جيل من المبدعين الاستثنائيين، عمل بشغف وحب وإيمان بقدرة أفكاره وموهبته تلك على تغيير شىء ما، ورمى حجرا فى بركة راكدة، فخلق لنا هذا الجيل حالة وترك علامة فى صناعة هى الأهم. المخرج الكبير «على عبدالخالق» أحد أهم صناع هذه الصناعة وصاحب شغف وفكرة وهدف.. شغف جعله يُصر على أن يكون أول أعماله الروائية الطويلة فيلمًا عن الحرب فى حين هاجمه البعض وحاولوا إثناءه فأصبح واحدًا من أهم الأفلام التى تناولت هذه المرحلة، وهو فيلم «أغنية على الممر» ليبدأ مشواره كأحد أهم مخرجى جيله مسلطًا الضوء بأعماله على أزمات وعيوب مجتمعية خطيرة. سألناه ففتح قلبه وعقله لنا.. وجاءت إجاباته فى السطور التالية.. قرار الابتعاد «كنت رئيس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام العربية فى مهرجان الإسكندرية فى هذه الفترة سعدت وحزنت فى نفس الوقت، فأنا سعدت لأن العرب أصبحوا يقدمون سينما مهمة جدا ورائعة جدا، ولكنى حزنت على السينما المصرية - الأم- وتاريخها قارب المائة والعشرين سنة، فأصبح مستواها سيئا وشكل الإنتاج السينمائى أصبح بعيدًا عن الشكل الذى أعرفه، أنا قدمت أربعين فيلمًا لم أهاتف منتجًا فى حياتى، فى حالة أنه لدى أحدهم فيلم يطلبنى وإما أن نتفق أو لا أو أعرض عليه موضوعًا عندى ثم نبدأ فى اتفاقات على النجوم. وهذا هو الشكل المنطقى، حيث كان يقود العملية الفنية المنتج والمخرج, أما الآن فمن يقود هو النجم وهو الذى يتحكم فى اختيار المخرج والسيناريو والأبطال الآخرين, بحجة أن النجم هو « اللى بيبيع» أيامنا أيضًا كان النجم بيبيع وبيبيع كويس». فى ظل الظروف الإنتاجية الموجودة حاليًا، لا أحب العمل فيها، بالإضافة إلى أن هذا الجيل لا يحب أن يعمل مع جيلى لأنه لن يستطيع أن يقول لى: غير لى فى الشخصية أو أحضر لى البطلة الفلانية، وهذا خارج سياق المناقشات التحضيرية المنطقية الضرورية، ولكن ما يحدث الآن الميزان أصبح مقلوبًا ولن أقوم بهذا احتراما لنفسى ولتاريخى وأخذت هذا القرار بالابتعاد منذ عام 2009 تقريبًا إلا فى حالة واحدة وهى عودة الدولة للإنتاج. الدولة والإنتاج لا توجد دولة فى العالم رفعت يدها عن السينما فحتى أمريكا أكبر دولة رأسمالية وتدعى أنها بلد الحرية والاقتصاد الحر، منذ أكثر من عام قرأت خبرًا أن الجيش الأمريكى رصد هذا العام من ميزانيته 4 مليارات دولار للأفلام الحربية، وهذا لتصدير فكرة أن الجندى الأمريكى لا يُقهر وأمريكا من خلال السينما كسبت حروبًا لم تدخلها وصدرت هذه الصورة للعالم أجمع فقط من خلال السينما، بينما هى فى الواقع لم تدخل حربًا إلا منيت بهزيمة فى المعدات والأفراد. أتمنى أن تدرك الدولة المصرية أهمية دور السينما وأنا وجهت رسالتى هذه من خلال مقالات موجهة للرئيس السيسى فى جرائد رسمية بأهمية أن تكون الثقافة عمود خيمة والتجربة الناصرية نموذجًا، نحن نعيش على الاستراتيجية التى أسسها جمال عبدالناصر حتى يومنا هذا، ففى عهده أنشئ معهد السينما والكونسرفتوار، أوركسترا القاهرة السيمفونى معهد التذوق الفنى, الثقافة الجماهيرية وهيئة المسرح التى أنشأت المسرح الغنائى والاستعراضى والسيرك القومى وهيئة الكتاب. كلها موجودة حتى يومنا هذا نتيجة استراتيجية حقيقية وضعت منذ ما يقرب من خمسين عامًا تقريبا، الدولة أنتجت خلال فترة القطاع العام حوالى 60 فيلمًا منها تقريبًا أربعون فيلمًا من أعظم ما أنتجت السينما المصرية طوال تاريخها، كذلك المسرح وكتابه ومخرجيه. سينما الانتصارات والبطولات أين سينما الانتصارات والبطولات الآن ونحن فى أشد الحاجة إليها ولماذا كل المحاولات التى خرجت إلى النور كانت هزيلة وبعيدة عن المصداقية لم تترك أثرًا؟ أعود وأؤكد أن هذا أيضًا دور الدولة وهناك سبب آخر وهو الجمهور نفسه، فأنا قدمت عملاً اسمه «يوم الكرامة» كان يحكى عن بطولة مصرية حقيقية للقوات البحرية، وتعد واحدة من أهم 3 معارك فى العالم التى غيرت شكل الاستراتيجية العسكرية، قدمت عملاً تم التحضير له على مدار عامين وتصورت أن هذا الفيلم سيحقق نجاحًا كبيرًا لعوامل عديدة أحدها نوعية الأكشن فى الفيلم، وهو كان شكلاً مختلاً حينذاك وشكل معارك مختلفًا داخل المياه ودراما صعود وهبوط، وكان من إنتاج قطاع الإنتاج وتوافرت له دعاية عظيمة، ولكن على عكس توقعاتى، لم ينجح الفيلم وهنا قلت إن الجمهور الذى أعرفه لم يعد موجودًا «الجمهور الموجود أنا ما أعرفوش»، وقررت أن يكون هذا آخر أفلامى، وإننى لن أعمل فى السينما واعتزلتها، ولكن بعدها بحوالى أربع سنوات عدت مرة أخرى للسينما بعد أن أقنعنى صديقى هانى جرجس فوزى. فى حوار بين جميل راتب ويحى الفخرانى فى فيلم «الكيف» جملة تعجبنى: (أنا كنت باغش الشاى بنشارة خشب، وكان عليه إقبال ولما النجارين «اتملعنوا» نزلت الشاى من غير نشارة الناس قالت الشاى مغشوش), فرد الفخرانى: (عودتوا الناس على الوحش فنسيوا طعم الحلو)، وهذا هو الوصف الأدق على ما يحدث فى السينما الآن, بالطبع هناك أفلام كثيرة جيدة، ولكن لا أحد ينكر أن السينما تغيرت كثيرًا خلال السنوات العشر الأخيرة، أفلام اليوم أصبحت مثل وجبات التيك أواى يشاهدها المتفرج لمرة واحدة ولا يتذكرها ثانية. أسطورة الكيف.. ومرآة الواقع الواقع موجود وملىء بالصور السلبية، ولكن الفن اختيار، وما الذى تراه عين المبدع وبين القيم التى يريد أن يبرزها ويسلط عليها الضوء فأنا لن أدعم التعدى على سلطة الدولة أو القانون والبلطجة ومضامين سيئة. قدمت فى أعمال: « العار، الكيف، البيضة والحجر» قضايا مجتمعية مهمة، ما القضايا الأبرز التى تستدعى المناقشة؟ الأدعى الآن للمناقشة هما الإرهاب والتطرف، ولكن يجب هذا من خلال شكل فنى وإنسانى وليس من خلال منشور، ولكن للأسف الكتابة الآن والفكرة «بعافية»، رغم أن هناك تطورًا كبيرًا فى التكنيك، ورغم هذا لدينا مجموعة مخرجين مميزين جدا مثل شريف عرفة، خالد يوسف، أحمد نادر جلال وأحمد سمير فرج. أفلامى جزء من تكوينى الشخصى, ومشاعر جيل من وجهة نظرى أن قضية العرب الأولى هى الصراع العربى الإسرائيلى، فيلم ك«أغنية على الممر»، «إعدام ميت» تجسد هذا الصراع، وأدعى أنه لدى سبعة أفلام فى هذا السياق لم يتمتع بها مخرج عربى آخر عن الصراع العربى الإسرائيلى، المخرج له وجهة نظر فى الحياة يقدمها برؤيته هو وأدواته وتحمل جزءًا من شخصيته، فما الذى دفعنى لتقديم «أغنية على الممر» أو فيلم اسمه «السويس مدينتى»، وهو فيلم قصير يتناول حياة من رفضوا التهجير ومارسوا حياتهم صورته فى 69، ومن هنا جاءتنى فكرة تقديم «أغنية على الممر» إلى أن جاءت الفرصة، رغم أن كل الدنيا هاجمتنى كيف يكون أول فيلم لى هو فيلم حربى، ولكنها كانت وجهة نظرى وشعرت بضرورة التزامى بهذا وقتها، وقد كان. القاهرة السينمائى مهرجان القاهرة السينمائى لا بديل له فهو مصنف وهو واحد من ضمن 12 مهرجانًا مهمًا فى العالم وسط حوالى 2800 مهرجان, وأنا أستاء من النجوم الذين لا يقدرون قيمة هذا المهرجان ولا يهتمون بحضور فعالياته، بينما يلتفتون إلى مهرجانات أخرى على حساب مهرجان بلدهم الذى يحمل اسم البلد, وقيمته كبيرة عالميًا, ولكن لكى يكون كلامى واضحًا ومنصفًا، لكن الإدارات التى تولت إدارة المهرجان فى بعض الأعوام هى التى تسببت فى هذه الفجوة ولم تكن على مستوى المهرجان، فلم تدفع المهرجان للأمام، بل أخذته للأسفل.