوق جوانب كثيرة من التجربة الإنسانية كانت مجهولة بالنسبة لك. إنها اللذة فى معرفة من حولك ومن بداخلك. وأيضًا القدرة على التحليق فى آفاق لم تعشها من قبل.. كلها أمور تتحقق وتطلعات تتشكل مع شغفك للقراءة وسعيك لإثراء حياتك وما فيها من تجربة ومغامرة وخيال. رحيل الكاتبة الأمريكية السوداء تونى موريسون دفع الكثير من عشاق الأدب والتاريخ الأمريكى إلى قراءة أو إعادة قراءة رواياتها من جديد خلال الأسابيع الماضية. تونى موريسون لها 11 رواية ومنها «محبوبة» و«العين الأكثر زرقة» و«جاز». وقد حصلت على نوبل للأدب عام 1993 ورحلت يوم 5 أغسطس 2019 وهى فى ال88 من عمرها. الكاتبة التى وجدت فى الكتابة تحررًا من الألم حرصت على التأكيد دائمًا على أن كونها كاتبة سوداء لا يعنى أنها تقف فى مكان بسيط أو عادى، بل تقف فى موقع ثرى للغاية للكتابة منه. وكما قالت أن هذا المكان أو الموقع لم يضع حدًا لخيالها، بل جعله أكثر اتساعًا. موريسون حرصت على تكرار القول بأن حياة الكاتب وأعماله ليست هبة للبشرية، بل ضرورة لها. موريسون هى الكاتبة المتميزة جرأة فى المغامرة وجمالًا فى السرد أو الحكى أعطت لتجربة المرأة السوداء الأمريكية أبعادًا جديدة كانت خافية لكثيرين أو كانت تجربة يتم حكيها بشكل أو آخر من خلال الرجل الأبيض وما له من انحيازات واختيارات، ولأن موريسون برحيلها أثارت الاهتمام والإعجاب من جديد حرص عشاق السرد الجميل على قراءة كتاب صدر هذا العام يضم مقالات كتبتها وكلمات ألقتها تونى موريسون على مدى العقود الماضية ومنها خطاب نوبل. الكتاب عنوانه The Source of Self-Regard (مصدر احترام الذات). والكتاب يعد جولة فى عقل وقلب وخيال وذاكرة تونى موريسون. وما أجملها من جولة. عفوًا السياسة ضرورة لا مفر منها لا شك أنه مع قدوم عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 أخذت كتب سياسية عديدة طريقها إلى الصدور والانتشار. والتوجه العام ليس فقط كتبًا تحاول قراءة ما تم أو ما لم يتم خلال فترة الرئيس ترامب، ولكن تسعى إلى تشخيص الحالة الأمريكية التى تكشّفت وتشكلت فى عهده، ثم ماذا يمكن أن يتغير فى السنوات المقبلة؟ وماذا سيبقى فى المشهد الأمريكى حتى لو ذهب ترامب وعهده؟ ومن ضمن الكتب التى لفتت الأنظار فى الفترة الأخيرة لأهل واشنطن American Carnage (المذبحة الأمريكية) من تأليف الكاتب الصحفى تيم ألبيرتا وهذا الكتاب يتناول بالتفاصيل العديدة والدقيقة ماذا حدث من حرب أهلية ومواجهات سياسية داخل الحزب الجمهورى وأدى إلى صعود ترامب، ومن ثم سقوط حزب إبراهام لنكولن وتحوله إلى ما هو عليه الآن حزب ترامب. هذا الكتاب ليس كتاب آراء ومواقف، بل كتاب تحقيقات استقصائية مطولة تبحث عن إجابات لأسئلة ملحة صارت تقلق وتحيِّر الأمريكى فى السنوات الأخيرة. التغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للشعب الأمريكى فى حاجة إلى رصد وتقييم وتحليل.. كما أن الكتب الخاصة بالمرشحين الديمقراطيين أخذت بعض الاهتمام لبعض الوقت خلال الأسابيع الماضية على أنها تعد تعريفًا وتقديمًا لتلك الأسماء وتاريخها الشخصى والسياسى.. والتجربة الأمريكية الخاصة بهم على أساس أن كل مرشح يحاول أن يشرح كيف هو / هى يختلف وتختلف عن الآخر.. وكيف أنه قريب جدًا من قلب أمريكا ومختلف جدًا عن واشنطن بما لها وما عليها من سمعة وشهرة ومصداقية! وقراءات الأمريكى فى الفترة الأخيرة نراها منصبّة بشكل عام وكالعادة على القضايا المثارة إعلاميًا وسياسيًا والتى تحتل حيزًا من اهتمامه مثل الهجرة والمهاجرين وتحديات البيئة ومخاطر المساس بالخصوصية عبر وسائط التواصل الاجتماعى.. بالإضافة إلى قراءة كتب تنمية الذات والاهتمام بالنفس وسعادتها.. وتظل الروايات كالمعتاد بجميع أنواعها الأكثر تواجدًا وانتشارًا وتأثيرًا على الساحة الأمريكية، وأخبارها والمقالات النقدية عنها والحوارات مع كتابها تحتل مساحات كبرى من المشهد الإعلامى الأمريكى.. نعم المعرفة الإنسانية فى حاجة دائمة إلى طرح الأسئلة والبحث عن الإجابات، إلا أن طرح الأسئلة فى حد ذاته لأمر حيوى، خاصة أن هذه الأسئلة كلما كانت أكثر جرأة كانت أكثر كشفًا لخبايا الحالة التى يعيشها أو يجتازها المجتمع. الكتب لا يتم تأليفها ونشرها من أجل طبطبة العقول وطمأنة النفوس، بل من أجل خربشة الدماغ.. أهلاً بالأمور التى تنبه وتشغل البال وتثير النقاش وتدفعنا إلى حياة أفضل. الناموس وحكايته من الكتب الصادرة مؤخرًا كتاب يلفت الاهتمام ويثير النقاش عنوانه The Mosquito (الناموس). يتحدث فيه المؤلف عن تاريخ الإنسان مع هذا القاتل المفترس (حسب تعبيره). المؤلف اسمه تيموثى واينجارد وهو ليس عالمًا، وإنما مؤرخ يرصد عبر التاريخ ما كان للناموس من وجود وخطر وأثر مدمر فى حياة البشر. حسب توصيف المؤلف فإن الناموس بلا منافس يحتل مركز الصدارة فى الحيوانات أو الحشرات المسببة لموت البشر. وبالطبع ساهم فى نشر أمراض فتاكة مثل الملاريا والحمى الصفراء وزيكا وفيروس غرب النيل. منذ عام 2000 تسبب الناموس سنويًا فى موت نحو 2 مليون من البشر. فى حين كان نصيب الثعابين نحو 50 ألفًا سنويًا. والكلاب 25 ألفًا والتماسيح نحو ألف شخص.. ويذكر المؤلف فى الكتاب الذى يقع فى 436 صفحة أن الناموس متواجد ومسيطر على الأرض منذ 190 مليون سنة وتسبب بشكل أو آخر حسب تقديره فى موت 52 مليارًا من البشر على مدى تاريخ البشرية، أى أكثر من كل الضحايا فى كل الحروب. كتاب الناموس مثل غيره من كتب تتناول الحشرات والحيوانات والنباتات.. خصوصًا إذا كانت مكتوبة بلغة شيقة تجذب انتباه القراء.. فتاريخ علاقة الإنسان بهذه الكائنات التى تعد جيرانًا له فى الكرة الأرضية شيق للغاية وعادة ملىء بالمعلومات لا يعلمها أكثر القراء. سنودن وأسراره هناك دائمًا شوق للكتب الصادرة مستقبلاً خاصة إذا ارتبطت هذه الكتاب بمؤلفين مشهورين أو بقضايا ساخنة أثارت اهتمام الرأى العام. وفى انتظار ما قد يصدر من كتب فى الأسابيع المقبلة نجد كتاب Permanent Record (سجل دائم) فيه يتحدث إدوارد سنودن عن تجربته الكبرى فى تسريب أخطر المعلومات الاستخباراتية الأمريكية، ومن المقرر أن يصدر الكتاب يوم 17 سبتمبر المقبل. سنودن فى غنى عن التعريف، وهو من قام بتسريب أكبر وأخطر كم من المعلومات التابعة للمخابرات الأمريكية، بالإضافة إلى كشف النقاب عن الأنظمة المتبعة فى الحصول عليها. سنودن العميل السابق ب«سى آى إى» والمتعاقد مع أجهزة أمريكية استخباراتية أخرى (الهارب إلى روسيا منذ عام 2013) قام وهو فى ال29 من عمره بعمل اختلفت حول توصيفه الآراء خاصة أن العديد رآه خائنًا والبعض وجد فيه بطلاً. هذا الكتاب بالتأكيد سيثير نقاشًا حادًا حول سنودن والتسريبات وما يعد أسرارًا يجب عدم التفريط فيها مهما كانت المبررات أو الأسباب. الكتاب يقع فى 352 صفحة. وترى ما هو الجديد الذى سيضيفه هذا الكتاب لما نعرفه أو سمعناه خلال السنوات الأخيرة.