د. عاطف الشيتانى مقرر المجلس القومى للسكان - سابقا هل تراجع نصيب المرأة فى سوق العمل سبب فى الانفجار السكاني؟ هذا أحد الأسئلة المحيرة، حاليا، بعد أن أظهرت نتائج المسح السكانى الصحى الأخير - مصر 2014، ارتفاعا ملحوظا فى معدلات المواليد.. فبعد أن كان معدل المواليد 46.6 فى الألف عام 1959 طبقا للتقرير الصادر فى العام التالى من مصلحة الإحصاء والتعداد المصرية، وبذلت الدولة جهودا كبيرة على مر عقود حتى وصل الرقم إلى 25.5 فى الألف عام 2005، ارتفع ثانية ليصل إلى 31.9 فى الألف عام 2012 وبعدها انخفض قليلا وببطء شديد غير مطمئن خلال السنوات القليلة الماضية. بعدها بدأ جميع المختصين والمهتمين بالقضية السكانية يتساءلون لماذا حدث ذلك؟ رغم أن خصوبة المرأة ترتبط بالحالة الاجتماعية والصحية والاقتصادية والتعليمية بشكل معقد، فالإجابة عن هذا السؤال تتطلب الغوص فى الماضى سريعا للتعرف على علاقة نصيب المرأة من الوظائف، وبين عدد المواليد الذين ينضمون لعدد السكان سنويا. وفى دراسته «الحركة الوطنية فى مصر 1918 - 1952» ذكر المؤرخ د. رءوف عباس أن نسبة المعدمين من سكان الريف كانت تبلغ 76 %عام 1937، وبلغت نسبتهم 80 %من جملة السكان عام 1952. وكأن ثورة يوليو 1952قد قامت لتخرج المرأة المصرية من النفق المظلم، فقبلها لم تكن هناك معلومات عن وضع المرأة حتى فى التقارير الإحصائية الرسمية، وكأنه لم يكن هناك مهمة للمرأة غير إنجاب وتربية الأطفال. فى 1952 وصل معدل المواليد فى مصر إلى 45.2 فى الألف «أى كل ألف شخص ينجبون 45 طفلا»، وكان عدد السكان حوالى 21.5 مليون نسمة، وكان معدل الوفيات مرتفعا أيضا «وصل إلى 17.8 فى الألف». ورغم أن الدولة قد نفذت العديد من التعدادات السكانية للحصول على معلومات عن سكان مصر، فيبدو أن نتائجها أفادت المحتل البريطانى، الذى كان يشرف عليها، أكثر مما أفادت الحكومة المصرية. لم تكن المرأة تحسب ضمن القوى العاملة بمصر قبل ثورة 1952، وهذا يظهر فى تقرير «إحصاء القوة العاملة بالعينة. إقليم مصر 1957 - 1958»، الصادر عن لجنة التخطيط القومى الذى لم يذكر النساء إلا عندما صنف العينة طبقا لدرجة التعليم، وكانت نسبة الأمية بين النساء 84%، و61 %بين الرجال. كان من الواضح أن التعليم أولا ثم العمل. ولم يستغرق الأمر طويلا من عبدالناصر لإظهار دعمه للمرأة المصرية، فمنحها حقوقها السياسية كاملة فى دستور 1956 الذى تضمن ولأول مرة حق المرأة فى الانتخاب والترشُّح، كما تساوت مع الرجل فى الحصول على الوظيفة العامة وفى الأجور والرواتب. دخلت المرأة سوق العمل من بوابة التعليم، أصبحت مديرا عاما وأستاذة فى الجامعة حتى وزيرة. وفى عام 1957 دخلت أول امرأة مصرية للبرلمان، وأصبح إعلاء شأن المرأة ومنحها المكانة اللائقة بها فى المجتمع هو حجر الزاوية فى جهود التنمية أثناء حكم عبد الناصر، وأكد ذلك عندما أعلن فى الميثاق «أن المرأة لابد أن تتساوى بالرجل، ولابد أن تسقط بقايا الأغلال التى تعوق حركتها الحرة حتى تستطيع أن تشارك بعمق وإيجابية فى صنع الحياة». كان لدخول المرأة سوق العمل المصرية خاصة القطاع الحكومى أثر إيجابى، مع عوامل أخرى، على انخفاض معدل المواليد من 45.2 فى الألف فى عام الثورة، إلى 35.1 فى الألف عام 1970 مع نهاية حكم ناصر، طبقا لإحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وتوالى الانخفاض بعدها. ونعود للسؤال: ما الذى جعل المرأة تميل لإنجاب أطفال أكثر مرة أخري؟ فى ثمانينيات القرن الماضى توقفت الحكومة عن تعيين الخريجين الجدد، بناءً على خطة تعتمد على تقليص عدد العاملين بأجهزة الدولة والتوسع فى القطاع الخاص لاستيعاب خريجى الجامعات، ووفقا لدراسة أجراها د. راجى أسعد وكرافت عام 2014 أن مسح سوق العمل المصرية، بين ارتفاع نسبة العاطلات عن العمل من 23.7 %فى عام 2006 إلى 27.6 %فى عام 2012 على الرغم من كونهن يمثلن 23 %فقط من القوى العاملة. والسؤال الآن: ماذا سيحدث فى معدلات الخصوبة فى الفترة القادمة فى ظل ارتفاع معدلات البطالة بين السيدات، وقصر المشروعات الموجهة لهن على فكر المشروعات الصغيرة، التى تقوم بها المرأة من البيت، فلا تمنعها من الاستمرار فى الإنجاب؟. إجابة هذا السؤال تقع على كاهل الحكومة، فالإسراع فى التوسع فى بناء المصانع التى تناسب عمل المرأة واختيار أماكنها بعناية بعيدا عن القاهرة، وبالقرب من المناطق السكانية المزدحمة، مثل ريف الصعيد أصبح حتميا، لتوفير الوظائف التى تشجع النساء على المشاركة فى الإنتاج بدلا من الانشغال بإنجاب مزيد من الأطفال.