كتب - أحمد عبد الحافظ «العقار غير آمن».. هذه هى الحجة التى يلجأ إليها أصحاب العقارات لطرد السكان، عقب العبث فى أساسات العقار بحجة التغييرات، ومن ثم يستطيعون استصدار قرار من الحى بالتنكيس، وعليه يجبرون «المستأجرين» بتركه مقابل مبالغ زهيدة.
ففى الشوارع الجانبية الضيقة المنتشرة فى الأحياء القديمة من القاهرة، تلتقط عيناك عقارًا يتم هدمه وآخر تحت الإنشاء أغلبها كان يسكنها مستأجرون بنظام عقود الإيجار القديمة غير محددة المدة والتى يمكن توريثها للأبناء بنفس القيمة الإيجارية. تعويض بسيط أحد هذه العقارات منزل مكون من 5 طوابق تم بناؤها فى الستينيات فى شارع جانبى بمنطقة حلمية الزيتون، بحى مصر الجديدة والمطرية، وكان كل طابق شقة منفصلة يزيد مساحة كل منها على 300 متر، والسكان جميعهم من الطبقة المتوسطة «مهندسين ومحامين ومحاسبين» جميعهم ولدوا وعاشوا وتزوجوا فى نفس المكان، وورثوا عقد الإيجار عن آبائهم.. خرجت أسرة «سعيد زكريا» من هذا العقار بعدما حصل على مبلغ «خلو رجل» وكان آخر من خرج منه، بعدما تفاوض معه المقاول على الخروج من العقار مقابل مبلغ مادى بسيط. . قبل «سعيد» بتعويض بسيط عن مسكنه الذى تربى به وتزوج فيه وأنجب أكبر أبنائه، بعدما أصبح العقار غير آمن، فالمقاول استطاع أن يضع له موطئ قدم فى العقار عندما تفاوض مع أحد السكان فى الدور الأرضى، وتنازل له عن الإيجار. وبدأ بعدها المقاول فى التحضير لتجديد الشقة وتشطيبها من جديد، ومن ثم استطاع أن يعبث فى أساسات العقار بحجة التغييرات، فأصبح العقار غير آمن ولجأ للحى ليصدر قراراً بتنكيس العقار، فضلاً عن تقرير يثبت أنه غير آمن، ومن ثم استطاع الضغط على المستأجرين ليخرجوا من العقار مقابل تعويضات بسيطة، بعدما أصبحوا مجبرين على ترك العقار الذى يهدد حياتهم وحياة أبنائهم. وقبل عامين فضل الورثة «ملاك العقار» بيعه لأحد المقاولين وحصل كل منهم على نصيبه «كاش» بدلاً من الاحتفاظ بالعقار الذى يجنون منه أقل من 5 آلاف جنيه فى العام، يتم تقسيمها بين 6 ورثة. أما المقاول ففكر فى هدم العقار الذى تصل مساحته إلى 300 متر لإقامة برج سكنى جديد بارتفاع 10 أو 12 طابقًا، وبدلاً من أن يكون الدور لشقة واحدة يمكن تقسيمه لشقتين، ومن ثم تتضاعف الاستفادة المادية، وكان له ما أراد وليذهب المستأجرون إلى الجحيم. 70% غير مرخص وقال الدكتور أبو الحسن نصار، خبير التقييم العقارى: إن ما فعله «المقاول» يتكرر فى أكثر من مكان، حيث يزداد الطلب من المقاولين الصغار على العقارات القديمة فى الشوارع الجانبية بأحياء القاهرة القديمة، لأنها مناطق كثيفة الخدمات والسكان، ويسهل بيع العقارات بها بسهولة، ولا تنتشر هذه الظاهرة فى الأحياء الغنية فقط مثل مصر الجديدة وجاردن سيتى، ولكن فى المعادى وكوبرى القبة، وكلما بعدنا عن المركز قل الطلب، لأن الأسعار تقل ما يعنى تقليل هامش الربح الذى يحصل عليه المقاول. وأضاف «نصار» إن 70 % من سوق العقارات فى مصر غير مسجل ولا يمكن رصده، لأن أغلب المقاولين الصغار يلجأون لحيل غير قانونية للحصول على العقارات القديمة، وطرد السكان وهدمها بدون ترخيص وإعادة البناء أيضا بدون ترخيص، ما يجعل حصر ورصد عدد الوحدات المطروحة فى السوق وأسعارها أمرًا غير معلوم لأجهزة الدولة. وفى الغالب يلجأ المقاولون للبناء فى أيام العطلات الرسمية نهاية الأسبوع وإجازات الأعياد الدينية والقومية، ونقل مواد البناء من طوب ورمل ودهانات فى ساعات متأخرة من الليل، ويلجأون لعملية تدليس فى البيانات لتوصيل المرافق للعقار الجديد بنفس بيانات العقار القديم قبل هدمها. وشدد على أنه على الرغم من أن هذه العقارات غير مسجلة فهى الأكثر رواجًا فى السوق المصرية لأن أسعارها أقل كثيرًا من المشروعات العقارية المسجلة بشكل قانونى سليم، ولأن أغلبها فى المدن الجديدة. وتابع: «الأحياء القديمة تتفوق على المدن الجديدة، فهى فى قلب العاصمة، وتتقاطع بها خطوط النقل إلى جميع أطراف العاصمة، ويوجد داخلها أو بالقرب منها أسواق شعبية رخيصة وأخرى حديثة «هايبر ماركت». ثروة مهدرة واعتبر الدكتور حسين جمعة، رئيس جمعية الحفاظ على الثروة العقارية، أن العقارات التى تبنى بشكل مخالف فى الشوارع الجانبية بجميع أحياء القاهرة والمحافظات، هى ثروة عقارية مهدرة لا تحصل الحكومة منها أى ضرائب أو رسوم على عمليات البيع والشراء ولا على التسجيل. ولفت إلى أن الثروة العقارية فى مصر قدرت بأكثر من 30 مليار جنيه، ولكن كان ذلك قبل قرارات التعويم وزيادة أسعار الوقود، ومن ثم فالرقم يحتاج إلى مراجعة مرة أخرى، وأشار إلى أن ملاك العقارات المخالفة لا يستطيعون تأسيس اتحادات ملاك بشكل رسمى، لأن عقاراتهم ليس لها أوراق رسمية لدى الجهات الحكومية، وهو أمر يعطل عمليات الصيانة الدورية لهذه العقارات بما يحافظ على قيمتها ويطيل من عمرها الافتراضى. وأوضح «جمعة» أن الحكومة خلال العقود الماضية ساهمت بشكل كبير فى تحقيق مافيا العقارات لثروات طائلة فى فترات زمنية وجيزة جدًا، ففى كل مرة كانت تصدر الحكومة وتحديدا الجهات المسئولة عن المرافق مثل المياه والكهرباء، بتقنين أوضاع المخالفين، ولو بشكل مؤقت كانت تنعش عمليات البيع لهذه العقارات، لأن أى شقة لن تستطيع أى أسرة أن تسكن بها بدون أن يصلها كهرباء ومياه، وبدونهما فالشقة تتحول لأموال مجمدة ولا قيمة لها..وتابع أن المقاولين الصغار استطاعوا تحقيق مكاسب مرتفعة من بيع عقار واحد مخالف، ما شجعهم على التوسع وتكرار التجربة وتحقيق مكاسب أكبر فبدأ بعضهم فى السعى للحصول على أكثر من عقار فى نفس المنطقة، وبدأ سماسرة العقارات فى أغلب المناطق يعملون لصالحهم، ويرشدونهم على العقارات القديمة التى يسكنها عدد قليل من الأسر ومساحتها كبيرة، ليبدأوا فى وضع خطة التواصل مع الملاك، ثم التخلص من السكان. •