كانت قصة حياة (هيلين كيلر) هى التى عرفتنى على مدى قدرة المخ البشرى على التكيف حينما يتعرض لحرمان الحواس، وعلى قوة الإرادة الإنسانية التى تستمد عنفوانها وحيويتها من حب الحياة والتمسك بممارستها. (هيلين كيلر ) (1968 - 1880) كانت موضع أحد دروسنا فى المرحلة الثانوية، كنا نقرأ قصتها، قصة الحياة التى استطاعت صاحبتها تعلم التواصل بقدرة مدهشة مع الآخرين وهى التى عانت من الصمم والبكم وكف البصر منذ طفولتها المبكرة لكنها تواصلت مع الآخرين وفهمت ما يحدث حولها فى وقت كان يعتقد العامة أن الحرمان من حواس السمع والكلام والبصر يعنى عدم التواصل مع المجتمع بشكل كامل وقد أصبحت هيلين كيلر من أشهر الأدباء فى أمريكا وأصدرت العديد من المؤلفات منها «قصة حياتى العجيبة»، و«العالم الذى أعيش فيه وغيرها بعد أن تلقت تعليمها عبر لغة الإشارة من معلمتها مناسية آن سوليفان مما يؤكد تفوق ذوى الاحتياجات الخاصة إذا تلقوا رعاية.. والآن لم تعد قصة حياة (هيلين كيلر) تدرس فى المناهج الدراسية على الرغم من أهمية تأثيرها فى وجدان الدارسين، وقدرتها على إثارة الاهتمام بمشكلات ذوى الاحتياجات الخاصة، وما يواجههم من صعوبات.. التعاملات اليومية ومصاعبها ولكن استطاع (اليوتيوب)، و(sound cloud) على الإنترنت أن يوفرا بما يتم رفعه عليهما من أفلام فيديو قصيرة، ومسامع أخرى ومشاهد منقولة من حياة ذوى الاحتياجات الخاصة، وبعضها يصوَّر ببلاغة الصورة معاناة عالم الصمت الذى يعيش فيه من يعانى الصمم أو البكم، وخاصة فى التعاملات اليومية مع الأصحاء حيث تصعب لغة التفاهم أو الوصول إلى طريقة لفهم مشترك وخاصة فى أماكن العمل والمصالح الحكومية حيث تحرم هذه الإعاقات صاحبها من التعبير عن نفسه واحتياجاته.. لكن هذا لم يمنع من قوة إرادة وإصرار أصحاب هذه الإعاقات من التعبير عن ذواتهم من خلال فنون مختلفة منها على سبيل المثال (فرقة الصامتين) الموسيقية، ومهرجان (الأخرس) وهو يغنى على موسيقات خاصة لافتة.. وهو ما يؤكد على ما يراه الدارسون فى هذا المجال أن استخدام الآلات الموسيقية كالطبول والدفوف يحدث ذبذبات يستجيب لها ذوو الاحتياجات الخاصة، وهى تنمى المهارات الحركية التى تساعد على تنمى التوافق الحركى. والنجاحات الرياضية التى يحققها الرياضيون ذوو الاحتياجات الخاصة فى مجال كرة القدم على سبيل المثال وحصولهم على الجوائز يؤكد أن التربية الرياضية وسيلة مهمة لتنمية المهارات الاجتماعية لذوى الاحتياجات الخاصة. الحس السمعى وقد أشار المركز العالمى لإحصاءات الصحة إلى أن معدل انتشار الإعاقة السمعية عام 1971 كان 69 لكل ألف فرد، وتزايدت هذه النسبة عام 1991 إلى 86 لكل ألف فرد.. وتشير الإحصاءات إلى أن معدل انتشار الإعاقة السمعية بين أطفال البلاد النامية فى سن 6 سنوات يصل إلى 2 لكل 1000 طفل. والصمم كما تعرفه هيئة الصحة العالمية للطفولة هو أن يولد الطفل فاقدا حاسة السمع، ويترتب على ذلك عدم استطاعته تعلم اللغة والكلام أو هو الطفل الذى أصيب بالصمم فى طفولته قبل اكتساب اللغة والكلام أو أصيب بالصمم بعد تعلم اللغة مباشرة بحيث فقد آثار ذلك التعلم بسرعة، ومن الناحية الطبية فالأصم هو من تعدت عتبة الحس السمعى لديه 90 ديسيبل، وهو الذى مهما يحصل على معينات سمعية فإن لغته لن تنمو عن طريق القناة السمعية وحدها بل يعتمد على قنوات حسية أخرى مثل البصر وغيره من حواس. وحاسة السمع هى التى تجعل الإنسان قادرا على تعلم اللغة، وبالتالى تطور السلوك الاجتماعى، وتمكن الإنسان من فهم بيئته وما يحيط به من أحداث. لغة الإشارة وهناك طريقتان لتعليم الصم والبكم، والأولى طريقة الإشارة وتعتمد على الإيحاءات والحركات الجسمية وتنقسم هذه الطريقة إلى إشارة وصفية يدوية وهى تلخص فكرة معينة، وإشارة غير وصفية مثل رفع كف اليد عاليا، والأصابع مفرودة ومفتوحة للدلالة على الشجرة والطريقة الشفوية ومنها يتعود الصم والبكم على حركات الفم والشفاه وهو ما يُعرف بقراءة الشفاه. ويؤكد الباحثون فى هذا المجال أنه لابد من الاتصال بين هذه الفئة من ذوى الاحتياجات الخاصة والأسوياء، كما يجب على مدرسى التربية الخاصة مساعدة الصم والبكم على عدم الاعتماد على الإشارة فقط حتى يتعلموا قراءة الشفاه وحتى تسهل عليهم عملية التعلم فلابد من استخدام الطريقتين وهى لغة الإشارة وقراءة الشفاه. مقدرة أفضل وفرص لتحسين مفهوم الذات ويؤكد المتخصصون فى هذا المجال على أن دمج الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة مع أقرانهم الأسوياء خطوة مهمة سواء فى الفصول العادية أو لجزء من اليوم الدراسى على الأقل، ويتطلب ذلك أن تكون قدرات وإمكانيات الطالب ذى الاحتياجات الخاصة تسمح بهذا الشكل من أشكال الدمج مع استخدام الأساليب التربوية الحديثة. قد أشارت العديد من الدراسات إلى أن الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة فى فصول الدمج التى تقدم لهم مناهج معدلة وبرامج تربوية فردية يظهرون مقدرة أفضل فى التعبير عن أنفسهم ويزودون بفرص مناسبة لتحسين مفهوم الذات والسلوكيات الاجتماعية المختلفة. (حمدى أحمد وتوت، ونهى الصواف، 2012 (الصم والدمج مع الأسوياء فى التربية البدنية والرياضة، مركز الكتاب للنشر، ص 104 ). وقد أشار الباحثان فى كتابهما إلى جهود عديدة بشأن دمج الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة فى التعليم النظامى وقد أكد على ذلك ميثاق الحقوق الإنسانية للأشخاص المعاقين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر عام 1981 كما أكدت على وثيقة مؤتمر اليونسكو الإقليمى للتربية فى الدول العربية كما أكدت دمج ذوى الاحتياجات الخاصة فى التعليم النظامى (بيروت 7-10 مايو 2001) ومفهوم الدمج أو الاحتواء هو وسيلة لتحقيق غايات تُعيد للمدرسة وظيفتها الاجتماعية وتؤكد مبدأ التنوع والاستجابة لاحتياجات المجتمع كما تؤدى إلى تحسين التعليم المدرسى والإقلال من فرص استبعاد أى طفل من دخول المدرسة العادية. ومن أهم ما تهتم به فلسفة الدمج فى التعليم هو الارتكاز على قاعدة جديدة وهى القدرات التى يتصف بها ذوو الاحتياجات الخاصة وليس ما يعانون منه من عجز، واعتبار المعاق جزءا لا يتجزأ من القوى البشرية للمجتمع إذا ما تم تأهيله وتدريبه وتنمية قدراته وفق الأساليب العلمية والعملية التى تمكن من ذلك. وقد أشار حمدى أحمد وتوت فى كتابه إلى بحث أجراه حول (تأثير الدمج بين الصم والأسوياء على تعلم بعض مهارات الجمباز) وقد أكد على وجود تواصل بين الأسوياء والصم، ووجود روح المودة والتعاون بينهما فى تعلم المهارات فى هذا المجال كما أكد على ضرورة تصميم برامج تعليمية، وتدريبية للدمج بين الأسوياء والصم فى رياضات أخرى تتناسب ونوع الإعاقة. كما يساعد الدمج الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة على اكتساب مهارات وخبرات أثناء تعاملهم مع الأطفال الأسوياء مما يساعد على تأهيلهم للحياة العملية وخدمة المجتمع. ويبدو جليا أن لغة الإشارة وتعلمها يساعد على التفاعل مع ذوى الاحتياجات الخاصة، ويساعد على دمجهم فى المجتمع، ووجود مترجم إشارة فى المصالح الحكومية، أو المستشفيات العامة، ومحطات المترو الرئيسية قد يساعد فى حل العديد من مشكلات التخاطب والتفاهم لذوى الاحتياجات الخاصة، وعلى الرغم من تعدد لغة الإشارة التى تتطور باستمرار، وليس بالإمكان توحيدها لأنها تختلف من بلد إلى بلد ومن محافظة لأخرى فإنه بالإمكان البدء بتعلم لغة الإشارة من خلال قضاء الطلبة الأسوياء بالمدارس النظامية جزءًا من يومهم الدراسى فى مدارس ذوى الاحتياجات الخاصة كزيارات خاصة بالنشاط المدرسى، وبالمثل يمكن لذوى الاحتياجات الخاصة قضاء جزء من يومهم الدراسى بمشاركة الطلبة الأسوياء أنشطتهم المدرسية فى المدارس النظامية وقد تكون البداية الأكثر نجاحا هى المشاركة فى الرياضات البدنية حتى يتحقق هذا التواصل الذى يقضى على الإحساس بالعزلة والاغتراب وهما من المشاعر السلبية التى تمثل أكثر المشكلات النفسية صعوبة فى حياة ذوى الاحتياجات الخاصة، وهم على الرغم من هذه الصعوبات يثبتون يوما بعد يوم تميزهم بمواهبهم المتعددة، ومدى قدرة المخ البشرى على التكيف، وقوة الإرادة الإنسانية وحب الحياة والقدرة على ممارستها.•