هذا العنوان هو خلاصة القول، بالطبع، لكنه يحتاج إلى شرح وتوضيح وعودة إلى تاريخ طويل للعلاقة التى بدأت بقيام بريطانيا بمبادرة تأسيس وتمويل ومساندة جماعة الإخوان المسلمين منذ نحو 90 سنة. وعندما جلست لكتابة هذه القراءة السريعة لقصة الزواج الكاثوليكى بين بريطانيا والجماعة، كانت عناوين الصحف البريطانية تشير إلى قصور وتقصير من جانب السلطات الأمنية البريطانية فى حماية البلاد من العناصر الإرهابية التى تقوم بعمليات مفاجئة ومرعبة فى قلب العاصمة لندن ومدن أخرى كبرى مثل مانشستر، حتى إن زعيم الحزب المعارض «جيرمى كوربين» طالب بإقالة رئيسة الوزراء «تريزا ماى» لتقصيرها فى حماية المجتمع من الانتحاريين وقصور أداء حكومتها وإهمالها لهذه المهام منذ كانت تتولى وزارة الداخلية. فقد تبين أن العناصر التى قامت بالعمليات الإرهابية خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، بمعدل تفجير كل شهر، كانت مرصودة لدى أجهزة الأمن المختصة، لكنها لم تتابع نشاطاتها أو تسيطر على حركتها أو تعتقلها! ومع تصاعد العمليات وتزايد أعداد الضحايا من القتلى والمصابين، يتصاعد الحديث ويتواصل عن السر وراء فشل الحكومة فى التصدى والملاحقة والتوقيف ومنع هذه الجرائم أو حتى الحيلولة دون وقوعها. عناصر متداخلة ومتشابكة والمشكل متعدد الأوجه ومعقد وعناصره متداخلة ومتشابكة بما يجعل عملية القضاء على الإرهاب مهمة صعبة وتكاد تكون مستحيلة خاصة لو علمنا أن السلطات البريطانية تعتبر شريكا وفى بعض الأحيان، راعيا ومؤسسا بالتمويل والحماية والتغاضى، فى تشكيل المنظمات والجماعات الإرهابية المسلحة والانتحارية، وجماعات التكفير الإسلامية، بداية من الإخوان المسلمين فى مصر، و«القاعدة» وغيرهما. وفى كل المناسبات التى تجعل الحديث عن الإرهاب وجماعاته وعملياته موضوع الساعة فى بريطانيا وغيرها، يتسابق الخبراء والمحللون والمعلقون وكبار الساسة والاستراتيجيون والمتخصصون فى دراسة الفكر المتطرف وأعمال العنف والفكر الجهادى ومنظماته، ويقدمون الإفكار والتنظيرات والحلول والمخططات بهدف القضاء على الإرهاب، وتشكل اللجان والهيئات وتنظم الحملات.. ويكثر الرغى ويطول، دون أدنى إشارة إلى الأسباب الحقيقية وراء انتشار وتغول هذه الظاهرة. لا أحد يسأل عن أثر تدمير العراق والإجهاز على ليبيا وتعقيد وضع سوريا وتمزيق اليمن.. وعن دور بريطانياوأمريكا وغيرهما فى كل هذا وعن ظهور وتفاقم ظاهرة الجماعات والمنظمات الجهادية الإرهابية، كنوع من الانتقام والثأر لما جرى ويجرى فى هذا البلاد العربية الإسلامية على يد بريطانياوأمريكا. ولا أحد يسأل عن حقيقة شائكة أخرى، هى أن هذه المنظمات المكروهة الآن، هى صنيعة ووليدة بريطانياوأمريكا وغيرهما. لا أحد يعود بنا إلى بدايات الأمور وكيف أن بريطانيا على مدى الزمن وفقا لسياستها الثابتة التى لا تتغير بتغير الحزب الحاكم سواء «المحافظين» أو «العمال» تقوم قاعدة أمنها الوطنى على مبدأ تأمين مصالحها من خلال تكوين، وخلق، والتحالف مع، ودعم، كل ما من شأنه تخريب منطقة المصالح الحيوية التى تعتمد عليها «الشرق الأوسط» بمساندة النظم الخاضعة لسيطرتها، وقلقلة أوضاع البلاد والنظم التى تتطلع وتسعى وتحقق الحرية والاستقلال وتتخلص من التبعية لقوى الاستعمار. لا أحد يطرح هذه الأمور بشكل مكشوف أو حتى على استحياء، لماذا؟.. لأن هذا الطرح وهو الصحيح سيكشف بوضوح أن بريطانيا التى تصور نفسها الآن كضحية، هى المجرم الحقيقى، هى صانعة «الإخوان المسلمين» وراعية «القاعدة» و«بن لادن» والجهاديين الذين مولتهم مع أمريكا، لضرب النفوذ السوفيتى فى أفغانستان، ثم انقلبوا عليها عندما خربت أوطانهم وعالمهم العربى الإسلامى. ولا أحد بالطبع يبرر الإرهاب وأعماله المنافية للمبادئ الإنسانية كلها، وتعتمد أساليب وحشية وتقتل الأبرياء بطريقة عشوائية. لا أحد يتعلم من الدروس لكن المشكل أن أحدا لا يتعلم من الدروس والوقائع التى تجرى أمام الجميع، لا أحد تعلم من درس اغتيال السادات على يد عناصر من جماعة جهادية تؤمن بفكر التكفير الذى أسسه وروجه وأطلقه مفكر الإخوان المسلمين «سيد قطب».. وكان السادات هو من أطلق سراح الإخوان وشجعهم اعتقادا منه أنه بذلك يقضى على كل فكر وعمل سياسى يسارى أو ناصرى أو حتى ليبرالى، فكان مصيره المعروف والمأسوف له وعليه. وفكرة تشجيع قوى اليمين السياسى والتطرف الدينى، للقضاء على قوى اليسار والديموقراطية والحرية ومقاومة الاستعمار، هى بؤرة استراتيجية بريطانيا، فى كل العصور، من قبل تشرشل وإيدن وثاتشر، وحتى الآن. وفى تعبيرنا الشعبى الحكيم نقول إنهم: «أطلقوا العفريت من القمقم فطلع لهم».. وقتلهم. ونحن ضد القتل فى كل الأحوال إلا دفاعا عن النفس ضد العدوان الغاشم، أو بأحكام قضاء عادل، لكننا هنا نناقش الأمر بهدوء وبعيون مفتوحة على كل زوايا الصورة وخفاياها. والحقائق ذات الصلة متاحة وبوفرة فى عصر الانترنت والفضاء المعلوماتى. وهذه جولة قصيرة مع بعض الحقائق: بريطانيا مع الإرهاب كتاب «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الإسلاميين الأصوليين» للكاتب الصحفى والمؤرخ البريطانى «مارك كورتيس» يؤكد أن الحكومات البريطانية، من العمال والمحافظين على حد سواء فى سعيها لتحقيق ما يسمى «المصلحة الوطنية» فى الخارج، تواطأت عقوداً طويلة مع القوى الإسلامية المتطرفة، بما فى ذلك التنظيمات الإرهابية، فقد تسترت عليها، وعملت إلى جانبها وأحياناً دربتها ومولتها، بغية الترويج لأهداف محددة للسياسة الخارجية وغالباً ما فعلت الحكومات ذلك فى محاولات يائسة للحفاظ على قوة بريطانيا العالمية التى عانت من أوجه ضعف متزايدة فى مناطق أساسية من العالم؛ نظراً لعجزها عن أن تفرض إرادتها من جانب واحد وافتقارها لحلفاء آخرين. ومن ثم فالمسألة ترتبط فى الصميم بقصة انهيار الإمبراطورية البريطانية ومحاولة الإبقاء على نفوذها فى العالم. • وقد أقامت بريطانيا مع بعض القوى الإسلامية المتطرفة تحالفاً استراتيجياً دائماً لضمان تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأساسية طويلة الأجل، ودخلت فى زواج مصلحة واتحاد وثيق العرى بصورة مؤقتة مع قوى أخرى منها لتحقيق نتائج محددة قصيرة الأجل. وقد أشار بعض المحللين إلى أن الولاياتالمتحدة تعهدت «أسامة بن لادن» و«القاعدة». ويضيف الكاتب: ولكن هذه التقارير خلت من الحديث عن دور بريطانيا فى تشجيع الإرهاب الإسلامى على الدوام، ولم تجر رواية القصة كاملة مطلقاً، ومع ذلك، فقد كان تأثير هذا التواطؤ على صعود التهديد الإرهابى أشد من تأثير الثقافة الليبرالية البريطانية. ويضيف أيضا: التقارير المتفرقة، والوثائق السرية للحكومة التى أفرج عنها، كشفت الصلة بين أجهزة الأمن البريطانية والمتشددين المتأسلمين الذين كانوا يعيشون فى لندن. فقد توارد أن بعضاً من هؤلاء الأشخاص كانوا يعملون عملاء أو مخبرين لبريطانيا إبان انخراطهم فى أعمال الإرهاب فى الخارج. ومن الجلى أن البعض منهم كانت تحميه أجهزة الأمن البريطانية عندما كان مطلوباً من قبل حكومات بلاده. • الحكومة البريطانية تواطأت مع مجموعتين من القوى الفاعلة المتأسلمة كانت لهما ارتباطات قوية ببعضهما البعض. تضم المجموعة الأولى دولاً أساسية راعية للإرهاب المتأسلم، والمجموعة الثانية هى الحركات والمنظمات المتطرفة. ومن بين أكثر هذه الحركات نفوذًا التى تظهر على امتداد صفحات الكتاب، الإخوان المسلمون، التى تأسست فى مصر فى 1928 وتطورت لشبكة على النطاق العالمى. ودونا عن عواصم العالم كلها تبقى لندن عاصمة التنظيم الدولى للإخوان المسلمين تسمح له بالتواجد والنشاط وترعاه وتتغافل عن سرية أعماله وعلاقاته الدولية وبياناته السياسية المناهضة لدول عربية وإسلامية. وكان التنظيم الدولى للإخوان قد تشكل فى أعقاب قضاء مصر على جماعة الإخوان وسجن معظم قياداتهم فى عام 1965. وتمكن من هربوا من مصر وقتها من الفوز بمؤآزة بريطانيا التى كانت تكن العداء والكراهية للزعيم عبدالناصر ونظامه وتعتقد أنها بمساعدة الإخوان تهدد وقد تهدم نظامه وتقيم نظام الإخوان العميل لها، فتضمن استعادة سيادتها التى انتهت عام 1956 على يد عبدالناصر نفسه. وهذه قصة طويلة. فى الأسبوع المقبل نكمل.