الإدارية العليا تستقبل 8 طعون على نتيجة 30 دائرة ملغاة بانتخابات النواب    الجيزة: أسواق اليوم الواحد تعتمد على دراسات دقيقة لاحتياجات السوق    وزير البترول يكشف موعد زيادة أسعار المواد البترولية المرتقبة    طائرة مسيرة تحمل العلم الروسي تحلق فوق كييف    هل تتدخل مصر عسكريًا في السودان؟ خبيرة بالشأن الإفريقي تُجيب    الصحة الفلسطينية: استشهاد طفل متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال    تعرف على أرقام محمد صلاح مع منتخب مصر قبل أمم أفريقيا 2025    خبر في الجول – مالكه فينيسيوس.. الأهلي يتلقى عرضا لضم كوكا    سمير كمونة: حسام حسن من مدرسة الجوهري.. وصلاح ومرموش قوة للمنتخب    عبد الرؤوف يمنح لاعبي الزمالك راحة من التدريبات غدًا    الزمالك يهزم وادي دجلة في دوري الطائرة    حبس متهم بقتل صديقه وتقطيع جثته إلى أجزاء وإلقائها في القمامة بالإسكندرية    جثامين ضحايا طريق الضبعة رهينة ال DNA.. قرية معصرة صاوى على صفيح ساخن    مقتل 5 متهمين بترويج المخدرات بعد ساعتين من تبادل إطلاق النار مع الأمن في أسوان    تعزيز القيادة الأثرية .. الدكتور خالد حسن نائبًا للرئيس التنفيذي بالمتحف المصري الكبير    إيمي سمير غانم تمازح الجمهور: «لو حسن الرداد اتجوز عليّا ده حقه»    تامر حسنى يقدم ميدلى من أغانى العندليب الأسمر فى حفل عابدين    حكم صيام شهر رجب كاملا| الإفتاء توضح    كيف تهدد المشروبات الدافئة بالشتاء صحة العظام؟    سقوط من علو ينتهى بإنقاذ مُعقد| قصة نجاح طبي بمستشفى الفيوم العام    رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق: لا يمكن دستوريا وقانونيا تأجيل أو تمديد جلسة البرلمان المقبلة    المصل واللقاح: انتشار الفيروسات التنفسية طبيعي في الخريف والشتاء.. و65% من الإصابات إنفلونزا    انطلاق الحلقة 12 من برنامج دولة التلاوة بمشاركة كبار القراء.. بث مباشر    وزير خارجية بوتسوانا: المنتدى الروسي - الأفريقي منصة مهمة لتحديد أولويات التعاون    وزارة العدل الأمريكية: لم ننقح أي ملفات لحماية ترامب عند إصدار وثائق إبستين    زعم أن أخاه يسيء معاملته.. تفاصيل واقعة إشعال شقيق ناصر البرنس النيران في نفسه بالشيخ زايد    تحسين حياة المواطن بالأقصر تتصدر اهتمامات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة    محمد صبحي يكشف كواليس لقائه بأم كلثوم: «غنّت لي وحدي وأهدتني 50 جنيهًا»    د. محمد العبد: مجمع اللغة العربية منارة ثقافية يواكب احتياجات التحول الرقمي| خاص    فولتماده: لا أعرف كيف تعادل تشيلسي معنا.. وجمهور نيوكاسل يحبني    تعادل بورنموث ضد بيرنلي وبرايتون مع سندرلاند في الدوري الإنجليزي    وزير الخارجية يلتقى مفوضة الاتحاد الأفريقى للتنمية الاقتصادية والتجارة    الدكتور محمد عبد العاطي وزير الري السابق يفتح ملف أمن مصر المائي في حوار مع «صوت الأمة»: القيادة السياسية لن تفرط في نقطة مياه واحدة.. والأمن المائي واجب وطني ومسؤولية جماعية    النائب العام يوافق على رفع اسم علاء عبد الفتاح من قوائم الممنوعين من السفر    خلال 10 أيام.. التفتيش على 3605 منشآت يعمل بها أكثر من 49 ألف عامل    التنمية الشبابية بالجزيرة يعرض كأس ألأمم الأفريقية علي شاشة عرض عملاقة بالمسرح الروماني    الصهيوإخوانية| الإخوان والصهيونية صورة طبق الأصل    أهالى البلد اتبرعوا بسيارة هدية فوزه بالمركز الأول عالميا فى حفظ القرآن.. فيديو    وزير التعليم العالي يشهد حفل تخريج أول دفعة من خريجي جامعة المنصورة الجديدة الأهلية    النبراوي أول نقيب مهندسين مصري يتقلد رئاسة اتحاد المهندسين العرب    أمن الجيزة يلقي القبض على "راقص المطواة" بالبدرشين    وزير الصحة يتفقد مستشفى الخانكة للصحة النفسية ويوجه بسرعة الانتهاء من أعمال التطوير    «مصر للسياحة» تخطط لتطوير الفنادق التابعة والتوسع في تطبيقات التحول الرقمي    محافظ أسوان يبحث توصيل الخدمات والمرافق ل40 مصنعا.. اعرف التفاصيل    تعليم جنوب سيناء تعلن جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول لمرحلة الثانوية العامة صباحي ومسائي    رئيس جامعة الأزهر: الجميع مع القرآن فائز.. والإمام الأكبر حريص على دعم الحفظة    النيابة الإدارية تواصل تلقى طلبات التعيين بوظيفة معاون نيابة إلكترونيا.. المواعيد    حقيقة فيديو تجاوز إحدى الرحلات الجوية طاقتها الاستيعابية من الركاب    بعد إعلان ارتباطه رسميا.. هذا هو موعد زفاف أحمد العوضي    محمد عنتر: الزمالك "اختياري المفضل" دائما على حساب الأهلي.. والأندية الشعبية في خطر    رئيس هيئة التأمين الصحى فى زيارة تفقدية لمبنى الطوارئ الجديد بمستشفى 6 أكتوبر    سحب 666 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : لعنة الله على تلك .. المسماة " ديمقراطية !?    «المنشاوي» يستقبل أسامة الأزهري وزير الأوقاف بجامعة أسيوط    محاكمة 37 متهما بخلية التجمع.. اليوم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    محمد معيط: روشتة صندوق النقد الدولي عادة لها آلام وآثار تمس بعض فئات المجتمع    طائرات ومروحيات أمريكية تشن هجوما كبيرا على عشرات المواقع لداعش وسط سوريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتماء وتنمية الذات
نشر في صباح الخير يوم 24 - 04 - 2019

فوزية مهران، وزينب صادق من أهم كاتبات «صباح الخير»، و«روزاليوسف»، وقد تميز أدبهما بإبراز قيم الانتماء وتنمية الذات، والتعبير عن قضايا المجتمع المصرى والمرأة المصرية بخاصة, وقد أثرتا حياتنا الثقافية بالإبداع، والتعبير عن قضايا المجتمع فى مرحلة مهمة من تاريخنا الوطنى والثقافى من خلال الذات المبدعة القادرة على استلهام الرؤى الفنية المعبرة والتفاعل مع تقنيات الإبداع التى ميزت المنتج الروائى، وطبعته بطابع مؤثر جعل للشخصيات الفنية فى أدبهما طابعًا لا يُنسى، وحضورًا قوياً معبراً من الناحية الفنية والجمالية، وهذه قراءة فى رواية «حاجز أمواج» لفوزية مهران، ورواية «لا تسرق الأحلام» لزينب صادق.
وتبرز الروايتان قيم الانتماء وتنمية الذات، وتدور أحداث كلتا الروايتين فى مرحلة حرب الاستنزاف قبيل حرب أكتوبر المجيدة، وتحقيق النصر، وإبراز قيم الصمود والبناء على المستويين الفردى والجماعى، وهو ما يجعل للبعد الزمانى الذى تدور فيه الروايتان أهمية كبيرة، ومؤثرة فى حياة أبطال الروايتين الذين ارتبطت أحداث حيواتهم الشخصية بأحداث الحرب، ومواجهة صراعات النفس الداخلية التى تأثرت بما يدور على جبهة الحرب، وكأن الشخصيات نفسها تحارب على جبهتين: جبهة الذات وجبهة الحرب، ويصبح بناء الذات، جزءًا من بناء الجماعة، واستنهاض القيم الداخلية رمزًا لاستنهاض رموز المواجهة والكفاح وخوض الصراع من أجل مستقبل أفضل.
«حاجز أمواج» هو عنوان رواية فوزية مهران التى أصبحت بطلتها الكاتبة نور تبحث فى شغف عن معنى ورمز تواجه به تشظى الذات، والتغلب على الصعاب أثناء حرب الاستنزاف، فهى تريد أن تصنع من لحمها وجسدها «حاجز أمواج» تنكسر عليه عنف الضربات، وهيج الأمواج ودوامات الغرق، ويكون الحوار دالًا بين بطلى الرواية الأساسيين «نور» الكاتبة وزياد زوجها الربان قائد السفينة تقول له: «اشتغل حاجز أمواج أنا، جزء من طبيعتنا وعملنا، الفرق أنى حاجز أمواج من اللحم البشرى، من الجسد الحى وليس سدًا من الصخر والحجر، كيان إنسانى مرهف الحس والعصب، تتكسر لديّ الأمواج لا أدعها تنفذ أبداً، تحطم ضلوعى، تفتت عظامى، تدمى نسيج الحشا، وأظل صامتة، فرقة مصدات الرياح والأمواج، كلنا أمل، وزياد وبلال وأمنا» هاهنا يتحول أبطال الرواية إلى حاجز أمواج بشرى، يصمدون لتحقيق النصر. يلوذون بالقلب، بالداخل الحميم، بقرية تتمثل فيها صفات المقاومة منذ آلاف السنين وتصبح هذه القرية «سندبيس» نواة رحلة المقاومة النفسية والفنية، إذ يبزغ من داخل السياق خيط فنى درامى آخر لفيلم يتم تصويره فى القرية، وتسير أحداث الفيلم مع أحداث الرواية، نص من داخل نص - فى محاولة سردية سباَّقة لتوليد النصوص من داخل النص السردى الروائى ، ويتم متابعة الخطين الدراميين لأبطال الرواية وأبطال الفيلم معًا حتى ليصبح النص السردى خلاصًا فنيًا، ومواجهة حقيقية للواقع فى إيمان يؤكد القناعة بأن للفن دورا كبيرًا فى تحقيق الذات والتعبير عن المجتمع بل تغييره.
فتقول نور البطلة: تخلينا عن الأسى وشحنة الرثاء والغضب، أعددت قصة فيلم عن البناء «وأنت إذ تبنى العام تبنى الخاص أيضا وتحسنه».
المكان الرمز
تمثل قرية «سندبيس» بلد الحبيب، بلد الأم الصابرة «خالدة» فى جلبابها الأسود المريح، وبضفائرها الفضية، وعيونها الخضراء، تلقانا باسمة هى «سندبيس» لدىّ. وهنا يتحول المكان إلى قوة رمزية مهمة تدفع بالأبطال لمواجهة مصائرهم والتوحد فى ظل معنى، وتصبح القيمة الحقيقية هى بناء الذات من خلال استلهام الشخصيات الروائية داخل النص كرموز إنسانية تدفع إلى التماسك والمقاومة.
ويتحول بيت الأم «خالدة» إلى ملاذ للجميع: كل يوم نكتشف جديدًا من سحر الدار المعجزة، اكتشفنا كنز الماء، ونبع الحنان والحكمة الفائقة، تسرى بين النسوة حكاية أن طلمبة أمى خالدة تحتها عين جارية قال لهم شيخهم أنه كنز من الماء «فيها حلاوة ربانى، مذاقها كالشهد، الشرب منها فيه شفاء وبركة يزيل الأوجاع والسقم» ص 58، ص 59.
طرائق مبدعة للتعبير عن الذات
ولبناء «حاجز أمواج» بشرى تصبح الأم «خالدة» إحدى لبنات هذا التأسيس ويحدث هذا فنيا من خلال استدعاء مشاهد من حياتها فى سطور مكثفة توحى بالقدرة على الصمود والمواجهة «تصورت وقفتها مع الأب، عدد المرات التى فتحت علبتها السحرية لتفك رهن الأرض، وتعين على تعليم الأولاد أو ثقل كارثة، تزدهر السنابل من جديد فى الحقل، ويبرق فوق شواشيها الذهب». وينعكس هذا المناخ النفسى على المناخ الفنى للفيلم داخل الرواية فيتحول الأبطال للبحث عن الإجادة والتعبير عن الذات فتبحث «أمل» الممثلة عن طرائق مبدعة لتجسيد دورها فى الفيلم واكتماله فنيًا: «انتظرت اللحظة بشوق، أجدنى مرة أخرى أتمثل الموقف وأعد نفسى له هبة، هدية للدور أختار الأدوار الصعبة العسيرة التى حلمت يومًا بأدائها، وأطلق حوارها، كنت أمثل نفسى، وأتمثل مشهدًا فائقا، كل ذلك وأنا قابعة بركن منعزل، وأقصى ترف يمكن أن أنعم به أن أمد ساقى أمامى، لا تخشى شيئا كنت أواصل التدريب والمران داخل المعتقل» ص 16.
ومن هنا تغلبت «أمل» أيضا على أزمتها الشخصية ومحنة الاعتقال التى لم تمنعها من تطوير ذاتها وفنها - وكانت قد تعرضت للاعتقال لأنها تمثل أدوارا شجاعة ترُى الناس الطريق الصحيح».
بناء الشخصية
أما الكتابة نور علام بطلة الرواية فهى تكتب قصة فيلمها، وقد أسست لبناء شخصياتها منطلقة من فكرة بناء الشخصية وإعادة الثقة إليها من خلال الحب كعاطفة سامية تجتذب الجميع وتشحن الطاقات الإيجابية التى تعزز قيم الأفراد وقدرتهم على الصمود والمقاومة، وتتدخل الساردة فى الرواية لتنشئ البناء الفنى على مستويين: مستوى السرد الروائى، ومستوى التطور الدرامى للفيلم مؤمنة بدور السينما ورسالتها فى بناء الأفراد «سينما تسعى للصدق، توحد بين مشاعر الناس، تعطيهم تحليلاً فنيًا لظروف العالم الذى يعيشون فيه وتوقظ الضمير العالم».
الصدق الفنى والصدق الواقعى:
وتنجح الساردة فى خلق علاقة حيوية مستمرة ما بين الأحداث الواقعية والأحداث الفنية فى الفيلم، وما يمر به من مراحل الإعداد والتنفيذ والإنتاج فعندما توقف تصوير الفيلم جفت الحركة، واتحد الموت الداخلى فى الفيلم بالموت فى القرية، تطابق الصدق الفنى والصدق الواقعى فقد تلقت القرية الضربة الأولى إشارة البدء، بداية قائمة الشهداء، يهزها الحدث ويبعثها من جديد فترى نفسها كيانا واحدا.
بناء الشخصيات الرئيسية والثانوية
تتشابك الشخصيات معًا فى بناء روائى متماسك فيصبح الشخصيات الرئيسية فى الرواية الكاتبة نور علام، وزوجها الربان زياد، والممثلة أمل ومعها عدة شخصيات رئيسية فى إنتاج الفيلم تتفاعل معها فى أداء المعنى فهناك معين الفلسطينى الذى يحب المصرية «منى»، تمتد أحلامه إلى أرضه البهية حالما بالعودة، وتصهره تجربة دراسة السينما والحياة المشتركة مع أهل القرية فيتطور مفهومه الاجتماعى للمرأة فيعدها وطنا ثانيا فيقول: «خرجنا بالغضب من ديارنا، أخرجونا من أرضنا فلا أقل من أن نختار نساءنا، حلمنا الممتد، أرضنا البهية تحمل أولادنا» ص 31
وهناك الجزائرى «الإبراهيمى» الذى يمثل وجوده فى إنتاج الفيلم ومعايشته لأهل «سندبيس» ومراحل صمودهم رمزًا لاستشراف المستقبل، والإفادة من تاريخ الكفاح، وطرق الصمود فيقول لرفاقه المصريين:
«ستعود لكم الأرض، وتعود الملاحة للقناة احفروها بأظافركم من جديد، نحن كنا بالجزائر نتحصن بالجبل، ندير قتالا من داخله، وحين ننزل إلى القرى لنسترد الأنفاس كنا نعلم أهلها الكتاب والشعر، وسبل المقاومة» ص 21.
وتتتضافر الشخصيات الرئيسية والثانوية لتصنع هذه الحيوية الدافقة، وتغنى تيار السرد بالخبرة وزاد التجربة فيقول زياد الربان عن تجربته مع الصمود لهجمة الأمواج: «علمنى البحر أن أدخل إلى كُن - وقت العاصفة - أهدئ حركتى أغلق منافذ سفينتى حتى تزول عن البحر غضبته، تسكن عنه الثورة بعدها أطلع عليه، وأشق طرقى وأنا فى كامل استعدادى وقوتى» ص 20.
يتحد الجميع، ويرتبطون بالمعنى، ويتحول الموت فى الرواية إلى عنصر بناء لا عنصر هدم، وحتى الموت العادى يكتسب معنى رمزيا من خلال حكايات داخل السرد «حكايات الأم خالدة»، ومنها هذه الحكاية المكثفة تقول الأم «خالدة»: «تعرفوا الضريح اللى فى آخر البلد كان صاحبه نجارا بسيطا يعمل مطارح الخبيز، كل يوم يشتغل من الفجر لحد المغرب». ضحكت «أمل»: عملوا له مقام ومسجد من أجل هذا فقط؟!.
فترد «خالدة»
كان رجلاً متديناً وطيباً يصلى بالناس كل أذان، الوقت بوقته ويتقن عمله ويصبح معنى الموت هنا مرتبطا بالتخليد «بناء مقام لمن كان يخبز ويعمل بجد، وتأكل القرية من عمل يده الذى كان يتمه على خير وجه». تنتفى عوامل الفناء وتولد الحياة مع قائمة الشهداء حتى ليبدو الحل فى اجتياز ما تمر به القرية من محنة الموت، والحرب متمثلاً تخليد الشهيد وذلك عن طريق بناء مدرسة، وكأن معنى التخليد يتطور فى تراث القرية «بناء مقام لطيب الذكر» وبناء مدرسة لتعلم الأجيال المعنى «التضحية والفداء»، وتتطور الفكرة لتصبح خيوط استشراف المستقبل الذى يولد من خلال «الحدث» والإسهام فيه: «بناء المدرسة».
«تقترح «أمل» أن يقيموا مدرسة باسم الشهيد وهو الدور ذاته الذى تقوم به فى الفيلم».
وتضوئ الساردة الفكرة التى التف حولها الجميع كطريقة لمساهمة الذات فى المجتمع، والتعبير عنه «مدرسة ليست حدثا بسيطا داخل مجتمع القرية، خصوصا عندما يشترك الجميع فى إقامتها، مدرسة غير عادية وغير تقليدية نحلم بها، يحس إنسانها الصغير أنه ينتمى لقيم الحرية والتضحية يفخر باسم الشهيد فوق دفتره وفى السجلات المنشورة يحمله بين أوراقه، وطيات عقله وسط ذكريات طفولته وبدء المعرفة، إنها معمل صغير ينضج فيه الولد والبنت إلى مواطنين أكفاء». ص 68
وتدعم الساردة هذا المعنى ليتحول الموت نفسه إلى حياة، إلى رمزية تعبر عن فكرة البناء بتجليات مختلفة فيقول معين الفلسطينى عندما يتذكر ما قاله عمه عندما رآه يبكى بحرقة على فقد أبيه، انظر حولك فى المخيم، أبناء كثيرون بدون أم أو أب، الأخوة هى حصتهم ملاذهم الوحيد، والرحم الجامعة لهم الأرض الموعودة، أب هائل يضمهم، والانتماء يكون للقضية» ص 70.
وتتصاعد تلك الرمزية وتتكثف ليصبح الشهيد هو أيضا «حاجز أمواج» بشرى يحول بين أبطال الرواية والفيلم وبين اليأس، وحافزا للآخرين على التضحية والمقاومة فتقول الساردة: «الشهيد يفتدينا جميعا، يسد بجسده الطاهر منافذ الضعف، وثغرات الخطأ» ص 64.
وهو المعنى الذى جسدته الكاتبة نور علام عندما أرادت أن يكون جسدها حاجز أمواج «فرقة مصدات الرياح والأمواج، كلنا أمل وزياد وبلال وأمنا» ص 15.
ثم يكتشف أبطال الرواية حواجز أمواج أخرى لعلها تتوالد، ويُعاد إنتاجها من جديد فى مشاهد أخرى من الرواية: «تقدمتنا «أمل».. أعطت ظهرها للطريق.. توجهت ووجهها إلينا، وبلهجة مسرحية، وكأنها تؤدى أحد مواقف مسرحية موحية.
هكذا تجدون أن صداقتنا حاجز أمواج متين لنا، يصد عنا غائلة المحن، وغدر الأمواج الطاغية ويسند ظهورنا بسياج من الحب والفهم المشترك» ص 42.
وكما تحول أبطال الرواية الرئيسيون والثانويون لاكتشاف المعنى والدلالة والرمزية من خلال الحياة فى قرية «سندبيس»، ومن خلال اكتشاف معنى الخلود، والشهادة، يكتشف أيضا الممثلون فى الفيلم فى النص الموازى - «داخل النص الرئيسى» المعنى الإيجابى للدور الاجتماعى فتقول أمل: «تعرفى يا أمى خالدة أنا قبل ما أبدأ تمثيل أى دور أسأل نفسى: ماذا أريد أن أقول للناس، ومن الإجابة على السؤال تكون حركتى فى التمثيل» ص 44.
ويقول معين الفلسطينى: «وجدت فى مذكرات بلال عن دروس الدكتور زهران أن غاية الفنان أن يسعى لمعرفة نفس إنسان آخر، فهم طبيعته وعالمه الداخلى» ص 45.
ومن هنا نستطيع القول إن أبطال الرواية، وهم أنفسهم أبطال الفيلم، استطاعوا أن يكتشفوا ويضيفوا لفكرة الرواية «حاجز أمواج» معانى جديدة تضافر من حولها النص فهو كنواة، وفى مجالها الأثير تتسع الرؤية وتتجدد الأفكار ليس فقط لمواجهة حرب ولكن لمواجهة قضية الوجود الإنسانى ككل.
عن رواية «لا تسرق الأحلام» لزينب صادق
وتدور أحداث رواية «لا تسرق الأحلام» لزينب صادق فى الفترة الزمنية نفسها – فترة حرب الاستنزاف – لكن بطلتها أمينة تختار الخروج من حالة الحزن واليأس التى سيطرت عليها، وعلى أفراد أسرتها بعد نكسة 1967 عن طريق السفر إلى ألمانيا مبتعثة من قِبل عملها لاكتساب خبرة عملية فى مجال عملها المتخصص، وقد أوجعتها الحرب مرتين، مرة عام 1956 عندما فقدت زوجها عندما استشهد فى الحرب، ومرة عام 1967 عندما هاجر حبيبها وتخلى عنها خوفًا ويأسًا من صلاح الأمور وركود الوضع الاقتصادى فى البلاد بعد عام 1967 فهجرها، وسافر وراء الرغبة فى الربح وتحقيق الذات فى الخارج حيث تزوج فى كندا من ابنة صاحب شركة مهمة فى مجال عمله أوجعت الحرب «أمينة سالم» البطلة كما أوجعت آخرين، مما جعل كل واحد منهم يبحث عن خلاص، أمينة تجد خلاصها فى السفر، لتحقيق الذات، والترقى فى العمل، ونسيان ما تعانيه من أزمات عاطفية بسبب فقد الشريك وافتقاد الحب، والتعرض للهجر، والوحدة وهو ما انعكس على إحساسها بالغربة داخل أسرتها فى البيت القديم، وإحساسها بالاغتراب فى البلد الأجنبى.
صراع الذات
أزمة أمينة سالم بطلة هذه الرواية هى أزمة مجتمع فهى عندما تناجى نفسها ويفصح مونولوجها الداخلى عن صراعها مع انتظارها وأحلامها الوجودية بالتحقق كأنثى، وكذات فى المجتمع عن أزمة الآخرين أيضا فتقول: «ماذا أفعل فى هذه البلاد ما هو الشيء القوى الذى جعلنى أترك دفء بلادى ودفء صُحبة ناسى وأصدقائى، ماذا أفعل فى هذه البلاد؟!، الأمل فى التغيير، الهروب من الانتظار، محاولة فك حصار دائرة الأشياء المنتظرة حولى، وفى داخل نفسى، ماذا أفعل فى هذه البلاد؟!» ص108
ويبدو المونولوج كتقنية فنية أساسية فى الرواية، إذ يتراوح السرد بين الحكى على لسان الساردة والمولونوج على لسان البطلة أمينة وهى الشخصية الرئيسية فى الرواية، وتتعمق أزمتها حول الذات والاصطراع معها رغم انفتاح المجتمع الجديد الأجنبى فتقول أمينة: «لكن أنا هنا ذات قيمة، لا أحد يسألنى كيف أخبار عواطفك ومتى سترتبطين ؟، ومتى ستصنعين بيتا والعمر يجرى، أنا هنا بعيدة عن أشواك الكلمات والنظرات ومشاعر الإحباط الحقيقية. أنا هنا ذات قيمة، أمينة فى أوروبا، هكذا يقولون فى بلدى، أمينة فى أوروبا تعيش حياة عريضة، جميلة، لماذا أتعجل العودة، لم أحضر هنا لأحب وأحبط. وابكى جئت هنا لأتعلم شيئا، لأكون شيئا ولأبتعد عن كل ما يضايقنى لترحمك السماء من العبط!»، عيشى يا أمينة أوروبا، إخواتك وصديقاتك وقريباتك اللائى عندهن كل شيء مما تحلمين به يحسدنك على ما أنت فيه الآن، عيشى يا أمينة أوروبا واستمتعى بحسدهن، إذا عدت الآن سيقولون حتى فى السفر فشلت لن أكون غريبة مع الغربة، الآن لى صديقات وأصدقاء هنا.. عيشى يا أمينة أوروبا».
البعد المكانى
والمكان فى هذه الرواية «لا تسرق الأحلام» مهم فى أبعاده الرمزية والنفسية فهو الذى جمع عدة شخصيات من بلاد عربية وإفريقية معًا ليدرسوا ويتلاقوا فى ساعات الطعام والراحة والسمر، وليكون المكان «منزل المغتربين» وهو مكان مغلق منفتحًا على عوالم نفسية عديدة، ففيه السورى «نذير» الذى عشق أوروبية من أهل البلد الأجنبية، وتوشك أن تضع طفلها منه، يأكله الحنين إلى بلده، ولا يتصور أن يعيش العمر فى بلد أجنبى، أو أن يعيش ولده بعيدًا عنه، وكان قد شعر فى قلبه بمحبة «أمينة» المصرية، وعرض عليها الزواج – دون أن يعلم بحمل صديقته الأجنبية منه- ومن هنا تضع الساردة يدها على مشكلات اجتماعية وشعورية يمر بها المغترب العربى فى ارتباطاته وعلاقاته العاطفية، تحبه أمينة ويجدان معًا الروابط المشتركة «روابط اللغة والمعتقد والتفاهم حول القضايا المصيرية المشتركة» فماذا يجد الآن مع الحبيبة الأجنبية، لم يعد يزورها أسبوعيا كما كان وفترة علاقته بها عندما وجد «أمينة»، البعد الثقافى أيضا يبرز مرتبطا بالبعد المكانى، تصدح موسيقى شتراوس، ويتعالى صوت فيروز بأغنيات الحنين إلى «القدس»، تبرز فى المكان روابط أخرى عميقة لا تنتمى للغة بقدر ما تنتمى إلى الروابط الإفريقية فها هو «تونى» الإفريقى يقول لأمينة ويدعوها «يا أختى.. أمنا إفريقيا، تعالوا نعمل حفلة»، ويرقص الجميع فى حب ومودة، يبحثون فى موجات الراديو الإذاعية عن أخبار بلادهم، عن انتماءاتهم، يتقاربون ويصنعون فى الغربة وشائج قربى.
الذات: الصراع و التشظى و الأمل
فى رواية «لا تسرق الأحلام» تجسد أمينة سالم فكرة صراع الذات مع نفسها، تبحث عن خلاصها الفردى فلا يتحقق إلا بخلاص جماعى، تجرب خبرة الآخرين ونصائحهم، يحدث تبادل الخبرة والتلاقح الفكرى والثقافى مع الآخر «الأجنبى»، يقول بيتر هانز «الإنسان فى يده سعادته وشقاؤه، عندما يحب يجد الحب، عندما يكره يجد الكراهية، عندما يتواءم يجد الوئام، عندما يفرح يجد الفرح، عندما يحزن يجد الحزن وكأن حقيقة أن المشاعر التى تضفى علينا أو يضفيها الناس علينا إنما هى فى الحقيقة نابعة من داخل نفوسنا نحن فهى انعكاس ما نعطيه أو نشعر به.
فتجادله أمينة بخبرتها «لابد أن يكون الفرد قد وصل إلى حد من القوة حتى يستطيع أن يصنع فرحته وحزنه أيضا، ولا يتأثر بالمؤثرات الخارجية، لكن ألا تشعر أن هذا المنطق خاطئ، لأن هناك ظروفا خارجية أحيانا تكون أقوى من إرادتنا».
فيحاورها بيتر قائلا: «يا عزيزتى لابد أن نحتفظ فى نفوسنا بجزء من النضارة، نجعل هذا الجزء الصغير لا يمسه أحد من البشر أو الظروف الخارجية حتى تكون لنا القدرة على الفرح والحب، هذا الجزء البرىء فى نفوسنا إذا استطعنا الاحتفاظ به سيجعلنا دائما قادرين على الحب والدهشة، ببساطة قادرين على حب الحياة» ص108،109.
هذا التفاعل الثقافى مع الآخر ربما يكون وراء توليد طاقة إيجابية فى نفس «أمينة» كأننى وحيدة تسعى للتحقق كامرأة، وأزمة خارجية نظرا لظروف حرب الاستنزاف التى كانت جزءًا أساسيا من معاناتها كامرأة، فقد هجرها الحبيب إلى أخرى، كما هجر بلاده إلى أخرى تحقق آماله فى حياة رغدة هانئة بعيدا عن الحروب وأثقالها ومكارهها.
وتتضافر الشخصيات الرئيسية والثانوية فى منزل المغتربين فيرى البعض خلاصهم الفردى فى الحب والارتباط «المصريان: أحمد وعفاف»، ونذير عندما يحب الأوروبية ويحقق معها ذكورته فى نهاية الأسبوع !ثم تحوله إلى «أمينة» التى حملت معها آمالا بالتواصل والمشاركة والحميمية ومساحات من اللقاء والإيناس و هو ما كان يبحث عنه «نذير»فى الغربة و«تونى» الإفريقى الذى وجد فى أمينة أيضا أخوة تتحقق، وصلة قربى بحكم انتمائهم للقارة الأم إفريقيا.
المكان هنا ذو أبعاد اجتماعية ونفسية وخلق علاقات جديدة بين الأفراد المغتربين الذين اجتمعوا فيه وحاولوا صنع مجتمع جديد على طريقتهم يجدون فيه الراحة والإيناس ولقاء الإنسان بالإنسان، ويستمر «المكان» فى الدفع علاقات جديدة وخبرات مهمة تنضج أبطاله فها هى «ماريا» مدير مصنع عرائس الأطفال تقول لأمينة عندما تناقش معها أحوالها وحيرتها فى حوار ذى دلالة، تقول أمينة: «هل تظنى أن وجودى هنا ودراستى لفن العرائس له فائدة لوطنى ؟»، تتشكك أمينة، وتشعر أنها فى مهمة لخلاص الذات «إتقان خبرة، تبادل معرفى، ترقى وظيفى» وليس أكثر، لكن «ماريا» تؤكد لها أن نجاح الفرد وخبراته هو خبرة مضافة إلى بلاده فتقول لها: «لن تشعرى بهذه الفائدة إلا عندما تعودين لوطنك وتمارسين خبرتك أم أننا لم نفدك فى شيء؟
استفدت نعم، لكن أحيانا أفكر أن مشروع مجموع الشركات التى أعمل بها فى إنشاء مصنع للعرائس نوع من التهريج.. هل نحن الآن فى حاجة إلى مصنع عرائس أم مصنع أسلحة ؟!
ويتدفق الحوار – وهو إحدى التقنيات المهمة التى استخدمتها الساردة فى هذه الرواية ليصبح ودالاً كاشفًا عما يعتمل فى نفوس أبطال الرواية من صراعات وإشكاليات وأزمات فردية واجتماعية – وتجيب «ماريا» عن سؤال أمينة فتقول:
-كلاهما ضرورى
ماريا تقولين هذا لأنك..
قاطعتها ماريا: أقول هذا لأنى مررت بتجربة حرب، وكان الأطفال فى أحلك الأيام ظلمة ويأسًا يبحثون عن أشياء جميلة يلعبون بها ص 114.
البعد الزمنى
استخدمت الساردة تقنيات «الفلاش باك» العودة إلى ذكريات البطلة ومعاناتها عندما تتحدث إلى «نذير»، كما استخدمت «المشهدية» المعتمدة على تصوير وتجسيد المشهد الآنى، كما اهتمت بالوصف، والتكثيف الزمنى عندما تختصر عددًا من السنوات، والأحداث والتجارب فى بعض سطور تخلص منها إلى المعتقد العاطفى للبطلة الرئيسية أمينة فتقول على سبيل المثل.
حكت أمينة باختصار لصديقتها «ماريا» عن قصتها، قالت إنها على أى حال كان من الصعب عليها أن ترتبط برجل غير مصرى أو أن يعيش على أرض غير أرض بلدها، وافقتها «ماريا» على رأيها ونصحتها للمرة الثانية ألا تترك بلدها فالوطن يحتاج لخبرة أبنائه خصوصا فى الفترة الحرجة.
ويمثل هذا الاختصار الزمنى دلالة مهمة تستشرف موقف أمينة النفسى وقرارها العاطفى تجاه حبها لنذير السورى وعلاقتها به فهى تريد العودة لبلادها والارتباط فيها، لذا تفكر فى شخصية فؤاد زميل الدراسة الذى رشحته لها صديقتها المقربة..
الحوار وحيوية السرد
تتداخل خيوط السرد لتصنع منسوجة ممتعة لقارئ الرواية الذى تطالعه أمينة كامرأة وحيدة تواجه ذاتها وتصنع مستقبلها وتخرج من حالة اليأس إلى طاقات إيجابية فعالة تستمدها من عملها، ومن خبراتها الجديدة، ومن تجربة السفر فقد نجحت فى علاقة الأخوة مع «تونى» الإفريقى تبادلا أحاديث مهمة عن القارة الأم، كان «تونى» يرفع صوته بالإنجليزية قائلا:
«إخوتى أبناء إفريقيا، أمنا واحدة، أنا اسمى «تونى» فتجاوبه القلوب والعقول وأمينة.
ونجحت فى اختبار مواجهة الإغراء، والثبات على القرار، فها هو السيد منصور خطيبها الذى هجرها لأخرى وسافر إلى كندا يعود ليلتقى بها فى «ألمانيا»، قالت له عمته فى القاهرة «أمينة فى أوروبا.. ابتعد عن طريقها»، لكنه يعرض على «أمينة» أن يترك كل شيء من أجلها ويعود إلى أرض الوطن فسألته إن كان سيعذب امرأة أخرى بالهجر من أجلها ؟! ورفضت عرضه رغم حبها له وحلمها به، كانت أمينة تعرف طريقها.. العودة إلى الوطن، بناء مصنع عرائس أطفال ستكون هى مديرته كما قال لها السيد منصور الذى عرض عليها تأسيس المصنع بماله وقد تعلمت الموضوعية ففصلت بين الخاص والعام، وقررت أن تعطى خبرتها لهذا المصنع، بدأت حتى فكرة العرائس كفكرة لمقاومة حزن الأطفال، وتوترهم من أحداث الحرب وأخبارها تتطور لتقوم هذه العرائس فى معرض كبير بإعادة إنتاج التراث اللامادى – قص حكايا تطور الأزياء الشعبية الوطنية من خلال فن العرائس كما رأت «أمينة» فى أوروبا عرائس تحكى تاريخ العالم من عصور مختلفة وبلاد مختلفة، وما كان يلفت نظر أمينة أن العرائس مهما اختلفت أشكالها فهى مبتسمة ضاحكة، لا توجد واحدة حزينة أو عابسة.. لقد بدأت أمينة تبتسم لحياتها الجديدة وتفتح ذراعيها للحياة، تحتفظ بذلك الجزء النضر من الذات الذى يضمن لها الحياة والفرح. بدأت أمينة التخلى عن مساحة اليأس والقنوط لتبدأ فى بناء الذات الجديدة على أساس منطقى ومعرفة علمية جديدة فتقول: «مسألة سوء الحظ هذه لم تعد تستهوينى ربما من زمن كنت أعترف بها وأحيانا أستمتع بها بما يكون فيها من مصادفات عجيبة غريبة، وكان استمتاعى نوعا من الأمل، إنه مادام يوجد سوء حظ فى قوانين الطبيعة فلابد أن يتغير إلى حظ حسن مثل قوانين الطبيعة فى التغير دائما، أما الآن فمسألة الحظ عموما لم تعد تستهوينى» ص 155.
واستطاعت أن تغير أمينة حياتها بعد العودة إلى الوطن، آمنت بتجربتها المكتسبة وأدركت أهمية لعب الأطفال فى تنمية عقولهم حتى وقت الحروب وبدأت لإعداد خطة للعمل فى بناء أول مصنع للعرائس فى الشرق الأوسط، وتوالت أنباء انتصارات أكتوبر، وسط فرحة الأهل والأصدقاء وبدأت أمينة تتفتح للحب والحياة بهذا الجزء النضر الذى احتفظت به فى أعماقها لتتزوج الرجل الذى أحبته وهجرته بسفرها إلى الخارج لكنه انتظرها وكأن الرواية تتوج بطلتها بتحقيق الذات الأنثوية، والذات المشاركة فى بناء المجتمع.
وإذا تناولنا الروايتين «حاجز أمواج» لفوزية مهران، و«لا تسرق الأحلام» لزينب صادق يهتمان بالبعد الزمانى «فترة حرب الاستنزاف»، والبعد المكانى وكان لهما عدة تجليات مهمة: فالعودة إلى القلب أو العمق متمثلا فى رمزية قرية «سندبيس» بما يميزها من تماسك، وصبر على الأحزان، وتضامن قد حقق سبلا للتعبير عن الذات والمجتمع، وكذلك فإن المكان عند زينب صادق – قد مَثّل خروجا إلى تجارب أخرى وخبرات جديدة مكتسبة من تلاقح الثقافات بالسفر إلى مجتمع آخر، ولذا كان المكان بطلا فى الروايتين لأن فيه جرت الأحداث وتأثر الأبطال بملامحه وميزاته وخصائصه: كذلك الشخصية الرئيسية فى الروايتين امرأة هى نور علام الكاتبة، وأمل الممثلة فى الفيلم فى رواية «حاجز أمواج» وهى أمينة سالم فى رواية «لا تسرق الأحلام»، الشخصيات النسائية مهمة لعبت دورا مهما حتى ولو كانت ثانوية، فهناك الخالة الرءوم التى تقوم بكل شيء بمنتهى العطاء تلبى طلبات واحتياجات الجميع فى رواية «حاجز أمواج»، وهناك الصديقة المقربة التى تسعى لمساعدة «أمينة» وتقترح عليها الزواج والاستقرار مع زميل الدراسة الذى ينتظرها على أرض الوطن، وماريا السيدة الأوروبية التى تؤكد على ضرورة المقاومة، وإدخال السرور على نفوس الأطفال ليقاوموا أحزان الحرب. «فى رواية لا تسرق الأحلام».. اعتمدت رواية «حاجز أمواج» على استخدام تقنية حديثة هى توالد النصوص، نص يوازى النص السردى «الفيلم الذى تتجاور أحداثه، وشخصيات أبطاله مع أحداث الرواية وأبطالها»، واستخدام تقنيات هذا التداخل الفنى، فى تشابك نصين وتحققهما معًا قربا وبعدا، وسكونا وحركة، أما طرائق السرد فى رواية «لا تسرق الأحلام» فقد اعتمدت على تقنيات متعددة «نظرا لتمحور السرد واعتماده شخصية رئيسية تدور من حولها الأحداث هى أمينة سالم مما استدعى تنويع السرد بين الحكى والمونولوج، والحوار، والفلاش باك، والمشهد، واستدعاء الذكريات، والحديث عن المشاعر واستبطانها، الروايتان قد حققتا المتعة لقارئهما بتوافر عناصر التشويق، والصياغة، واستخدام اللغة فى التعبير عن الذات والمجتمع بطرق خلاقة استدعت المخزون العاطفى للقارئ، مخاطبة دوافع شعورية، وعناصر تنمية الذات، وبناء الشخصية من خلال تعزيز التمسك بقيمة إيجابية مثل الإيمان بالذات والتفاعل مع الجماعة، والإعلاء من قيم الحوار، وتبادل الخبرات، والثقافات لاسشراف مستقبل إنسانى أفضل من خلال تنمية الذات ومهارات الاتصال وفنونه بما فيه الأدب وفن السرد وجمالياته فى التعبير والأداء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.