د.خالد عزب تبدو أمهاتنا بعد سنوات من الكد والصبر وقد ألم بهن مرض أو عدة أمراض، ورغم ذلك تجدهن سعيدات لأقل شىء مفرح يمس القلب. تلك هى أمى «آمال عبدالرازق السايس» التى ربتنى أنا وإخوتى، تزوجت صغيرة دون سن السادسة عشرة، وكان الأمر فى بلدتنا طبيعيًا، إذ منتهى سعادة الأسرة زواج الابنة من موظف فى الحكومة. وبالرغم من كونها ربة منزل، كانت ذات تدبير محكم، إذا تأملته اليوم بعين فاحصة وجدت أنها توفر الكثير، فهى تصنع المربى من الفاكهة، وتعد الخبز، وتربى الطيور، ولم نكن نعرف إلا الطعام الصحى بعيدًا عن الوجبات الجاهزة، تخيل كم مصنع للمربى فتح لكى يورد للريف المصرى، فنحن روجنا أن ربات المنازل بلا عمل، فى حين أنك لو جمعت جهود أمهاتنا لوجدت أنهن شكلن روافد غير منظورة فى الاقتصاد. لم تكن أمى ربة منزل عادية فهى تقرأ الصحف والكتب، وتتابع الجديد وتبث الحماس فينا كى نصل إلى مراتب عليا فى التعليم، اعتبرتنا استثمارها الحقيقى، ولذا كان نجاح كل واحد منا انتصارًا لها حققته. ومنها استدعى جدتى لأمى التى كانت تسمى «حكمة» وكانت ذات شخصية قوية، تشبه كثيرًا الأم المسيطرة فى مسلسل الوتد، لخيرى شلبى، فهذه الجدة كان يهابها الجميع، تحفظ من الأشعار الكثير وتروى من الحكايات ما هو موروث من الأجداد، وكذلك الحكم وتعرف من التاريخ ما لم يعرفه متخصص، ولذا كان الجلوس معها متعة والاستماع لها معرفة، من قال إن جداتنا لم يكن لهن من العلم نصيب، جاهل، فقد كن يعرفن أكثر مما نتخيل.•