قبل أيام استيقظ النجم الأمريكى سلفستر ستالون ليجد نفسه ميتًا وهناك مئات القصائد فى رثائه وميعاد الجنازة تم تحديده ولم يتبق إلا شيء واحد، وهو حضور المتوفى الذى كان نائمًا وقتها ولم يشهد الحدث الأهم فى حياته بعد ميلاده وهو مماته. سلفستر مازال حياً بالتأكيد النجم الأمريكى مازال حيًا لكن موته عن طريق الإشاعة استمر لمدة 24 ساعة رغم نفى سلفستر لقصة موته، فإن قصائد الرثاء ظلت مستمرة لساعات بعد إعلانه أنه يعيش بيننا على الأرض. تناولت العديد من المواقع الإخبارية الدولية إشاعة وفاة سلفستر بشكل ساخر نوعًا ما، لاعبين على مفارقة أن سلفستر ستالون استيقظ من نومه وجد جنازته فى انتظاره. بعيدًا عن السخرية فى متن الأخبار كشفت هذه المواقع وعلى رأسها بى بى سى -دون قصد- تفاصيل صناعة الإشاعة التى تحقق الانتشار من خلال السوشيال ميديا، فلا يكفى إلقاء بضع كلمات على أى من هذه الوسائل حتى تنتشر الشائعة وتحقق غرضها. صانعو إشاعة وفاة سلفستر نشروا أولًا مجموعة من الصور لسلفستر فى حالة صحية سيئة وترتسم على وجهه كل علامات الإرهاق وعلقوا عليها بأنها الصور الأخيرة قبل وفاته ولم تكن الصور إلا من أحدث أفلامه الذى لم يعرض بعد وجارٍ تصويره. عندما تدقق فى تطور نمو إشاعة موت سلفستر وكل إشاعة تجد أن تطور نموها لا يسير بالمعدلات العادية للخبر الطبيعى، فهى تنمو بشكل سرطانى فلم يكتف متلقي الإشاعة بالتصديق بل أعطاها بتفاعله معها هذه القدرة السرطانية فى الانتشار. تحديد ميعاد الجنازة نعود لإشاعة المرحوم سلفستر فلم يتوقف الأمر على وفاته بدأ النمو السرطانى لها عندما قامت جماهير السوشيال بتحديد ميعاد الجنازة والكتابة بثقة شديدة عن أدق تفاصيلها ومن سيحضرها من أصدقائه وزملائه النجوم ونوعية الورود التى ستحيط بالنعش. وصلت الثقة والدقة من بعض جماهير السوشيال فى إعطاء قوائم بأسماء معينة لنجوم سيحضرون الجنازة دون غيرهم وأن عائلة ستالون سترفض حضور آخرين بناء على وصية المرحوم سلفستر. وصية سلفستر استطاعت الإشاعة إزهاق روح النجم الكبير، بل كتبت وصيته أيضًا وحددت من هم أصدقائه وأعدائه. تكشف تفاصيل الأخبار شيئًا مهماً فى النمو السرطانى للإشاعة، فهذا النمو رغم مظهره العشوائى يتم التحكم فيه بآليات بسيطة من صانع الشائعة تكون الراعى الذى يقود جموع السوشيال ميديا إلى النقطة التى يريدها. تشتت جماهير السوشيال ميديا اتجهت جماهير السوشيال مباشرة إلى موضوع الجنازة يبدو للوهلة الأولى الأمر منطقيًا، شخص توفى فالخطوة التى تلى ذلك مراسم جنازته وترتيباتها هذا فى حالة الإنسان العادى الذى لم يعرف طريق النجومية، لكن نجمًا فى حجم سلفستر ستالون فخبر وفاته قد يشتت جماهير السوشيال فى أكثر من اتجاه. يمكن أن تتجه بعض الجماهير للحديث عن علاقاته الغرامية أو استقرار حياته الزوجية من عدمه، وقد تختار مجموعات أخرى التحدث عن حجم ميراثه وادعاء وجود صراع على هذا الميراث أو يتم التشكيك فى طبيعية الوفاة وما أكثر النجوم المنتحرين والمتوفين فى ظروف غامضة، فى حالة النجم سلفستر اتجهت جماهير السوشيال إلى الجنازة ولم تتشتت. تعطى تفاصيل الأخبار عن الإشاعة إجابة سؤال لماذا لم تتشتت جماهير السوشيال وركزت فقط على زاوية الجنازة؟ استطاع صانع الشائعة والراعى لها توجيه الجماهير فى هذا الاتجاه بفعل بسيط، فعقب خبر الوفاة بث مباشرة صورًا وفيديوهات متتالية على السوشيال من جنازة ابن سلفتر ستالون الذى تُوفى فى العام 2012 وأصبح هذا الفيديو الأعلى مشاهدة. بالتأكيد مروج هذه الشائعة عن النجم الأمريكى لايريد له خيرًا، ولذلك فالأفضل أن تتجه جماهير السوشيال إلى موضوعات التشتيت فهى تشوه سمعة سلفستر بشكل مؤثر، لكن صانع الشائعة وراعى توجيه الجماهير على السوشيال تنازل عن هذا الهدف الرئيسى مرحليًا مقابل الجنازة. غرض صانع الإشاعة من التنازل مرحليًا عن الهدف الرئيسى هو تأكيد خبر الوفاة أولًا فى ذهن المتلقى، فبث صور وفيديوهات جنازة نجل سلفستر ستالون ليجذب عيون وعقول جماهير السوشيال إلى مشهد محدد لا يخرجون عنه إلى موضوعات أخرى وهو ما حدث بالفعل. مراسم الجنازة لخدمة صانع الشائعة طاردت الجماهير المخدوعة كل ما يتعلق بمراسم جنازة سلفستر ولم تعلم أن كل كلمة تكتبها عن مراسم الجنازة الوهمية للنجم الأمريكى هى تخدم صانع الشائعة وراعيها. بعد حدوث التأكيد ترك صانع الشائعة وراعيها لكل متلقى الحرية الكاملة فى التعامل مع تفاصيل مراسم الجنازة، فمن خلال هذا التعامل ستختلف رؤية كل متلقٍ عن الآخر ويبدأ الهدف الرئيسى فى التحقق وهو تشويه سمعة سلفستر ستالون. الآن أصبح للشائعة طاقتها الخاصة التى تمدها بالاستمرار والنمو السرطانى الذى لا يتوقف فانطلق المخدوعون ينافسون بعضهم البعض فى استحضار أكبر كم من المعلومات المتخيلة حول الحياة الشخصية للمرحوم ستالون. خلقت أجواء المنافسة ومحاولة إثبات الذات بين المخدوعين اطرادًا متزايدًا فى كم المعلومات المزيفة حول النجم الأمريكى وهذا ما يريده صانع الإشاعة وراعيها لتحقيق هدفه الرئيسى. سلفستر في مواجهة المخدوعين استيقظ ستالون فوجد نفسه ميتًا فقرر نفى هذه الشائعة السخيفة، هنا لا يتدخل صانع الإشاعة وراعيها يترك سلفستر ستالون فى مواجهة المخدوعين الذين لن يعترفوا بأنهم مخدوعون أو تم التغرير بهم، فكبرياء الإنسان يمنعه من الاعتراف بسذاجته. تواصل نفى ستالون للشائعة ومعه عائلته لكن المخدوعين استمروا فى كتابة قصائد الرثاء والتحدث عن كل ما يخص سلفستر ستالون، فالنجم الأمريكى مات فى عقولهم التى تم السيطرة عليها من قبل صانع الإشاعة وراعيها. مواجهة سلفستر للإشائعة نجح أخيرًا المرحوم سلفستر ستالون فى إثبات أنه مازال على قيد الحياة وبدأ النمو السرطانى للإشاعة فى التقلص ثم تلاشى أثر الشائعة تدريجيًا لكنها تكمن ولا تختفى نهائيًا فى انتظار إحيائها من جديد على يد الصانع. لانعرف هل استعان النجم الأمريكى بمتخصصين لمواجهة الشائعات المروجة، وما أكثر الشركات التى تقوم بهذا الدور فى الولاياتالمتحدة، فالجانب المعلن من عملها هو حماية المتعاقدين معها من حملات التشويه ومكافحة ما يبث حولهم من شائعات لكن الجانب المظلم فى بعض هذه الشركات أنها تتولى الأعمال القذرة من ترويج الشائعات لصالح من يتعاقدون معها، تعمل هذه الشركات تحت لافتة بريئة كتب عليها شركات العلاقات العامة. يصل حجم الاستثمار فى هذا المجال داخل الولاياتالمتحدة الى رقم بمليارات الدولارات وتتنوع طبيعة المتعاقدين من شركات متعددة الجنسيات وهى الأكبر فى العالم الى سياسيين ونجوم مجتمع وفن. يلجأ المتعاقدون إلى ما يسمى بشركات العلاقات العامة لحماية أنفسهم من خطر الشائعات وأيضًا لضرب خصومهم بنفس السلاح الذى يهددهم وهو الإشاعة. يمكن لإشاعة واحدة -تعد كلماتها على أصابع اليد الواحدة ولكنها صنعت بمهارة وحرفية- أن تكلف شركة عملاقة مليارات الدولارات، فلا مانع أمام هذه الشركة من أن تدفع الملايين من أجل حماية المليارات. العالم السيبرى المفتوح هذا العالم السيبرى المفتوح بلا نهاية وبغير حدود أصبح الموطن المثالى لمروجى الشائعات ووفر عليهم الطرق القديمة من الهمس فى أذن المتلقى ولقائه وجهًا لوجه. أصبح الوصول إلى المتلقى فى بيته وعمله بل وعلى سريره قبل نومه دون أن يرى مروج الشائعة أو نشعر به ميسرًا وسهلاً ويستطيع السيطرة على العقول وتحويلنا إلى مخدوعين ننفذ ما يريده ونحن سعداء، متصورين بكبرياء زائف أننا نمتلك الحقيقة الكاملة. فى كل صباح أو مساء عندما نختلى بأنفسنا مع أجهزتنا المحمولة نواجه اختبارًا مكونًا من سؤال واحد هل فى تلك اللحظة من اليوم سنكون مخدوعين وننساق وراء صانع وراعى إشاعة لا نراه وننفذ ما يريد بسذاجة أم سنكون متيقظين لا يمكن خداعنا والسيطرة علينا؟ الإجابة تبدو سهلة بأننا سنختار الاستيقاظ رافضين الخداع، لكن هذا الاستيقاظ يحتاج إلى عقل نقدى حاد غير مترهل يستطيع كشف الإشاعة، هذا العقل النقدى لا يباع فى السوبر ماركت بل نحن نصنعه بأنفسنا وتحتاج صناعته إلى تدريب يومى جاد لكن كيف نقوم بهذا التدريب؟ عملية التدريب تحتاج إلى نقاش آخر.•