فى فيللا قديمة كانت سكنا لضابط انجليزى، بحى منشية البكرى، وتحديدا فى «1 ش منشية الطيران»، يستقبلك منزل ومتحف جمال عبدالناصر، الذى افتتحه الرئيس السيسى فى سبتمبر 2016. فيللا ذات عمارة بسيطة، تنتمى إلى عمارة القرن العشرين «المودرن»، بحسب رئيس جمعية المعماريين المصريين سيف أبوالنجا، زميل عبدالحميد ابن الزعيم، فى مدرسة القومية بمصر الجديدة، التى تغير اسمها فيما بعد إلى مدرسة جمال عبدالناصر. يقع المتحف على مساحة 13.400 متر مربع، تشمل الفيللا منها 1300 متر، إلى جانب مبنى صغير، كان مخصصا لسكن أطباء الرئيس، وتحول الآن لمكتبة، تضم كتب الرئيس، لكنها ليست مفتوحة للزائرين حتى الآن. يتكون المتحف من جزءين، الأول هو منزل الرئيس وعلى بابه سيارته الخاصة من طراز أوستن، أما المدخل الرئيسى، فبابه المصنوع من الخشب والمعدن الأخضر والزجاج العسلى، الذى يأخذك إلى صالة الاستقبال بأرضيات رخام من اللونين الأخضر الداكن والفاتح، وحوائط من الرخام الرمادى الفاتح المزين بقطع من المعدن على شكل زهرة اللوتس. فى أحد هذه الحوائط ركب مصعد خاص لجمال عبدالناصر، ليأخذه للطابق العلوى، حيث غرف النوم، قبل عام واحد من وفاته بعد أن استدعت حالته الصحية ذلك. ويحتوى الطابق الأرضى على مجموعة من الصالونات الأنيقة والبسيطة، وصالون للاستقبال الرئاسى، وصالون آخر خاص باستقبالات زوجة الرئيس، بأرضية من الباركيه، وكلها مصرية الصنع من مصنع بنترمولى، بحسب حديث تليفزيونى لابنته هدى عبدالناصر. تلك الصالونات التى جلس عليها أصدقاؤه: الرئيس «تيتو»، و«أنديرا غاندي»، والرئيس العراقى «عبدالسلام عارف»، وزعماء أفريقيا، وغيرهم وبالطابق الأرضى المكتب الرئاسى، وراديو وتليفزيون وجهاز أسطوانات، وبجانبه أسطوانه لعفاف راضى «هوا ياهوا»، ولأم كلثوم «لا يا حبيبي»، وأغنية «إن شفتني» لمها صبرى. • عيد ميلاد ابن الرئيس يأخذك سلم خشبى للطابق العلوى، فتستقبلك سفرة الطعام، المكونة من عشرة مقاعد، وترابيزة وبوفيهين، وعلى يسارها غرفة المعيشة ذات الصالونات الخاصة بالأسرة، وبجوارها غرفة لمكتب الرئيس بها مكتبة، ومنها إلى غرفة نوم الرئيس. غرفة النوم بسيطة، بها سرير ودولاب وتسريحة وتليفزيون وسماعات راديو، وجهاز لتنقية الهواء، وبها حمام خاص بأرضيات وحوائط من الرخام البرتقالى الفاتح، وطقم حمام أخضر. أما غرف الأولاد وغرفة والد الرئيس التى كانت تخصص له عند قدومه من السفر، فاستبدلت لتكون قاعات لعرض مقتنيات الرئيس، من بين المعروضات بيجامة مقلمة كستور مثل تلك التى كان يلبسها كل المصريين، وكرافتات وقمصان وأحذية مصرية الصنع، ودبلة الرئيس وزوجته، وصورة زفافهما. بعدها مكان لعرض أفلام وثائقية وتاريخية عن أهم المحطات فى حياته، «حكاية شعب» من خلال شاشات عرض تعرض كل منها حدثا تاريخيا، ليقع عين الزائر على أحداث مختلفة فى نفس اللحظة، كل فى شاشة منفصلة، فشاشة تنقلك إلى توقيعه على اتفاقية الجلاء، وأخرى تراه فى خطاب تأميم قناة السويس، وثالثة فى خطاب التنحى، ورابعة جنازته، وهكذا.. تتداخل أصوات الأحداث القادمة من الشاشات المختلفة. مازال المهندس سيف، الطالب بالمدرسة وقتها، يذكر كيف كان عيد ميلاد زميله عبدالحميد عبدالناصر، بسيطا ويضم زملاء آخرين من المدرسة، وينتهى خلال ساعتين على الأكثر، حسب نظام منزل الرئيس، الذى تحكمه قواعد محافظة. «عبد الناصر الرئيس كان متواضعا، وأبناؤه على خلق رفيع» هكذا كان يرى كل زملاء مدرسة عبدالحميد، بيت زميلهم، كما يقول المهندس سيف، الأخ الأكبر فى الفيلم الشهير «إمبراطورية م». • كرة قدم مع أولاد الرئيس أما الجزء الثانى من المتحف، فهو جزء حديث، أنشيء ليكون بمثابة مدخل جديد للمتحف، للحفاظ على المدخل القديم على حالته، مبنى من الجبس والحديد وألواح الزجاج والألوميتال، يوصلك إلى بهو حديث بارتفاع الطابقين، سقفه من الزجاج الذى يسمح بمرور الإضاءة الطبيعية للداخل، لتقع على صور الزعيم التى تملأ جدران المدخل. إلى يسار المدخل غرفة كبيرة تطل على حديقة الفيللا، كانت تستخدم أيام الرئيس لاقامة الولائم، وللعرض السينمائى، فكان بها ماكينة 16 ملم، وشاشة عرض، بحسب هدى ابنته فى الحديث التليفزيونى، لتتحول الآن لقاعة لعرض النياشين والأوسمة التى حصل عليها الرئيس من ملوك ورؤساء أوروبا وأمريكا اللاتينية، ومن الدول العربية ويوغسلافيا، وهدايا من الملك فيصل بن عبدالعزيز «خنجر من الذهب المطعم بالأحجار الكريمة، وجزء من كسوة الكعبة المشرفة» وهدايا من العاج من زعماء أفريقيا، وثلاثة تماثيل للزعيم. ومقتنيات أخرى مثل كاميرات التصوير الفوتوغرافية والسينمائية، التى كان يهواها عبدالناصر، والنظارات المعظمة، وغيرها من المقتنيات. «كنا خمسة إخوة، فى نفس عمر أولاد الزعيم الخمسة» يتذكر المهندس سيف أبوالنجا، كيف كان رئيس مصر وقتها يشغل لهم شاشة العرض السينمائى، ليشاهدوا الأفلام التاريخية، التى يرشحها لهم، ثم يلعبون كرة القدم فى حديقة الفيللا. حديقة الفيللا بها أشجار معمرة منذ أن سكنها الرئيس فى الخمسينيات، مثل شجر الكافور، تلك التى شهدت حفلى زفاف ابنتى الزعيم منى وهدى، وغنى فيها أم كلثوم وعبدالحليم ورقصت سهير زكى، وبها كشك خشبى، كان جمال عبدالناصر يحتسى فيه الشاى. الأطالس الخمسة الأطالس الخمسة تلفت انتباهك بحجمها الكبير على يمين مدخل مكتب الرئيس جمال فى الطابق الأرضى من بيته، ففيها اهتماماته الأولى بالتاريخ والسياسة مثل كتاب الصراع فى إفريقيا منذ الاستكشافات فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر وحتى بدايات حركة التحرر الوطنى، والكتاب الشهير لرئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرتشل (حرب النهر) عن استعمار السودان، وغيره الكثير. وهناك ما يبرز هواياته فى التصوير، بقدر ما يعكس انشغالاته كرئيس لمصر مثل التنمية فى الشرق الأوسط، وكتاب تكوين مصر الحديثة، وقناة السويس وغيرها. وفى المكتبة ما يعكس تخصصه المهنى فى الاستراتيجية العسكرية مثل الحرب الجوية، وحروب الغد، وأطلس أكسفورد للحرب. فى ركنها الأيسر تضم المكتبة 5 أطالس ثلاثة منها إصدار مؤسسة تايمز البريطانية التى ظلت تصدر طبعات منقحة منذ الثلاثينيات وحتى الآن، وتعد من أدق وأكثر الأطالس تقدماً. كما اقتنى الزعيم الراحل سلسلة لايف التى كانت تصدر كل شهر كتابا فى موضوع يكتبه واحد من أعلام التخصص، مثل أمريكا الشمالية، إفريقيا، الفلسفة، الرأسمالية، الماركسية، وغيرها عشرات من الموضوعات. أغلب مكتبتى الزعيم الراحل سواء التى فى المكتب الرئيسى أو فى مكان إقامته بالطابق الثانى هى بالإنجليزية، التى كان يتقنها كما يظهر من مقابلته مع قنوات غربية، وموجودة على يوتيوب.