على عاتقهم يحملون مرارة الواقع، قضاياه. مشاهده. لقطاته، يعيشونها حتى النهاية، يتحدثون عنها، ويحاولون تجسيدها والبحث عن مخرج منها. نجوم شباب، مواهب حقيقية، أبت أن يقف أمام موهبتها عائق الإنتاج، فقررت تقديم أعمال مستقلة، ومع توالى الأعمال والأدوار وتوالى النجاحات. كانت السينما المستقلة. لغة سينمائية شبابية، واقعية، مختلفة، تمردت على السائد والتقليدى فى صناعة السينما.. أفكار وموضوعات وإنتاج، تمردت على أولويات السوق، تمردت على العرض والطلب، فرصة للتجريب والخيال، فرصة للتحرر من القالب السينمائى المتعارف عليه. ذاع صيت السينما المستقلة أو سينما الشباب عقب ثورة يناير، وذاع معها صيت عدد كبير من الأفلام الجادة وفى الوقت نفسه ذاع صيت أبطالها الذين كان غالبيتهم من الشباب، سواء كممثلين أو كتاب أو مخرجين، مصورين ومنتجين. قبلها وببساطة خرجت العديد من الأفلام المستقلة إلى النور، ففى عام 2009 ظهر فيلم «عين شمس» للمخرج إبراهيم البطوط، وعرض فيلم «هليوبوليس» للمخرج أحمد عبدالله ومن بطولة خالد أبوالنجا، حنان مطاوع، هانى عادل، تامر السعيد. وفى عام 2011عرض فيلم «ميكرفون» من بطولة خالد أبوالنجا، أحمد مجدى، يسرا اللوزى ومن إخراج أحمد عبدالله، غيرها من الأفلام التى أشاد بها النقاد، على مستوى أفكارها ومواضيعها أو على مستوى أداء أبطالها. تزامن ميلاد السينما المستقلة فى مصر مع ميلاد نخبة من المواهب الشابة وفى الوقت نفسه كانت نقلة فى مشوار البعض الآخر من النجوم الشباب. رغم الإشادة النقدية التى أحاطت بهذه النوعية من الأفلام وأبطالها إلا أنها لم تنجح فى تحقيق النجاح الجماهيرى والتجارى فى ذلك الوقت، ومع ثورة 25 يناير كانت السينما المستقلة وأبطالها على موعد مع منحى آخر. فى الوقت الذى توقفت فيه عجلة الإنتاج السينمائى انطلقت السينما المستقلة متخذة من الثورة عنوانًا لمنحى آخر فى مسيرتها، ففى عام 2011 عرض فيلم «18 يوم» من تأليف وإخراج نخبة من الكتاب والمخرجين ومن بطولة حمزة العيلى، ناهد السباعى، أحمد داوود، عمرو واكد. وفي 2013 قدم المخرج إبراهيم البطوط فيلم «الشتا اللى فات» من بطولة عمرو واكد، صلاح الحنفى، فرح يوسف، على القاضى، وفى عام 2012 قدمت المخرجة هالة لطفى فيلم «الخروج للنهار» من بطولة دنيا ماهر، دعاء عريقات. أمل جديد ساهم فى انتشاره النجوم الشباب أبطال الأفلام المستقلة التى واصلت صعودها فى مواجهة أى أحداث أو صعوبات، حتى وصلت بأبطالها إلى العالمية، فقد نجح عدد كبير من الأفلام المستقلة فى حصد العديد من الجوائز والترشيحات فى أشهر المهرجانات الدولية. • تمويل ذاتى حصد مخرج فيلم «ميكرفون» الشاب أحمد عبدالله الجائزة الذهبية من مهرجان قرطاج، وفيلم «آخر أيام المدينة»، الذى فاز بجائزة كاليجارى من مهرجان برلين السينمائى الدولى، وفيلم «عين شمس» لمخرجه إبراهيم البطوط فاز بجائزة أفضل فيلم من مهرجان سان فرانسيسكو للفيلم العربى، بينما فاز بطل الفيلم باسم سمرة على جائزة أفضل ممثل فى مهرجان روتردام للفيلم العربى. وفيلم «بصرة» من تأليف وإخراج أحمد رشوان الذى فاز بجائزة أفضل فيلم روائى طويل من مهرجان الفيلم العربى ببروكسيل، وغيرها من الجوائز التى تبرهن على أن السينما المستقلة باتت واحدة من أبرز مكاسب السينما المصرية، فقد نجحت فى تمثيل مصر فى أشهر المهرجانات السينمائية حول العالم. من أشهر المواهب الشابة التى ذاع صيتها تزامنا مع انطلاق مسيرة السينما المستقلة كان الكاتب والمخرج أحمد رشوان الذى قال عن تجربته مع السينما المستقلة: «تجربة أضافت إلى الكثير على المستوى المهنى، استفدت كيفية صناعة فيلم جيد بميزانية محدودة، كيف لفريق عمل أن يكون شديد الإيمان بتجربة وبفكرة، فالفارق بين السينما التجارية والسينما المستقلة هو التمويل، الذى عادة يكون ذاتيًا أو محدودًا فى السينما المستقلة، فأنا على مشارف البدء فى تجربة جديدة فى الإطار نفسه، أعمل حاليا عليها لتنفيذها وخروجها للنور». وعن مصير السينما المستقلة أكد رشوان: «المعايير اختلفت فى الفترة الحالية فيما يخص السينما المستقلة، سواء على المستوى الاقتصادى أو اتجاه العديد من نجومها إلى التليفزيون، المشكلة الرئيسية التى تواجه السينما المستقلة هى التوزيع، تأثير السينما المستقلة فى الوقت الراهن ليس بنفس قوة الأعوام الماضية، وقد تكون السينما المصرية ليست فى أفضل حالاتها فى الوقت الحالى ولكن هذا لا يقتصر عليها، وإنما أيضا هذا الركود شمل السينما التجارية أو صناعة السينما بشكل عام. أما فيما يخص النجوم الشباب للسينما المستقلة والذين ذاع صيتهم فى فترة ما، فلا يزالون متواجدين ولكن فى حالات مختلفة، على سبيل المثال مسلسل «هذا المساء» الذى أرى أنه واحد من أفضل الأعمال التليفزيونية فى شهر رمضان الماضى لمخرجه تامر محسن، المخرج السينمائى صاحب البصمة فى السينما المستقلة والذى نجح فى حفر بصمته فى التليفزيون بهذا المسلسل. فى رأى رشوان أن الاتجاه إلى التليفزيون أسبابه كثيرة، أبرزها قلة التمويل أو الدعم، نتيجة تراجع غالبية الجهات التى كانت مصدرا لتوفيره وإغلاق غالبيتها، فتأثرت وبقوة صناعة السينما المستقلة مثل صندوق سند الذى تم إغلاقه، نتيجة إغلاق المهرجان الذى يتبعه وهو مهرجان أبو ظبى. ورغم كل هذا تظل السينما المستقلة تواصل مشوارها، فهى فى فترة ما كانت الأمل للكثير من السينمائيين الموهوبين، استعد لتجربة جديدة وأيضا المخرج «تامر عزت» يستعد لفيلمه الجديد والذى قامت بإبداع السيناريو الخاص به الكاتبة الراحلة نادين شمس، والمخرجة هالة لطفى تستعد أيضا لتقديم ثانى أفلامها الروائية الطويلة عقب النجاح الذى حققه فيلمها «الخروج للنهار»، وغيرنا من المخرجين والكتاب الذين لا تزال لديهم محاولات فى السينما المستقلة التى فى يوم ما ليس بالبعيد وجدوا منها منفذا لخروج موهبتهم وأعمالهم للنور». • الجهات الداعمة الأربعة أيضا من المواهب الشابة الحقيقية التى ذاع صيتها هو الفنان على صبحى الذى خاض أول تجاربه التمثيلية من خلال فيلم «علي معزة وإبراهيم» للمخرج شريف البندارى فى أولى تجاربه الإخراجية لفيلم روائى طويل، جاء إنتاج الفيلم من مجموعة من أوجه الدعم من مهرجان قرطاج السينمائى ومهرجان دبى السينمائى، مهرجان فينسيا السينمائى ومؤسسة الدوحة. استطاع أن يمثل مصر فى العديد من المهرجانات الدولية حتى قبل عرضه بدور العرض المصرية، حصل على صبحى بطل الفيلم على جائزة أفضل ممثل من مهرجان دبى السينمائى الدولى، الذى شهد العرض الأول للفيلم يقول صبحى عن الفيلم: «تجربة فريدة من نوعها، بداية من مرحلة تطوير الفكرة مع المخرج إبراهيم البطوط، فالجميع وضع ثقته فى الكاتب أحمد عامر، المخرج شريف البندارى، المنتج محمد حفظى، فقد كانت تجربة غاية فى المتعة، بالإضافة إلى ندى «محدش يقول معزة» أمتعنى كثيرا ووضعنى فى اختبار كممثل. أما فيما يخص الجائزة قال على: لم أكن أتوقع فوزى، وذهبت إلى حفل الختام مثلى مثل جميع الحاضرين ولكن إذا بالصدمة الجميلة التى كانت فى انتظارى، فهى مجرد بداية. وعن السينما المستقلة أكد على: «تيار سينمائى مهم فى تاريخ السينما المصرية المعاصرة، فأنا أرى منه نهضة مطلوبة ستظهر العديد من الأفكار والمواهب والتجارب الجديدة والمختلفة والأهم.. الأصيلة».•