اتفق كثير من الفلاسفة على تعريف الفن بأنه نشاط حر غير مشروط بغاية وأنه أشبه باللعب، الذى يؤسس له هربرت ماركوزة، ذلك الفيلسوف الحالم، ومتزعم الثورة الجديدة فى الفلسفة الألمانية.. اللعب هو الحلقة المفقودة فى التطور الحضارى. وأهمية أن تسير حياتنا وفقاً لماهية الفن، وتصبح إنجازاتنا إبداعاً ولعباً فى وقت واحد. الجمال بذلك إذن هو النور الذى نهتدى به للوصول إلى الحقيقة، وأهمية فكرة اللعب فى أنها محاولة لتحرير الإنسان من وجوده القمعى فى هذا الواقع. يقول: «إذا كانت الحضارة نفسها هى المسئولة عن جعل الإنسان المعاصر يائسًا، فلا بد أن تكون المعالجة بنفس الوسيلة أى حضارة بديلة، وإن كان الجد والعمل دعامتى الحضارة القمعية؛ فإن الحضارة الجديدة ستكون دعامتها اللعب بهدف الوصول إلى غاية الجمال والحرية.». وعن طريق التحرر الجمالى يستطيع الإنسان التحرر من قيود الطبيعة، فالفن الأصيل يقوم على حقيقة ثابتة وهى قدرة الحساسية فى إحداث التحرر من خلال الانسجام بين الحرية والطبيعة، وهذه هى غاية الجمال، والفن فى هذه الحالة وسيلة التحرر للمبدع والمتذوق معًا. يجيء الحديث عن اللعب باعتباره سلوكا إنسانياً حرا وجميلا فى آن واحد، وعلاقته بالفن والطبيعة، بمناسبة معرض فنانة صاحبة أسلوب فريد.. ذو عمق وجدانى خالص ومظهر عفوى.. كالجمال البسيط! قلبها يستمع إلى نشيد الطبيعة، فى غناء الأشجار، وصوت الأمواج، إلى روحها الحالمة التى تخبِئ الكثير، وإلى طفولة عينيها الأكثر وداعة وإنسانية، ورقتها التى يجذبها اللامتناهى المدهش.. أيتها الطفلة يالحلمك العفوى الذى تمتزجين به كما تمتزج الحياة بالمرح والدهشة! إيمان الباز، فنانة تشكيلية عملت فى رسوم أفلام ومسلسلات التحريك.. ولكنى فى ذاك المساء الماطر، تعرفت إلى عالمها التشكيلى فى معرض ضم لوحات عن ألعاب طفولتها.. وذكرياتها الملونة..! «على أعتاب الذاكرة، صوت ضحكات وكثير من المرح، ألهو بطائرتى ومركبى الورق.. تحملنى أحلامى عاليًا.. حيث الشمس فضاء فسيح تتلألأ فيه الزهور والأمانى الجميلة.. قطتى.. دراجتى.. وبعض من ألعابى هى كل شىء! تزهر الحياة كأنشودة حب وتبقى أيامنا الجميلة.. نقوش على جدران الذاكرة» تبث ذكرياتها وألعابها مشاعر نعرفها جميعاً ربما، وتلمس كل طفل داخلنا، تبدأ رحلة الذكريات تلك ولا تنتهى! فنعاود اللعب معًا أو فرادى.. مع من نحب ونتخيل.. يخوننا الكلام أمام الخيال الواسع.. ولكن تجد نفسك آتيًا لالتماس الورود، وأرجوحات الشجر الوادعة.. مع ضوء الشمس ونسائم البراءة الطفولية تتعالى أصوات ضحكات وضجيج محبب.. وربما نتساءل بعد كل هذه الأعوام: كيف نالت الدراجة حريتها؟ وكم حملت طائرات الورق أحلامًا وأحاديث للسماء؟ وأين تراها مراكب الورق الآن؟! يا للسماء، يا للحرية، يا لحلم الطفولة العفوية! •