«قضية ذوى الاحتياجات الخاصة وتعليمهم» من أخطر القضايا التى أهملت لعقود وأدت لتداعيات سلبية اجتماعية واقتصادية على كيان المجتمع، ويصل عددهم بحسب إحصائية الأممالمتحدة لنحو 9 ملايين، يمثلون 10% من تعداد سكان مصر , ورغم زيادة أعدادهم إلا أنهم يفتقدون التواصل مع الجهات الرسمية بالدولة، كما أن أولياء الأمور يعانون للبحث عن المراكز الخاصة لتأهيل أبنائهم وتدريبهم على مهارات السلوك والتخاطب خاصة لأطفال (متلازمة داون) و(ضعاف السمع) و(الشلل الدماغى) وباقى الحالات من ذوى الاحتياجات الخاصة، فضلا عن التكلفة الباهظة التى يتكبدها أولياء الأمور لتعليمهم، فى السطور التالية نسلط الضوء على هذه الفئة المهمشة.كان عدد من أولياء الأمور أقاموا قضايا ضد بعض المدارس الحكومية لذوى الاحتياجات الخاصة بسبب عدم وجود متخصصين إضافة إلى الإهمال وعدم رعاية أبنائهم أو تنمية مهاراتهم. ومن تلك القضايا قضية الطفلة (ميار سيد) والتى كانت تلعب بالأرجوحة مع طفل زميلها بالمدرسة وأصيبت بأذى كبير فى شبكيه العين بعد أن صدمتها الأرجوحة بعنف دون قصد من زميلها وتسبب ذلك فى دخولها حجرة العمليات أكثر من مرة وتكلف علاجها أكثر من 10 آلاف جنيه ومازالت بحاجة إلى عدد آخر من العمليات ولسوء حالة أهلها المادية تبرع أهل الحى السكنى الذى تقطن فيه بأموال لاستكمال علاجها، وفى المقابل لم تسأل المدرسة عن حالتها ولم تهتم بالواقعة من منذ حدوثها. قضية أخرى رفعتها (أم فتحى )التى يعانى نجلها من شلل دماغى حيث إنه استلمه والده الذى أثناء تواجده فى مدرسته داهمته غيبوبة السكر، ولم ينتبه أحد له وتركوه ظنًا أنه نائم حتى تم نقله فجرا للدكتور بعد أن تأكد أنه فى غيبوبة ولا تختلف الصورة فى المدارس الخاصة التى لا تهتم إلا بالماديات، و لا تراعى ظروف أهالى ذوى الإعاقة كما أنها لا تهتم بالحالة الصحية للأطفال، وهناك أكثر من حالة تشتكى من عنف المدرسين. وكشفت أميرة شوقى الباحثة فى تطوير حالات ذوى الإعاقة عن أنها شاهدت المدرس يضرب طالبًا من ذوى الاحتياجات (بالشلوط ) فغادرت المدرسة ولم تقبل العمل بها.. وعلى سبيل المثال لا الحصر مدرسة (العذرا مريم) بشبرا مصر ومدارس التربية الفكرية (بشبرا الخيمة) بدون خبراء أو متخصصين أو تأهيل وهناك العديد من الشكاوى من تلك المدارس فى أنها لا تقدم للطفل شيئا سوى الوجبة المدرسية. وتقول الباحثة أميرة شوقى إنه من المفترض أن تركز المدارس الخاصة والحكومية لذوى الاحتياجات الخاصة على تنمية مهارات التخاطب للطفل وتعليمه كيفية العناية الشخصية ولكن لا يوجد هذا على الواقع، أما المدارس الدولية فتكاليفها عالية للغاية تتعدى 2500 جنيه شهريا وهذا المبلغ يفوق قدرات الأهالى ... وأضافت أميرة انها تتمنى إنشاء مركز كبير يضم كل الأطفال من ذوى الاحتياجات والذين يمثلون 11%من سكان مصر. ورغم الفشل فى تنمية مواهب أطفال ذوى الاحتياجات الخاصة فى المدارس، إلا ان هناك نماذج إيجابية لأسر رأت أطفالها قيمة مهمة فحصلت على دورات لدعم أطفالها لتلعب دور المدرسة. «إسراء عماد» أحد تلك النماذج الإيجابية أول طالبة صماء تدخل الجامعة، وهى من ضعاف السمع وتعتمد على لغة الشفايف ولكنها تعلمت لغة الإشارة وبفضل مجهودات أسرتها لم تدخل مدرسة للصم وبالمجهود الذاتى وكورسات التخاطب واهتمام الأسرة دخلت مدارس لغات دمج وهى الآن فى الليسانس بكلية الحقوق انجليزى، وقدمت اسراء بحثًا فى التعليم لذوى الإعاقة لمؤسسة «الهاند كاب» فى مصر والصين والأردن والتى تعمل على تطوير التعليم والدمج لذوى الإعاقة، وتعمل فى المشروعات القانونية فى المؤسسة المصرية لحقوق الصم، وهى أول طالبة مصرية صماء تنشر لها مقالات فى الصحف مثل الأهرام والجمهورية، كما أنها صاحبة مبادرة تعليميه لتشجيع الصم على دخول الجامعة، ويتم تفعيل المبادرة فى العريش والفيوم .. أما عن مشاكل التعليم للصم فى المدارس تقول إسراء: معظم المدرسين لا يعرفون لغة الإشارة، كما ان المناهج لا تتناسب مع عقلية وعمر المعاق، ولا يوجد امتحانات تناسب قدراتهم ويعتمدوا على الغش وكتابة الإجابة على السبورة ليخرج الطالب من تلك المدارس فاشلاً متأخرًا ذهنيا وعقليا. وعن تطوير مدارس ذوى الإعاقة أضافت: لابد من وجود مناهج ملائمة للمستوى العمرى للطالب، وهيئة رقابية وإشرافية للمناهج والمدرسين، إضافة إلى تأهيل المدرس المتعامل مع الصم ليكون قادرا على التواصل معهم بلغة الإشارة بالإضافة إلى احترام عقلية الطالب الأصم وتغيير قرار الدمج التعليمى الصادر من رئاسة الوزراء لقبول الإعاقات السمعية، واقترحت فكرة وجود غرفة مصادر داخل المدرسة وهى غرفة تعليمية بها معلومات لكيفية تأهيل طفل من ذوى الإعاقة للتعامل مع مدارس الدمج وتعلم الأسوياء التعامل مع اقرانهم لكى يوجد تواصل... وتقول والده إسراء إن الأسرة عليها عامل كبير أهم من المدارس ومتابعة أولياء أمور والتواصل مع المدرسة يساعد الطلبة، وأشارت إلى أن عددا كبيرًا من أولياء أمور الطلبه المعاقين لا يهتمون بأبنائهم ويعتبرونهم كمًا مهملا ...وأضافت أنها حرصت على تنمية مهارات إسراء منذ الصغر بكورسات التخاطب والمتابعة مع المدرسين ورغم انه كان مجهودًا كبيرا إلا أنه جاء بالفائدة لتكون إسراء أول طالبة تحصل على الليسانس. وأشارت إلى أن هناك طالب من الصم حصل على ماجستير وكان الأول على دفعة آداب يابانى، ومحمود طالب آخر أصم تماما وهو فى كلية الهندسة وهذا بفضل الأسرة التى يقع عليها عاتق كبير فكلاهما كان يذهب معهم فرد من الأسرة لترجمة المحاضرات للغة الإشارة. تجربة فريدة وتقول جيهان أم لأبناء من ذوى الاحتياجات الخاصة:تجربتى مع مدارس ذوى الاحتياجات الخاصة كانت سيئة، حيث انضم أولادى لمشروع الدمج، ابنى الأوسط كان حضانه دمج وابنى الأكبر فى مدرسة خاصة دمج أيضا، ثم بعد ذلك التحقا بمدرسة حكومية دمج وللأسف كانت تجارب فاشلة فمشروع الدمج فاشل جدا سواء دمج كلى أو جزئى، ثم بعد ذلك ألحقتهما فى مدارس ذوى الاحتياجات الخاصة، ولكن للأسف ما كنت أقوم به من تدريب لهما فى المنزل أفضل بكثير من مجهود تلك المدارس . وأضافت أنهم يتعاملون مع الطلبة من «ذوى الاحتياجات» بشكل نمطى جدا ولا يمت للمهنية بصلة، ومبررهم فى ذلك أن هؤلاء الطلبة ليس هدفهم التعليم ولكن الأهل ألحقوهم بتلك المدارس للتخلص من مشاكلهم لبعض الوقت.. وأضافت أن حالتى نجليها أحمد وشريف 16سنة و13سنة نادرة وتسمى فراجيل اكس، وهى صعوبات تعلم وكلامهما قليل جدا صعب فهمه، إضافة إلى نوبات صرع وبعض سمات التوحد ويزيد على شريف أنه مصاب بكل أنواع نوبات الصرع بدأ من النوبات الخفيفة حتى النوبة الكبرى الغيبوبة. كما أنه مصاب بضمور بالفص اليمين من المخ، وتابعت أنه فى بادئ الأمر عندما علمت بمرض ابنى الأكبر الحقته بمدرسة خاصة وكان الاتفاق انه من ذوى الاحتياجات الخاصة وسيتم معاملته معاملة خاصة فى المدرسة وكانت تلك المدرسة بجوار المنزل وكنت أرى فناء المدرسة من شرفتى، ولكننى وجدت سوء معاملة ابنى أمام عينى وأيضا ضربه ومعاملته بشكل سئ جدا ولخوفى من طرده من المدرسة، سكت ؛ لأنى كنت أحاول أن يتم قبوله بشتى الطرق. لكن جاء وقت اضطررت للتحدث مع مدير المدرسة. وبالفعل كان الرد الذى توقعته وكنت أخشاه ..(ابنك يامدام هيأثر على مستوى النتيجة فى آخر العام وبالتالى لن أستطيع تقبله فى المدرسة)، وتابعت قائلة: أخذت ابنى وذهبت لمشروع الدمج الأصلى فى مدرسة حكومى وكنت لا أريد أن ألحقه فى مدرسة حكومى لخوفى عليه لكنى اضطررت لأنه لايوجد غيرها، والحقته فى مشروع الدمج، ومكث فيه حوالى ثلاث سنوات كانت الأسوأ فى حياته خصوصًا العام الأخير.. فكان ينجح فى المدرسة دون أن يعرف شكل ورقة الإجابة من الأساس، ولكن عندما وصل للسنه الثالثة حدثت مشكلة حيث إن لجان الامتحان كانت خارج المدرسة وبالتالى رسب مرتين، بالإضافة إلى أنه كان يعانى من سوء معاملة الطلاب معه حيث كان هناك سوء فى التنظيم والإشراف فى المدرسة ويوميا يرجع للمنزل منزعجًا وبملابس متسخة وكان ظنى انه من اللعب ولم أعرف انه من ضرب زملائه له وعرفت من سيدة شاهدته أمام المدرسة وبعض الأشخاص أن ابنى يتعرض للضرب يوميا والمدرسة لا تفعل شىء، ولا تهتم بالإشراف على الطلبة وتتركهم. ومن يومها تركت المدرسة الحكومى. وتابعت قائلة: فى هذا الوقت كان ابنى شريف فى حضانة دمج، ولم يكن يتحكم فى التبرز، وكنت أتعرض يوميا للسب والإهانة من المعلمات فى الحضانة والمربيات بسبب هذا رغم ارتدائه البامبرز, ورغم ان الدمج فى تلك المرحلة تتطلب مهنية وجهدًا، ولكن من خلال تجربتى لم أجد أى مهنية أو حنان فى التعامل معهم. وأضافت: قررت بعد ما حدث لأبنى الأكبر، ورفض مدارس الدمج لتقبل ابنى الأصغر أن يمكثا سويا فى البيت، وحصلت على جلسات مكثفة ودورات تعليمية لذوى الاحتياجات الخاصة لأستطيع التعامل معهم، فحصلت على جلسات تعديل سلوك وصعوبات تعلم وشغل أوقات فراغ. وبالفعل نجحت معهم رغم صعوبة الأمر ولكن وجدت أن الأم المتخصصة أفضل من مدارس الدمج والمدارس الحكومية بمراحل، ولكن عندما لامنى الكثيرون تخوفت أن أكون مقصرة فقررت أن ألحقهم بمدرسة خاصة بذوى الاحتياجات ولكنها كانت مكلفة جدا ولم يستفيد أى طالب منها بشىء، واكتشفت أن تعليم ذوى الاحتياجات الخاصة ماهو الا حلقة من الحلقات السيئة للتعليم فى مصر لكنها الأسوأ. أفضل مستوى وعلى الجانب الآخر يقول الدكتور عادل عبد المنعم وكيل مديرية التربية والتعليم بالجيزة ..إن المديرية حريصة على تحقيق أفضل مستوى للعملية التعليمية لمدارس ذوى الاحتياجات الخاصة ولكن هناك صعوبات وتحديات وهذا أمر طبيعى بسبب غياب دور المجتمع المدنى ورجال الأعمال فى الاهتمام بتلك المدارس، ولكن المديرية تحاول توفير كافة مستلزمات العملية الدراسية والمتخصصين للتعامل مع تلك الفئة من الطلاب. وطالب ياسر سالم مدرس بأحد مدارس ذوى الاحتياجات الخاصة بتوفير منهج نشط فى مدارس ذوى الاحتياجات ليساعد الطالب على التعليم بنجاح وتجعله يتفاعل ويكتسب مادة علمية وأنشطة ليصبح فردًا فعالا فى المجتمع، وأضاف أن الاهتمام بذوى الاحتياجات الخاصة يكون من خلال توفير جميع الوسائل الخاصة بهم من مدارس وقوانين ووسائل تعليمية وخدمات وأنشطة، مطالبًا بمدارس تنفذ برنامجًا تعليميًا فعالا للطلاب، وأوضح أنه على أرض الواقع لا يوجد سوى أنشطة ترفيهية تقدم للطلاب فى تلك المدارس ولا توجد مدرسة تنفذ برنامجًا لتقديم خدمات تعليمية لتجعل من ذوى الإعاقة عضوًا فعالا فى المجتمع. وتقول ايفون زعفرانى مؤسس حركة معاقين ضد التهميش إن مدارس ذوى الإعاقة بمصر تعانى من الإهمال و عدم التطوير و انعدام الرقابة والتمييز السلبى ضد الطالب المعاق، فمدارس التربية الفكرية الخاصة بالإعاقة الذهنية تفتقر للمتخصصين والجمود العلمى فى التعامل مع المعاق مما يؤدى لعدم تحسن حالة المعاق ذهنيا و عدم تلقيه أى مادة علمية تتناسب مع إعاقته و متطلباتها مما يؤدى بأولياء الأمور إلى الإحجام عن إلحاق المعاق بتلك المدارس و أحيانا يلجأ لمدارس بمبالغ كبيرة و تفتقر للأسلوب العلمى و تكون بمثابة مكان لترك المعاق به بديلا للجلوس بالمنزل . وأصافت ان المدارس الخاصة بالإعاقة البصرية تعانى من عدم التطوير بدليل أن الطلاب المكفوفين تم منعهم من الوزارة من تلقى اللغة الفرنسية كأقرانهم من غير المعاقين بنفس المراحل التعليمية دون سبب معلوم .. وتقول ايفون إنه من خلال تطوعى للقراءة لبعض الأطفال المكفوفين بالمرحلة الابتدائية بأحد المدارس الداخلية الخاصة بهم اكتشفت أنه لا يوجد حتى المجسمات البدائية لكى يعرف التلميذ الكفيف ماذا يعنى سد عالى أو غابة أو شكل حيوان رغم أنه يفترض أن حاسة اللمس تعوض لديهم البصر و هذا شئ بسيط بالمقارنة لما نسمع به. وأكدت أن الكارثة الكبرى تكمن بمدارس الإعاقة السمعية التى تعانى من الإهمال وانعدام الكفاءات لدرجة أن أغلبهم ينهى المرحلة الثانوية دون أن يستطيع كتابة اسمه. وأشارت ايفون إلى ضرورة تفعيل الدمج بالمدارس طبقا للقرار الوزارى الذى صدر مؤخرا و لكن قبل التفعيل يلزم توفير كل الوسائل العلمية المختلفة والمتعددة باختلاف الإعاقات و أحتياجاتها المختلفة التى يتطلبها الدمج و التى يعلمها المتخصصون فى المجال التعليمى لذوى الإعاقة، و لكن أن يتم تفعيل الدمج تنفيذا للقرار الوزارى فقط ودون توفر متطلباتة فلن يقع الضرر على الطالب المعاق وحده بل على المنظومة التعليمية ككل.