حكايات من الحرملك، لا داعى للتحفز، لا داعى للإنكار فأنا هنا واحدة من أبناء جلدتكم، أعرف أسراركم، أحمل نفس الجينات المراوغة لبنات حواء، بى بعض مكرهن، أفهم معنى نظراتكن، أتذوق الدموع الأنثوى، ودموع الوجع، أفرز ابتسامات حقيقية بريئة بعذوبة فتاة بكر تخطو خطواتها الأولى لمياه الحياه، وأميز ابتسامة موجهة لصاحب نصيبها تتقن صاحبتها فنون الأنثى.. من يدرك دروب الأنثى إلا الأنثى، ليس صحيحا أن هناك من يعرف أنثى بين الرجال، فنحن من نربيهم، نحن من نشكلهم، نحن نعرفهم ولكنهم أبدا لن يعرفوننا، نملك خرائط نفوسهم، ولكنهم يضيعون بين دروبنا.. لا داعى للتوتر، فلتبقين مسترخيات على أرائككن فى براح الحرملك، أنقل حكايات وأسرار بنات حواء منتصرات ومقهورات، صادقات وكاذبات، مدانات ومغلوبات على أمرهن. (1) عدلت من جلستها على دكة خشبية على ظهر سيارة ربع نقل، تقطع الطريق وسط القبور إلى مقام السبع بنات بالبهنسا، ألقت نظرة خاطفة على وجه أمها العجوز، رددت فى سرها «سامحينى يامه مبهدلاكى معايا».. تدمع عينها وهى تنتظر دورها لتصعد الجبل الرملى، تهمهم.. يارب. - اطلعى يا بنتى، قادر ربنا يجبرك - يارب يامه يارب تلملم الإيشارب تحكمه حول رقبتها تتمدد على كثبان رملية ساخنة، تنام على جانبها الأيمن وتبدأ فى الدحرجة، مرة وراء المرة، 7 مرات قبل أن تنفجر فى البكاء. - ببركة النبى يارب يا كريم وحق السبع بنات الطاهرين نولها اللى فى بالها يارب. - تمد أمها يدها لأم محمد خادمة السبع بنات، تدس عشرين جنيها. - إيه ده يا حاجة، افرطى إيدك علشان ربنا يراضى بنتك بالخلف والذرية. - يجبرنا الكريم ونجيلك مخصوص نحلى بقك.. وندبح ندر للبنات. تترك أمها تجادل، تجمع شتات نفسها، تنفض الرمل العالق بطرف الجلباب وتجلس على حجر لالتقاط أنفاسها.. تتحرك للضريح المغطى بسجادة حمراء متهالكة، ترتمى فوقه برأسها قبل أن تبدأ النهنهة بالبكاء، لا يسمع أحد ما تقوله.. متشعلقين بحبالك يارب تحتضنها أمها.. - قومى يابتى قومى، هى سلفتك شاهرتك وأنا نبهت عليكى قبل الدخلة متدخلش عليكى وهى حايضه، أهى شاهرتك، بكره نروح الترب وتخطى. - يامى أخاف أخطى الميتين. - يابتى مبيدناش اسمعى كلام أمك، أهل جوزك ميصبروش على الخلفة. (2) انتبهت لموطئ قدمها، تتلمس طريقها وأمها بين القبور، فى أثر التربى الذى مضى بخطى من يعرف وجهته بدقة. سألته بصوت مرتجف، المرحوم ده أديله كتير. - لازم يكون عدى عليه الأربعين بزمن يا ست، إنتى فكرانا إيه، كفرة، إحنا بنخدم لوجه الله، ياما نسوان قبلك ربنا رضاهم بعد ما خطو، دى حاجة معلومة ومجربة من سنين. يقوم التربى بإزاحة العتبة فوق أحد المقابر، ينزلق بداخل الفتحة، يخرج حاملا بعض العظام وجمجمة يفرطها على الأرض. - خطى يا ست واخلصى النية. تشهق خوفا، تمسك بيد أمها. - تدفعها أمها.. خطى يابنتى خلى المشاهرة تفك. - يرد التربى خديها بكرة تندر فى مولد العدرا فى جبل الطير. - ناخدها يا ولدى ناخدها، بس ربنا يرضى ويراضى. (3) وقفتا على أحد مراسى النيل تنتظران المعدية لتنقلهما للبر الشرقى وصولا للدير، ألقت بطرف الطرحة السوداء على وجهها، تحمى وجهها من نقح الشمس. على دير العدرا ودينى زاد فرحى والرب داعينى يا شفيعة يا أم الديان أمدح فيك بصوت رنان تدعينى وأنا أجيك فرحان يا ريس ودينى للعدرا وأنا أديلك من ندرى شمعة على دير العدرا ودينى اتكأت أمها على يدها وهما تصعدان السلم الحجرى لقلب جبل الطير، تحمل فى اليد الأخرى كيسًا أسود به دستة من الشموع. فى شارع ضيق بجانب الدير، تطل البيوت برأسها على الزائرين، يجلس طابور طويل من الشحاذين مستندين إلى حيطان الدير فى انتظار صدقات الزائرين. فى الماجور وضعت أمها جنيهات قليلة، ورددت بصوت ضارع راجين شفاعتك يام النور. انشغلت بإشعال الشموع والبكاء، يا عدرا راضينى بطرف عيل، راضينى يام النور. - ندر عليا ما يصرخ العيل فى قلب البيت لأوزع العيش واللحمة، وامسح سلالمك يا عدرا. تطبطب أمها عليها.. متشعلقين بحبالك يارب.•