حتى المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وصفت قانون الجمعيات الأهلية الجديد بالصفعة للعمل الأهلى. ما الذى يجعله صفعة؟ لا أحد يعرف للآن. ما الذى فى القانون الصادر مؤخرا ضيق على منظمات المجتمع المدني؟ لا أحد حتى الآن يدرك. حتى وقت قريب كانت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان هى الأعقل والأكثر حكمة، وسط «أرزقية» دخلوا العمل الأهلي، طلبا «للسبوبة»، قبل أن ينحرف بعضهم، ليرتدوا بدلة النضال، ثم تبدو عليهم مظاهر التمويل فى وقت كان التمويل الأجنبى فيه مكتوبا على جبين «العمل الوطني»! قالك صفعة. غريب اللفظ والمصطلح. هل لجوء الدولة إلى تنظيم العمل الأهلى يمكن وصفه بالإضرار بالعمل الأهلي؟ الإجابة: لا. طيب هل لجوء الدولة أخيرا لممارسة حقها فى معرفة مصادر تمويل المنظمات الحقوقية، والمدنية، وأرصدة حساباتها فى البنوك، والتأكد من أنشطتها فى الشارع المصرى يمكن اعتباره تضييقا على الحريات؟ الإجابة أيضا لا. لكن تقول لمين؟ المثل البلدى يقول: القطة أكلت أولادها. أغلب العاملين فى المجال الحقوقى يريدونها «سداح مداح» باسم الحريات، والحاجات والمحتاجات. أغلبهم يريدونها كما كانت، أموالا تدخل البلاد، على حسابات شخصية من بنوك أجنبية، تنفق فى أوجه ضد الدولة، ولما تتكلم الدولة يرفعون أوراق كوتشينة مكتوبا عليها مرة «مساعدات للغلابة والبسطاء».. ومرة «دعم الحريات السياسية فى الشارع». حتى وقت قريب، كانت مصر من الدول القليلة التى تعرف ما اسمه دعم الحريات السياسية لمواطنيها بأموال أجنبية. حتى شهور قليلة، كنا من الدول القليلة التى يسير فيها الحقوقى فى الشارع، يجمع البيانات من المصريين فى إمبابة وشبرا، ويخزن معلومات فى الصعيد، ويسأل ويستقصى فى الإسكندرية، ثم يكتب تقارير، ويرسلها إلى من شاء، وقتما شاء.. بلا ضابط ولا رابط باسم العمل الأهلي. كان يروح فين تأسيس منظمات المجتمع المدنى من على «قفا الفلاح». كان تأسيس المنظمات الأهلية فريضة. كانت أكثر ربحا من مشاريع تجارة المحمول، وكان التمويل على ودنه. فى فترة ما، وباسم الحريات، أصبح لدى كثير من المنظمات الحقوقية بيانات، ومعلومات، وأرقام، واستطلاعات رأى عن الحكومة، ونظام الحكم، وأمور أخري، وسط غياب تام للدولة، سلطات الدولة.. وكله باسم العمل الحقوقي، وباسم التغيير، ونكاية فى الأنظمة البائدة! فى وقت ما كان العمل الحقوقى مقدسا، مهما فعل الحقوقى ومهما اقترف من آثام.. كان الحقوقى رضى الله عنه. لم يكن للدولة حق تنظيم العمل الأهلى لأن رءوسه حقوقيون. هل كان يمكن للدولة اعتراض حقوقي؟ حد كان يقدر يناقش حقوقى فى حقوقه؟ لم يكن واردا، ولا ممكنا، لذلك دخلت أموال البلاد، لم يكن للدولة حق معرفة مصدرها، ولا فى ماذا تنفق. لم يكن للسلطة فى مصر، حق الاطلاع على أنشطة كثير من المنظمات الحقوقية، ولا كم ما لديهم من معلومات عن كل شيء، ولا مدى ما يتداولونه من بيانات عن أى شيء والحجة: حقوقيون. لم نعرف فى الكتاب أن الحقوقيين مرسلون. ليس فى عرف الدول أن الحقوقيين معصومون. ملعون أبوها حريات مارس بعضهم باسمها أنشطة مشبوهة، فحرضوا أجانب، وتوافقوا مع أجانب، وجمعوا أموالا من أجانب، بحجة العمل المدني. الأسبوع الماضي، نشرت «الفاينانشال تايمز» البريطانية، تقريرا حادا، نقلا عن حقوقيين مصريين وصفوا فيه القانون الجديد بالقنبلة التى تفجر العمل المدنى فى مصر. «أقولك على ماذا اعترضوا. استغربوا نص القانون على إلزام المنظمة الأهلية إعلان مقر رسمى معروف. اعترضوا على مادة أخرى اشترطت لتأسيس جمعية إعلان نظام أساسى مكتوب يتفق مع نشاطها المعلن. اعتبروا نص القانون على ضرورة إقرار النظام الأساسى لأى منظمة حقوقية التزامها باحترام الدستور وعدم الإخلال بالأمن القومى المصرى عوارا وتشددا سلطويا من الدولة! نقلت عنهم «الفاينانشال تايمز» أن القانون الجديد يعرقل العمل الأهلى لاشتراطه فى أعضاء مجالس إدارات المنظمات الحقوقية التمتع بحقوقهم المدنية والسياسية، على ألا يكون قد صدرت ضدهم أحكام نهائية بعقوبات جنائية. لا هى حجج، ولا هو منطق. ليس مفترضا فى أعضاء العمل الأهلى أن يكونوا «خريجى سجون» أو مسجلين خطر. ليست دول تلك التى تؤسس فيها جمعيات بمسمى حقوقي، ثم يتعارض نشاطها مع قوانين الدولة، أو يخالف عملها مواد قانونها. لا الحقوقيون على رءوسهم ريش، ولا الدولة على رأسها طير. لكن ممكن تعتبر أن كل ما اعترضوا عليه ليس مربط الفرس. مربط الفرس، وأس الأزمة فى النص على رقابة الدولة على ارصدة المنظمات الحقوقية، وإلزامها بإخطار الحكومة بالتحويلات النقدية الأجنبية، وأوجه إنفاقها. محرر «الفاينانشال تايمز» كتب أن صدور القانون الجديد للجمعيات الأهلية على نحو ما صدر، يعنى مزيدا من التضييق على الغلابة والمحتاجين والبسطاء المصريين الذين تقدم لهم المنظمات المصرية المساعدات. بينما فى بيانها ضد القانون قالت المنظمة المصرية إن مبلغ العشرة آلاف جنيه رسوم تأسيس الذى ألزم به القانون المنظمات الجديدة مقابل القيد لدى الحكومة المصرية واحد من أكثر العراقيل ضد الراغبين فى العمل الأهلي. قالك المبلغ مبالغ فيه. ياراجل.. منظمات مجتمع مدنى طويلة عريضة، لها فروع هنا وهناك، ومصاريف تأسيس، ومصاريف إعلان، كله لأجل مساعدة الغلابة والبسطاء تستكثر عشرة آلاف جنيه رسوم تأسيس تدفع مرة واحدة؟ أى كلام والسلام. أغلبهم فى قلوبهم مرض.. فأنى يؤفكون! •