كتبت: أية حلمي حى الأسمرات بالمقطم بالنسبة للكثير من الأسر هو «حلم تحقق» بعد يوميات حياة صعبة، عاشوها فى مناطق خطرة وغير آمنة وظروف غير آدمية..تغيرت الحياة.. واختلفت اليوميات، بل تغيرت الأحلام واتسعت مساحة الأمل لآباء وأمهات وشباب بدأوا ينظرون للحياة نظرة جديدة. من الدويقة وإسطبل عنتر وعزبة خيرالله وبطن البقرة ومنطقة ماسبير، جاءوا إلى حيث «الحياة الخاصة»، باب مغلق على خصوصية أفراده، وهواء مختلف وأماكن للعب وخضرة، وأفق لا تحده نظرات المتطفلين، وأمان تحت حماية الدولة، وتحرر من أفكار اجتماعية ظلت تطبق على الكثير من الأسر لسنوات، وتسببت فى حرمان فتيات من التعليم، وتزويجهن فى عمر مبكر وجرحهن بجريمة الختان، وفرض قيود على حركتهن، فقط لأنهن من أسر تعيش فى تلك المناطق. وما زال تطوير الحى مستمرًا بتمويل من صندوق تطوير العشوائيات التابع لوزارة الإسكان ووزارة التنمية المحلية، لتكتمل خدمات الحى من مجمع مدارس لمراحل التعليم المختلفة ودور حضانة ومراكز طبية ووحدة صحية ومركز رياضى وملاعب مكشوفة ووحدات شرطة ومطافى وإسعاف وبريد، بجانب أسواق حضارية ومخابز ومركز تدريب وصيانة لخدمة وتأهيل الشباب. نعمة وأم سيد وعم شعبان وبدر، وإيمان ووفية وعصام وغيرهم، عاشوا حياة صعبة وسط مياه الصرف الصحى، أو تحت الجبل، وسط خوف من العقارب والثعابين والمبانى الآيلة للسقوط، وأشخاص معروفين بالعنف والبلطجة، وانتقلوا إلى «شقق خاصة» لها ملاعب مفتوحة ومناطق خضراء، ومشاعر أخرى يتحدثون عنها خلال السطور التالية. نعمة محمد، واحدة من سكان منطقة الدويقة، تلقت إنذارًا هى وزوجها وأطفالها الثلاثة، بإخلاء بيتهم المكون من غرفة واحدة، لأنه فى منطقة خطرة أسفل الجبل وتهدد حياتهم، «كنا بنشوف العقارب والثعابين فى أوضتنا، دلوقت بقى لكل واحد سرير ينام عليه، بعد ما كنا بنام فوق بعض فى الدويقة». ورغم أنها لم تتعلم قالت: «حياتنا اتحولت 180 درجة، بعد ما كان الواحد بيمشى فى مجارى، بقينا نمشى وسط مساحات خضراء، وأولادى بيلاقوا مكان يلعبوا فيه، بدل ما كان الجيران بيتخانقوا معاهم عشان بيلعبوا فى الشارع». نفسى أبو سيد كان يعقد معايا فى البلكونة أم سيد، التى بلغت 60 عاما، عاشت حياتها كلها فى منطقة مثلث ماسبيرو، حتى قبل أن تتزوج تصف يومياتها فى تلك المنطقة قائلة: «كنا فوق بعض وكل أسرة بتعيش فى أوضة، والحمام مشترك هو والمطبخ، وكمان مكانش فى أسرار خالص، اتربيت كده وعشت كده». وانتقلت أم سيد للحياة فى الأسمرات منذ عشرة أشهر، أصبح لها شقة، غرفتان وحمام ومطبخ وبلكونة «أنا فرحانة، هنا نظافة وأمن وأمان، مش خايفة أقعد لوحدى، ابنى ساكن فى فيصل وبيجى لى هو وعياله كل جمعة، بس كان نفسى أبو سيد –الله يرحمه –كان يبقى عايش ويعيش معايا فى الشقه دى، ونقعد فى البلكونة، كفاية شوية الهوا إللى الواحد بيتنفسهم هنا هوا نضيف». ما تتمناه أم سيد الآن هو أن يكون بالقرب منها مستشفى فيه كل التخصصات، وأن تكون أتوبيسات هيئة النقل العام التى تخدم الحى ذات سلالم منخفضة، لأن قدمها لا تقوى على صعود سلالم الأتوبيسات العالية، ولا يسمح لدخول الحى إلا لأتوبيسات الهيئة فقط. مشروعى جوه بيتى منى إبراهيم، 40 سنة، من سكان مثلث ماسبيرو «اتولدت وكبرت وتزوجت فى أوضة مشتركة، كنا عايشين فى مكان صعب جدًا وسط مياه الصرف ومفيش خصوصية ولا أمان، لكن الحمد لله، أولادى هيعيشوا فى ظروف أحسن منى بكتير». منى، مطلقة وتعيش مع أولادها الثلاثة، ولأن لديها موهبة التطريز، حصلت على قرض من وزارة التضامن، مكنها من شراء عبايات وتطريزها، «مشروعى جوه بيتى وباكلها بالحلال، وماحدش بيدخل فى حياتى ولا بيضايق أولادى». عصام، ابنها يبلغ 21 سنة وطالب بكلية دار العلوم، وسعيد بالتحول الذى حصل لحياتهم منذ 10 أشهر «من أوضة لشقة كاملة المرافق كأننا فى كمبوند بالضبط، كنت بتعلم وبادرس فى ظروف صعبة جدا وسط المجارى، ورغم كل الصعوبات التى واجهتنى وصلت للجامعة، دلوقت باذاكر فى الجنينة وسط الخضرة، فرق كبير، حاسس إنى بنى آدم ومش أقل من حد ومش مكسوف من حاجة». كنت باتنفس تراب عم شعبان، 50 عامًا، نقاش، يعمل يومًا وأيامًا لا، تزوج أولاده فى المنصورة وتركوه فى بيته فى الدويقة وحيدًا، يحكى عن حياته قبل أن يستقر فى الأسمرات قائلا: «اتولدت وكبرت واتجوزت فى مكان غير آدمى، أنا كنت باتنفس تراب ورئتى تعبت، وبتعالج منها بسبب المكان اللى كنت عايش فيه، أنا كنت فى مقبرة تحت الأرض». ينظر عم شعبان عبر نافذة شقته ويأخذ نفسًا عميقًا قائلا: «لما جيت الأسمرات، وبقى عندى شقة، حسيت إن حياتى بقت حلوة، وصحتى اتحسنت كتير عن الأول، وحاسس بآدميتى». أما إيمان، 45عامًا، فلها حكاية مؤلمة، فقد توفى رضيعها بعد أن لدغه ثعبان، حيث كانت تعيش فى منطقة الدويقة وسط الجبل. تزوجت إيمان فى غرفة مشتركة أسفل الجبل، وأنجبت بعد وفاة ابنها الأول طفلين بنتًا وولدًا، ثم رزقها الله بمولود ثالث بعدما انتقلت للحياة فى الأسمرات، تراه متميزا عن ولديها لأنه سيعيش فى بيئة أخرى. تشعر إيمان بالندم لأنها رضخت لضغط مجتمع الدويقة «حرمت بنتى من التعليم، لأن الناس هناك بتهتم فقط بزواج الابنة فى سن صغيرة، لكن بعد ما جيت للأسمرات من سنة ونص، حياتى كلها اتغيرت، وطريقة تفكيرى كمان، مش هجوز بنتى صغيرة، وهحاول أخليها تكمل تعليمها، ابنى الأوسط قدمت له فى مدرسة تحيا مصر ومبسوطة بيه، وهخطط لابنى صغير مستقبل أحسن كمان». كنا خايفين..لكن لما دخلنا الحى فرحنا أما بدر صلاح، 40 عامًا، الذى كان يسكن بمثلث ماسبيرو تزوج هناك فى بيت أبيه، بجانب ورشة الحدادة التى يملكها، فيعتبر انتقاله لحى الأسمرات نقطة تحول كبيرة فى حياته، منذ ذلك اليوم الذى لا ينساه قائلا: «كنا خايفين وإحنا جايين هنا لأول مرة، وكنا بنقول لبعض أنا ومراتى إنهم وخدنا من جنب النيل ووسط البلد وهيرمونا فى المقطم، لكن لما دخلنا الحى وشوفنا العمارة والشقة من جوه وعفشها وشوفنا الملعب والمكتبة والمدارس ونظافة الشارع والأسفلت والأمن على باب الحى مكناش مصدقين نفسنا إننا هنعيش فى المكان دا». حسام ابن عم بدر، طالب بالصف الرابع الابتدائى بمدرسة تحيا مصر، أصبح لديه مشاعر مختلف هو الآخر، فهو يقضى أوقات فراغه فى الملعب الخماسى مع أصحابه، ليلعبوا كرة القدم، «اللعب هنا أحسن من اللعب فى المكان القديم، فيه ملعب ومنطقة واسعة وبناخد راحتنا ومحدش بيزعق لنا، الحارة هناك كانت ضيقة وفيه مجارى، والناس كانت بتتخانق معانا علشان صوتنا العالى». حسام يحب كرة القدم ويشجع نادى الزمالك ويتمنى أن يصبح لاعباً فيه «نفسى أبقى زى محمد صلاح، لأنه أحسن لاعب فى مصر، مش عايز أمشى من هنا، أنا مبسوط، وفيه ملعب كبير بنجيله لكن فى بولاق مكناش بنعرف نجرى براحتنا». وقالت وفية إبراهيم، التى توفى زوجها بعد معاناة مع مرض خطير، وتعمل فى تنظيف البيوت، إن حياتها فى منطقة الدويقة كانت تسبب ذعرًا لها ولأهلها، فقد كانت تضطر دائمًا لتوصيل ابنتها الكبرى خارج المنطقة عند ذهابها للجامعة وانتظارها عند عودتها، للأخطار والبلطجة التى من الممكن أن تتعرض لها داخل شوارع الدويقة، لكن الوضع أصبح مختلفًا فى الأسمرات، فالأمن موجود على مداخل المدينة، «وجود الأمن يشعرنا بالأمان، ولم أعد مضطرة لأنتظر ابنتى خوفًا عليها من الخطر، ولا أقلق عليها من أى مضايقات طوال وجودنا داخل الأسمرات». •