قد تتخيل صورتك وأنت فى مستشفى الأمراض العقلية وقد جلست صامتا لوقت طويل لا تتفاعل مع من حولك، أو قد تتخيل نفسك فى حديقة المستشفى وقد أطلقت لشعرك الطويل العنان لينطلق مع نسمات الهواء دون تصفيف، أو جالس إلى زميلك فى العنبر تحكى له قصصا عن صولاتك وجولاتك مع مديرك المفترى فى العمل، أو.. أو.. صور كثيرة يمكنك أن تتخيلها أو تحيلك ذاكرتك السينمائية إلى إسماعيل ياسين فى اسكتش مستشفى الأمراض العقلية فى فيلم المليونير الفقير، أو مشهد إسماعيل ياسين الذى يقابل عددا من نزلاء المستشفى فى فيلم إسماعيل ياسين فى مستشفى المجانين. كل هذا التداعى وتلك الصور ستداعب خيالك مثلى، عندما تقرأ دعوة الدكتور طلعت حكيم، المعالج النفسى وأستاذ علم النفس بجامعة عين شمس التى أطلقها قبل أيام عبر صفحته على فيس بوك، لتجميع تلك الصور فى «إيفنت» على فيس بوك ينتهى فى آخر يوليو القادم. دعوة د. طلعت تضمنت تنظيم رحلات لمستشفى الأمراض العقلية لكل الراغبين فى المشاركة، خاصة خلال شهر رمضان المبارك لالتقاط الصور وقضاء وقت ممتع. «فكرة صورتك وأنت فى مستشفى المجانين» أخذتها من أفكار شبيهة موجودة على فيس بوك، صورتك وانت صغير، صورتك وانت فى الشغل، وانت فى الامتحانات وهكذا، ووجدت استجابة سريعة من أصدقائى على الصفحة، خاصة من طلاب الجامعة. هدف الدعوة مثلما يوضح المعالج النفسى طلعت حكيم أن يتواصل المجتمع مع نزلاء مستشفى الأمراض العقلية، الذين تتحسن حالاتهم كثيرا بتواصل الناس معهم، ولتغيير صورة المريض النفسى أو العقلى لدى الناس، فمازال الإدمان والمرض النفسى وصمة، فى حين أن الكثير من المرضى النفسيين متميزون فى مجالات كثيرة، لكن عندهم خلل فى مجال معين، وأغلبهم يعيشون بيننا وليس فى المستشفيات. • عالم مجانين خلال إشراف د. طلعت على الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه، لاحظ أن المرضى من نزلاء مستشفى الخانكة من الحالات التى تطبق عليها الرسائل، ينتظرون الطلاب بشغف، ويقول أحدهم للطالب: «وحشتنى، جبتلى اللى طلبته منك، لسه بدرى ماتمشيش دلوقت، لسه مااتكلمناش مع بعض». وفى المقابل يلاحظ أيضا أن طلاب الدراسات العليا الذين تدربوا على التعامل مع المرضى، ينظرون إليهم أيضًا بخوف مثل باقى الناس، رغم أنهم يعرفون أن الحالات الصعبة بينهم نادرة جدا، ولا يختلفون كثيرا عن بعض أهل المرضى الذين يرفضون استلام مرضاهم من المستشفى حتى بعد شفائهم. «يا ترى مين فيهم إللى محتاج علاج نفسي» يتساءل د. طلعت: هو ده معنى الصورة هنا؟ ولهذا سأنظم رحلات تطوعية لمستشفى الأمراض العقلية، عشان كل واحد يحاول يكتشف نفسه. • قبل التصوير أراد عالم النفس كارل روجرز أن يعالج مريضا بأحد أنواع الشيزوفرينيا، التى يعانى فيها المريض من بقائه فى وضع تخشبى لفترات طويلة دون أى استجابة لأى مؤثرات حوله، يجلس القرفصاء أو على كرسى لا يتحرك، فأخذ يتحدث إلى المريض ساعة كل أسبوع، وهو لا يستجيب. استمر العالم على هذا الوضع دون ملل لمدة سنتين، حتى بدأ المريض ينظر له، وبعد شهر فقط بعدها أخذ يبتسم له، فيما سمى بالعلاج بالحب، لأنه أشعره أنه أحس بمشاكله. تذكر د. طلعت هذه التجربة عندما بدأ يتعلم العلاج النفسى قبل عشر سنوات، وأراد أن يحاول إضحاك مريضه، وبالفعل نجح فى ذلك، لكنه قال له: صحيح أنا ضحكت يا دكتور، لكن داخلى معاناة لا يشعر بها أحد، وهنا شعر طلعت أن المريض لم يشعر أنه يحس به ويتعاطف معه. يقول د. طلعت: إن المرض النفسى معاناة، وهذه المعاناة تحتاج إلى التعاطف مع المريض والوقوف بجانبه، وليس السخرية منه، أو إهانته، والأمر نفسه لا يختلف مع معاناة المرضى بالأمراض العضوية، الذين يحتاجون أيضا إلى من يتعاطف مع معاناتهم، ونحن غالبا ما نعطيه تعليمات طبية بعيدة عن التعاطف. يتمنى د. طلعت حكيم أن يدرس كل الطلاب مادة أساسية للتأهيل النفسى لكيفية التعامل مع المرضى أخلاقيا وليس علاجيا فقط. • الصورة المجنونة خطة زيارة مستشفيات الأمراض العقلية فى رمضان بشكل خاص جاءت لأنه شهر الرحمة الذى تزداد فيه الأعمال التطوعية مثل زيارة دور الأيتام ودور المسنين، «تبادل الحديث مع المريض النفسى جزء من العلاج فى كثير من الحالات»، لهذا سيزود د. طلعت صفحته على فيس بوك بمعلومات عن المرض النفسى، ليتعامل الزائر بشكل إيجابى مع المرضى أثناء الرحلة أو الزيارة، وتتغير الصورة الذهنية النمطية عن المريض النفسى، والمعاق بشكل عام. منذ الإعلان عن «الإيفنت» انضم خمسون طالبا للدعوة، ويعتبرهم د. طلعت فريق العمل الذى سيبدأ فى تنظيم الرحلات معه. مسابقة صورتك وانت فى مستشفى المجانين، ستشمل الصور المبهجة، والصور التى تصاحبها فكرة مجنونة أو مضحكة أو مبدعة فى أى مكان، لتدفع المتسابقين أو المشاركين على التنافس حول من سيحصل على أعلى عدد من «اللايك» بلغة الفيس بوك، من استطاع أن يغير صورة مريض، أو أن يغير من صورته أو من نفسه.•