كتبت: فريدة الشوباشي أعتقد أن الأغلبية الساحقة من البشر تدرك بالفطرة أن حق المرء ينتهى عندما يبدأ حق الآخر، فأنت حر فى شقتك، تستمع إلى الراديو كيفما شئت، هذا حقك نعم، ولكن ما هو ليس من حقك، هو رفع درجة صوت الراديو إلى حد إزعاج الجار أو الجيران، ومنعهم من الراحة أو النوم.. وقد هبت علينا فى العقود الأخيرة ثقافة غريبة عن مجتمعنا المصرى، والصور والشرائط المسجلة للحفلات والمناسبات، السابقة على هذه الحقبة، شاهد على أننا كنا نهتم بالجوهر وليس بالمظهر.. مناسبة تناولى هذا الموضوع هو أننى قد ذهلت من دفاع السيد نقيب الأطباء عن حق الطبيبات فى ارتداء النقاب، أى حقهن فى التخفى، بدعوى أن تلك «حرية شخصية!!»، أى حرية المرأة فى إخفاء هويتها، والأدهى أن تكون طبيبة فتحرم بذلك المريض من الشعور بالتواصل والطمأنينة اللازمة التى تعتبر جزءا أصيلا من العلاج.. ونسى السيد النقيب المبدأ الإنسانى العظيم، بأن إخفاء الوجه هو اعتداء على حرية الآخر الذى من حقه أن يعرف من الشخص الذى بجواره أو مع من يتعامل.. وتحضرنى واقعة أعتز بها فى هذا السياق، عندما كنت أفكر فى الحصول على ماجيستير فى القانون من جامعة السوربون الفرنسية العريقة، وتضمن أحد الكتب التى تسلمتها آنذاك، فصلا عن «التعسف فى استعمال الحق» labus du droit أى أن أى حق من الحقوق ليس مطلقا، تمارسه أو تستمتع به وحدك دون ضابط أو رابط، ما دمت لست وحدك على ظهر هذا الكوكب، فهل يمكن أن نسمح لأحد بإحداث ضجيج طوال الليل، بحيث يحرم الجيران من النوم بدعوى الحرية الشخصية؟ المهم أنه بعد سرد عدة أمثلة على أضرار التعسف فى استعمال الحق، ذهبت إلى الهامش حسب إشارة بالكتاب، ولدى قراءتى للشرح، شعرت بفخر شديد، حيث علمت لأول مرة، أن الشريعة الإسلامية هى مصدر هذا المبدأ الإنسانى العظيم!! وبالفعل، فإنك فى بلاد الفرنجة، التى تطبق عمليا هذا المبدأ العظيم، لا تستطيع التصرف بما يضايق الآخرين أيا كان العذر أو الحجة، كنا نذهب إلى فراشنا واثقين من أننا لن نصحو فزعين على صوت مزعج وأننا نمارس حقنا فى الراحة.. فأين فقهاء القانون من هذا المبدأ الإنسانى المحترم ولماذا الصمت إزاء انتهاكه بإباحة الاعتداء على حق المجتمع بدعوى «الحرية الشخصية» لأى كان؟ هل أصبح التخفى، حرية شخصية؟.. وإذا كان الزجاج الفوميه فى السيارات ممنوعا، كما يقول البعض، فهل يُعقل أن يتجول إنسان، رجلا كان أو امرأة، وهو متخف، يصول ويجول فيمارس «حريته»، فى خطف حقيبة أو طعن شخص أو.. أو.. دون إتاحة إمكانية التعرف عليه؟.. عرضت يوما على مسئول بوزارة الداخلية، رحل مؤخرا عن عالمنا، قضية امرأة منتقبة سرقت طفلا وليدا، من أحد المستشفيات وتركت أمه فى حالة يُرثى لها، وقد استحال التعرف عليها بطبيعة الحال، فرد على بصوت ملىء «بالحنان» قائلا: بس دى حرية شخصية!!.. أطلقت صرخة وأنا أكاد أنفجر غيظا وأين حريتى أنا سيادتك؟.. تطلع إلى دون أن ينبس ببنت شفة.. إن إطلاق الشعارات بلا سند قانونى أو أخلاقى، هو بداية الفوضى.. ثم الخراب. ويا أيتها الحرية، كم من الجرائم تُرتكب باسمك..•