ميناء دمياط يستقبل 7 سفن ويُصدّر أكثر من 48 ألف طن بضائع عامة    محافظ القليوبية: التشديد على رؤساء المدن والأحياء على اليقظة التامة خلال أجازة عيد الأضحى    الأونروا: الآلية الحالية لتوزيع المساعدات بغزة لا تلبي الاحتياجات    مباحثات في مصر بشأن الأزمة في غزة والنووي الإيراني    اشتعال النيران بسيارة محملة مواد بترولية على طريق الواحات بالجيزة    طقس ربيعي مائل للحرارة في الإسكندرية رغم توقعات الأرصاد بسقوط أمطار    نائب وزير الصحة: إعطاء 65 مليون جرعة تطعيمات سنويا لحديثي الولادة وطلاب المدارس    انخفاض تسجيلات السيارات الجديدة في فرنسا بنسبة 3ر12% خلال مايو    موعد صلاة عيد الأضحى 2025 بجميع محافظات الجمهورية.. اعرف التوقيت في مدينتك    محافظ القاهرة يتفقد مجزر 15 مايو لمتابعة الاستعدادات لاستقبال الأضاحي    المخابرات التركية تبحث مع حماس تطورات مفاوضات الهدنة في غزة (تفاصيل)    مهندس صفقة شاليط: مواقف إسرائيل وحماس متباعدة ويصعب التوصل لاتفاق    كروز أزول يكتسح فانكوفر بخماسية ويتوج بلقب دوري أبطال كونكاكاف    "فيفا حسمها".. خبير لوائح يصدم الزمالك بشأن موعد رحيل زيزو    أحمد زاهر: تعرضنا لضغط كبير ضد صن داونز وهذه البطولة تعب موسم كامل    «الإحصاء»: 38.6 ٪ انخفاض العجز في الميزان التجاري خلال شهر مارس 2025    أسعار النفط ترتفع بعد تزايد المخاوف من الصراعات الجيوسياسية    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    وزيرة التنمية المحلية توجه برفع درجة الاستعداد بالمحافظات لاستقبال عيد الأضحى    محاكمة عصابة سرقة المواطنين في حدائق القبة.. اليوم    بالفيديو.. مدير مشروع حدائق تلال الفسطاط: المنطقة الثقافية بالحدائق جاهزة للتشغيل    بالفيديو.. أستاذ تاريخ إسلامي: مظاهر عيد الأضحى لم تتغير منذ دخول الإسلام مصر    حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي؟.. الإفتاء تجيب    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    المنيا.. قوافل بيطرية مجانية تجوب القرى للحفاظ على الثروة الحيوانية ومنع ذبح الإناث في عيد الأضحى    مستشفى الخانكة التخصصي ينقذ رضيعة تعاني من عيب خلقي نادر    مد فترة حجز شقق "سكن لكل المصريين7" لهذه الفئة    فتح باب التقديم الإلكترونى للصف الأول الابتدائى ورياض الأطفال بدمياط    منافس الأهلي.. بالميراس يفرط في صدارة الدوري البرازيلي    رئيس التشيك: نأمل في أن تواصل قيادة بولندا العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية    لبنى عبد العزيز: «الإذاعة بيتي كإني إتولدت فيه»| فيديو    بالفيديو.. عميدة معهد التغذية السابقة تحذر من الإفراط في استخدام السكر الدايت    مجلس الأمن الأوكرانى : دمرنا 13 طائرة روسية فى هجوم على القواعد الجوية    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    جامعة القناة ترسم البهجة على وجوه أطفال دار أيتام بالإسماعيلية    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    الصين تتهم الولايات المتحدة بتقويض التوافق الذي تم التوصل إليه خلال محادثات جنيف    مجلس الوزراء : إصدار 198 قرار علاج على نفقة الدولة خلال شهر مايو الماضى    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    ختام دوري حزب حماة الوطن لعمال الشركات الموسم الثاني    أرملة إبراهيم شيكا ترد على أنباء مساعدة سعد الصغير للأسرة    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    المتهم الثاني في قضية انفجار خط الغاز بالواحات: «اتخضينا وهربنا» (خاص)    أشرف نصار: نسعى للتتويج بكأس عاصمة مصر.. وطارق مصطفى مستمر معنا في الموسم الجديد    أحفاد نوال الدجوي يتفقون على تسوية الخلافات ويتبادلون العزاء    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    محمود حجازي: فيلم في عز الضهر خطوة مهمة في مشواري الفني    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة.. 10 كلمات تفتح أبواب الرزق (ردده الآن)    محافظ الشرقية يشهد فعاليات المنتدى السياحي الدولي الأول لمسار العائلة المقدسة بمنطقة آثار تل بسطا    محمد أنور السادات: قدمنا مشروعات قوانين انتخابية لم ترَ النور ولم تناقش    خبير لوائح: هناك تقاعس واضح في الفصل بشكوى الزمالك ضد زيزو    "زمالة المعلمين": صرف الميزة التأمينية بعد الزيادة لتصل إلى 50 ألف جنيه    رئيس قسم النحل بمركز البحوث الزراعية ينفي تداول منتجات مغشوشة: العسل المصري بخير    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    «قولت هاقعد بربع الفلوس ولكن!».. أكرم توفيق يكشف مفاجأة بشأن عرض الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لندنستانعاصمة الإرهاب المتأسلم
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 07 - 08 - 2014

تزامنًا مع موجة الثورات العاتية التي اندلعت مطلع عام 2011، وضربت كثيرًا من دول المنطقة العربية، بما فيها مصر، بلغ مدّ الإسلام السياسي ذروة صعوده وتمكينه، ومدّ يده لكي يقطف الثمار التي طال انتظارهها، ولم يكن يدري فواعله الطامحون من الإسلاموسياسيين أو مهندسوه وراعوه وممولوه، أنها اللحظة ذاتها التي سوف يبدأ فيها انحداره وانكساره واضمحلاله. وما تحصده المنطقة العربية، هذه الأيام، من ثمار مُرة فجة أفرزتها شجرة الإسلام السياسي، من فوضي وانقسام وإرهاب وقتل ودمار ومحاولات محمومة لتقويض 'الدولة القومية الوطنية' وإنشاء 'الدولة الإسلامية' بدلاً منها، كل تلك الثمار ليست وليدة اليوم وإنما وضعت بذورها واستنبتت جذورها منذ عقود طويلة ترجع إلي بدايات القرن العشرين.
والكتاب الذي سأحدثك عنه الآن، يحكي لك قصة الإسلام السياسي، وهو في طور النشأة والتخلّق لم يزل، ولم يكن منذ بدايته إلا فكرة استعمارية امبريالية بامتياز. وما يمنح سرد القصة، عناصر تشويقه وصدقه أنه جاء علي لسان شاهد من أهلها، ولا يكذب الرائد أهله، كما يقول المثل العربي. الكتاب هو 'التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين'، وهو من تأليف الكاتب الباحث البريطاني 'مارك كورتيس' وترجمة 'كمال السيد'. وقد صدر عن المركز القومي للترجمة في طبعته الثانية 2014. وبنية الكتاب الرئيسية تستند إلي الوثائق الرسمية البريطانية التي رفعت عنها السرية، وخاصة وثائق الخارجية والمخابرات.
عالج الكتاب، عبر فصوله التسعة عشر، جملة من القضايا المهمة، التي تكشف عن الدور الخطير الذي لعبه الإسلام السياسي، كضلع حرج في السياسة البريطانية الامبريالية البراجماتية، وتوظيفها له أداة للتفريق والتمزيق، وزعزعة استقرار الدول، وتقويض الأنظمة، وكسر الزعماء، وهو ما يجعلنا نفهم ما يعتمل بحاضرنا الآن من صدامات وصرعات، الإسلام السياسي حاضر فيها بقوة. ومن فصول الكتاب مثلاً: 'سياسة فرّق تسد الإمبريالية'، 'قوات الصدام في إيران ومصر'، 'الإسلام في مواجهة القومية'، 'أسلحة تحت الطلب في الأردن ومصر'، 'التدريب علي الإرهاب: الجهاد الإسلامي'، 'احتضان القاعدة'، 'لندنستان: ضوء أخضر للإرهاب'، 'مواجهة الشرق الأوسط الجديد'.
يحكي الكتاب كيف ارتبطت قصة التحالف التآمري بين بريطانيا وقوي الإسلام السياسي، بقصة انهيار الامبراطورية البريطانية ومحاولة الإبقاء علي نفوذها الغارب بعد الحرب العالمية الأولي. ومن أجل ذلك 'أقامت بريطانيا مع بعض هذه القوي الإسلامية المتطرفة تحالفًا استراتيجيًا دائمًا لضمان تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأساسية طويلة الأجل، ودخلت في زواج مصلحة واتحاد وثيق العري بصورة مؤقتة مع قوي أخري منها لتحقيق نتائج محددة قصيرة الأجل'.
ومن أجل تحقيق تلك الأهداف، واستعادة شيء من امبراطوريتها التي غربت عنها الشمس، 'تواطأت بريطانيا كما يقول مارك كورتيس مع مجموعتين من القوي الفاعلة المتأسلمة. تضم المجموعة الأولي دولاً أساسية راعية للإرهاب المتأسلم، وأهم دولتين منها هما حليفتا بريطانيا الرئيسيتان اللتان ترتبط معهما لندن بشراكة استراتيجية قديمة العهد باكستان والسعودية. والمجموعة الثانية من القوي الفاعلة المتأسلمة التي تواطأت معها بريطانيا هي الحركات والمنظمات المتطرفة. ومن بين أكثر هذه الحركات نفوذًا هي جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر 1928، والجماعة الإسلامية التي تأسست في الهند البريطانية في 1941، وأصبحت قوة سياسية وأيديولوجية كبري في باكستان. كما عملت بريطانيا سرًا إلي جانب حركة 'دار الإسلام' في إندونيسيا، والتي وفرت مرتكزات أيديولوجية مهمة لتطور الإرهاب في هذا البلد'.
وبخبث شديد ومهارة، تلاعبت بريطانيا بعقول الإسلاموسياسيين ووجداناتهم حين زرعت في طريقهم معضلة التناقض بين الإسلام والقومية. وهي قضية موهومة وزائفة وتفندها الحقيقة القرآنية حيث يقول الله تعالي: 'ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين' 'الروم: 22'. فماذا يعني اختلاف الألسنة إلا اختلاف اللغات؟ وماذا يعني اختلاف الألوان إلا اختلاف الأجناس والأعراق المكونة للقوميات؟! وحيث يقول أيضًا: 'يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير' 'الحجرات: 13'. ولكن المتأسلمين ابتلعوا الطعم جهلاً أو تواطؤًا مع القوة العظمي الراعية والموجهة والداعمة، التي كانت تري في 'القومية' خطرًا داهمًا علي نزوعها الاستعماري، ومن ثم فقد 'كان البريطانيون والأمريكيون قد أصبحوا منخرطين حينذاك في تشكيلة متنوعة من المؤامرات للانقلاب ضد سوريا والسعودية، وكذلك مصر، باعتبارها جزءًا من عملية إعادة تنظيم أكبر مخططة للشرق الأوسط لدحر 'فيروس القومية العربية'.
وفي مصر استخدمت بريطانيا الإخوان المسلمين رأس حربة لازعاج الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومحاولة تقويض نظامه القومي العربي الوليد، 'فقد ظل البريطانيون يتآمرون مع القوي المتأسلمة ضد عبد الناصر، عدوهم الرئيسي في الشرق الأوسط.. وساعدوا في هزيمة القومية العربية باعتبارها قوة سياسية كبري'.
ثم جاء الرئيس الراحل محمد أنور السادات وانخرط في المخطط البريطاني الأمريكي الداعي إلي توظيف القوي الإسلامية المتطرفة أداة في تفتيت وحدة الخصوم. وهذا ما أكدته الوثائق البريطانية التي كشفت عن ذلك قائلة 'وباعتباره رئيسًا، رفض السادات قومية عبد الناصر العربية، وطهر الحكومة من الناصريين وطرد المستشارين السوفييت في 1972 وبدلاً من ذلك، كانت استراتيجية السادات هي أسلمة المجتمع المصري وشكَّل تحالفًا جديدًا مع الولايات المتحدة. وكانت واشنطن جدّ متلهفة للعمل مع السادات لكي تنتقل مصر إلي جانب الولايات المتحدة في الحرب الباردة إلي حد أن صناع السياسة ومسئولي المخابرات 'اعتبروا إعادته لليمين الإسلامي أمرًا حميدًا وشجعوه ضمنا' والواقع، أن سياسات السادات ساعدت في التعجيل ببزوغ التطرف الإسلامي العالمي'.
وأما في إيران، وباعتراف وثائق المخابرات البريطانية، فإن 'حكاية الانقلاب المشترك الذي دبرته هيئة المخابرات الخارجية البريطانية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية في إيران في 1953، والذي أزاح رئيس الوزراء مصدق وأعاد الشاه إلي السلطة بوصفه حاكمًا مطلقًا، هي قصة معروفة جيدًا.. وهناك جانب من القصة معروف بالكاد هو التآمر البريطاني مع متأسلمين شيعة متطرفين رئيسيين في إيران، وهم أسلاف آية الله الخوميني'.
وفي التسعينيات من القرن العشرين، أصبحت لندن قلعة تؤوي الجماعات الإرهابية المتطرفة المسلحة 'علي غرار الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وجماعة الجهاد المصرية، والقاعدة نفسها من خلال مكتبها، لجنة الشوري والإصلاح، وكانت كلها قد أنشأت قواعد في لندن. كانت القاعدة تعتبر لندن 'المركز العصبي' لعملياتها في أوربا، وكان كثيرون من معاوني بن لادن الرئيسيين يعملون من هناك'.
وإذن فما نراه هذه الأيام من إيواء بريطانيا للإخوان المسلمين وغيرهم من الجماعات الإسلامية المتشددة المتطرفة، وتوفيرها مناخًا مواتيًا لهم للإثراء والاستقواء، ليس كل ذلك إلا قمة جبل الجليد، الذي كشفت لنا الوثائق البريطانية التي حواها كتاب 'مارك كورتيس' قاعدته العريضة والممتدة حتي بدايات القرن الثامن عشر، حيث دعم بريطانيا تحالف محمد بن سعود مع الإمام محمد بن عبد الوهاب في السعودية.
وبعد قراءة الكتاب، وقراءة الواقع السياسي من حولنا، فإن السؤال الكبير يطرح نفسه: هل أدي الإسلام السياسي المهمة التي احتضنته قوي الامبريالية العالمية من أجلها وهي الحصول علي شرق أوسط مفكك مفتت متمزق تسوده الاضطرابات والفوضي والفشل؟ وهل استطاع الإسلام السياسي بالفعل القضاء علي 'فيروس' الدولة القومية الوطنية المستقلة الذي ظل ولايزال يزعج أمريكا وبريطانيا؟ إن الإجابة عن ذلك مع بالغ السوء والأسف نعم، ولو جزئيًا حتي الآن. وانظروا إلي ليبيا وتونس وما تفعله فيهما جماعة أنصار الشريعة. انظروا إلي اليمن وما تفعله بها القاعدة، انظروا إلي العراق وسوريا وما تفعله فيهما داعش 'دولة الإسلام في العراق والشام'. وانظروا إلي مصر وما تفعله فيها جماعة الإخوان المسلمين، التي تجعل من إسقاط الدولة هدفًا معلنًا لها، ولولا نجاح ثورة الثلاثين من يونية لما كانت مصر أفضل حالاً من دول كثيرة حولها، وعسي أن يكون في نجاحها بداية القضاء علي 'فيروس' الإسلام السياسي المدمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.