«الحب فوق هضبة الهرم، كراكون فى الشارع، سواق الأتوبيس» وغيرها من أفلام لعبت على أوتار حساسة جدا فى المجتمع وغالبا حاولت الإشارة إلى قضايا ومشاكل يعانى منها الشباب حتى لو بشكل كوميدى، وتعرضت هذه الأفلام لقضايا البطالة، أزمة السكن وغيرها من قضايا نستطيع أن نقول إنها انهكت الشباب فى الثمانينيات والتسعينيات، لتمر السنوات ونلتفت إلى حال السينما ونرصد قضاياها، ونتساءل، هل السنيما الآن مهتمة بالشباب وتنصت لهم وتعكس واقعهم.. أم أنها استغلال لهذا الواقع من أجل إنعاش شباك التذاكر على حساب الأم وشباب أنهكهم واقعهم ومجتمعهم. توجهت إلى الشباب لأسألهم هل تعبر عنكم السينما الآن، لتأتى النتيجة «بيتكلموا عن ناس مانعرفهاش»، بعيدا عن العرى والمخدرات والدعارة وبعض النماذج التى يستاء البعض من تقديمها على شاشة السينما، أتساءل أنا إذا غضضنا البصر عن هذه النقاط.. هل مضمون هذه الأفلام فعلا يمس الشباب ويعكس قضاياهم؟!! • حيرة وتردد ليلى 29 عاما تقول: هناك أفلام بتناقش مشاكل وخاصة الحوارات بين المتجوزين، مثلا هناك أفلام عبرت عن حيرة وتردد الشباب، وكذلك الخيانات، ممكن دا يكون موجود بس قليل قوى زى مثلا فيلم «سكر مر» وقبله «أحكى يا شهرزاد» و«سهر اليالى» بس طبعا أعدادهم محدودة جدا جدا بالنسبة للقضايا الأخرى، وطبعا لا يوجد فيلم تناول القضية بجدية وأقصد من الجدية الاستمرار فى تناول المشكلة بأسلوب حضارى وطرحها بقوة ومن كل الجوانب. كأفلام قديمة شاهدناها على الشاشة فى الثمانينيات ناقشت البطالة أو أزمة السكن أو مشاكل المرأة.. لكن دلوقتى فى استسهال وسطحية وعدم جدية والاقتصار على طبقات معينة من الشعب وطبعا هى شرائح موجودة لكن للأسف نحن لا نعبر عن مشاكلهم بجدية وصدق لنساعدهم ولكن نستغلهم من أجل الشباك بالتوليفة المعروفة للبيع. • سطحية وهناك مثلا قضايا تعرضت لها السينما فى السنوات الأخيرة مثل البطالة عبرت عنه السينما بسطحية مثلا «همام فى أمستردام» كأن السفر فقط هو العصا السحرية، أشعر أن هناك حالة من الاستسهال من قبل صناع السنيما أثرت تدريجيا على ما يقدمونه، أرى أننا كمجتمع وصلنا لحالة من التبلد والاستهتار تجعلنا نستحق السينما السيئة التى تُقدم لنا الآن. • لا أفلام ولا قضايا دينا عبدالوهاب، محتدة وتقول «مفيش أفلام ولا قضايا» فى قصص وليست مكتملة الحبكة، وهناك أفلام تحاول أحيانا نقل الواقع ولكن لم تقترب فى الشكل ولا المستوى للأفلام التى قُدمت فى الثمانينيات والتسعينيات. تعتمد الأفلام الآن على مثلث الأكشن والعرى والمخدرات، وهذا ما يحكم الصناعة ورغم أن هذه التوليفة من المفترض أن تكون تغيرت لوعى الناس الذى نضج بشكل كبير مؤخرا، لأن الناس تجتمع فعلا على العمل الجيد، وهى قليلة والباقى سلعة استهلاكية بشكل وقتى. أين الأفلام التى تطرق على المشاكل المجتمعية وتناقشها، مثل «عفوا أيها القانون»، أو «أريد حلا» أو «كركون فى الشارع» الذى ناقش أزمة الإسكان ولو بشكل كوميدى، ولكنه كان له هدف وقيمة، أما الآن فحدث ولا حرج اللهم إلا من قلة قليلة مثل «بنتين من مصر» الذى تناول قضية تأخر سن الزواج، وكذلك فيلم «678 وقضية التحرش». • لاتعبر عنى هبة أبوبكر 27 عاما: السينما الآن لا تعبر عنا نهائيا وهى تعبر عن طبقتين متفاوتتين تماما إحداهما الA class وهى كريمة المجتمع الفارهة، وهى طبقة تشكل نسبة قليلة جدا من المجتمع، والطبقة الأخرى هى العشوائيات المتدنية جدا، ونحن لا ننتمى لهذه أو لتلك، فالطبقة المتوسطة لا تأخذ حقها فى السينما بشكل لا بطالة ولا أزمات سكن كذلك لاحظت ظاهرة غريبة فى أفلامنا الأعوام الماضية فالأفلام جعلت من الزنى شيئا عاديا وكذلك المخدرات، وهذا لا يمثل شكل أو تكون المجتمع المصرى الذى من المفترض أن تجسده السنيما. • جيل التسعينيات أحمد عادل 34 عاما يرى أن الأفلام حتى التسعينيات كانت تمس مشاكل المجتمع كله، سواء الشباب أو غيرهم، ومشاكل مهمة جدا وحتى انتهاء التسعينيات بدأت السنيما تبعد عن هذه المشاكل ومنذ عام 2000 وحتى الآن صناعة السنيما ما هى إلا مكان للفلوس والتجارة ليس بها نوع من الفن ولا من الإفادة بل هم يبرزون أسوأ ما فينا فعلا من أجل استغلال اكتئاب وأوجاع الشباب لمغازلة شباك التذاكر، أغلبية الأفلام إما تحرش وجنس أو مخدرات وفهلوة وأهملوا مشاكل الشباب الأساسية وهى السبب فى كل هذا مثل البطالة فالمجرم العاطل والمدمن تصنع منه بطلا بل وتطور الأفكار الإجرامية. وأعتقد أننا كشباب لا يوجد فن يمثلنا حتى الآن لا فى السنيما ولا المسرح فحتى المسرح أصبح مسخا وكل برامج المسرح الموجودة على الساحة أضاعت هيبة المسرح ورونقه، فكل ما أشاهده هو اسكتشات واصطناع للسخرية، مثلا فيلم «أسد سيناء» تم إنتاجه مؤخرا عن إحدى البطولات المهمة، هذا الفيلم أظهر أسوأ ما فى صناعة السينما فأنا كمشاهد قدمت لى فيلما مستواه أقل من مستوى فيلم «الرصاصة لا تزال فى جيبى» الذى قُدم منذ أكثر من 40 سنة والتكنيك فيه ومشاهد الحروب أعلى مما شاهدته على الشاشة فى 2016 إذا فنحن فى كارثة، فحتى القيم التى تريد زرعها ضاعت .الشباب خرج من خمس سنوات ضغط واكتئاب وحالة نفسية سيئة وضياع لا يحتمل الضغط على مشاكله واستغلاله أكثر من هذا. محمد عبدالنعيم 29 عاما محاسب، يقول من بعد الثورة السينما تأثرت بشكل كبير وإنتاج الأفلام قل بشكل واضح وحتى مضمونها تغير، أنا من محبى السينما جدا وأهتم بمتابعة الأفلام طوال الوقت، لم أعد أدخل أفلام عربى أو أهتم بمشاهدتها غير فى المناسبات ولفنانين معينين مثل أحمد حلمى وأحمد مكى ومحمد هنيدى وكريم عبدالعزيز وأحمد عز الذين أضمن نوعية الأفلام التى يقدمونها وأعلم أنها أفلام محترمة ولها رسائل مفيدة لأن أفلاما أفلام السبكى من أكثر الأفلام المستحوذة على سوق السينما وبما أن مجتمعنا شرقى ومنغلق فشركة السبكى تتبع أسلوبا رخيصا فى الدعاية وتقوم باستغلال شهوات الشباب بفنهم المبتذل وهو نجح بالفعل فى تدمير الجيل الجديد من أخلاق وتفكير، وله تأثير كبير وواضح ومؤثر فى الشارع المصرى. • الصبغة التجارية الكاتب محمد فهمى يرى أن السينما من نهاية التسعينيات حتى الآن معتمدة على الصيغة التجارية أكثر من المضمون أو الفكرة اللى تهم المجتمع، وإن كان على فترات متباعدة بعض الأفلام التى تقدم أفكارا تهم شريحة كبيرة من المجتمع وهذا سببه اقتصار سوق الإنتاج السينمائى على منتجين بأعينهم يهمهم فى المقام الأول الربح المادى بعد ما كان فى الثمانينيات والسبعينيات والستينيات منتجون كثيرون يهمهم تقديم أفكار تخدم المجتمع وفى نفس الوقت تحقق هامش ربح بسيطا لكى يكملوا. الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة أصبح دورها «هامشى» ولم يعد هناك إنتاج خاص بها إلا نادرا وفى الأغلب بيوجه لمشاريع مشوهة فنيا بسبب عدم الاهتمام بالسيناريو اللى بيتم توجيه الدعم له بعكس الأفلام اللى تم تقديمها من الدولة للجمهور حتى بداية التسعينيات وأصبح الموضوع مجرد تقفيل ميزانيات وتسديد خانة علشان السنة المالية. وكذلك التغييرات اللى حدثت فى المجتمع منذ نهاية التسعينيات التى كانت سبباً فى شكل السينما التى نشاهدها اليوم، وهذا ظهر بشكل ملحوظ فى الفترة اللى تلت ثورة يناير وانتشار حالة العنف على المستوى البدنى والفكرى لأن السينما انعكاس لما يحدث فى الشارع المصرى. وفى الفترة الأخيرة ظهر مجموعة من المؤلفين فى الدراما على قدر عال من الموهبة يؤهلهم لتقديم أعمال مميزة فى السينما لكن حتى اليوم دورهم لم يظهر لأن السينما مسيطر على الإنتاج فيها عدد قليل من الشركات يهمها الربح المادى بس دون النظر للمضمون. • تجربة مختلفة الفنان الشاب أحمد فهمى وهو صاحب تجربة فنية مختلفة وكانت بداية جديدة وضعت خريطة جديدة لسيطرة الشباب وأفكارهم على السينما بفكر وشروط خاصة بهم وهذا بمشاركة هشام ماجد وشيكو بداية من «ورقة شفرة، سمير وشهير وبهير ثم بنات العم والحرب العالمية الثالثة»، وهو مقبل أيضا على تجربة جديدة وهى «الفيل الأحمر»، الذى يشارك فى كتابته، سألته عن فرص النجوم الشباب فى التحقق فى السينما وهل يقف تابوه النجم الأوحد أمام تواجد النجوم الشباب على الساحة فجاء رده : الفيلم الجيد هو المقياس والعمل الجيد يفرض نفسه سواء كانت بطولة جماعية أو شبابية، وأنا أرى أنه لا وجود لمقولة النجم الأوحد فحتى لو كان الفيلم يعتمد تجاريا على بطل فهناك العديد من الأفراد حوله والعناصر التى تعمل على إنجاح العمل، والدليل على هذا أن هناك تجارب مختلفة كثيرة أثبتت نجاحها السنوات الأخيرة ولم تكن تعتمد على معايير ثابتة فالتركيبة فى مجملها تعتمد على الكتابة الجيدة وعناصر العمل والمضمون. • سينما الثمانينيات وأوجاع المجتمع المخرجة الشابة دينا محمد حمزة تقول: «الأفلام التى قدمت فى مرحلة الثمانينيات والتسعينيات كان الكتاب والمخرجين فيها يهتمون برصد المجتمع ومشاكله بشكل كبير وأتكلم هنا عن جيل محمد خان وعاطف الطيب وخيرى بشارة وداود عبدالسيد ويسرى نصر الله فهم كانو يرصدون ما يحدث وكانت الصورة كاملة، أما الآن فأنا أرى أن كل شخص يقدم فيلماً لوحده تماما، فأنا أرى أن الأفلام المستقلة الآن هى التى بدأت تملأ هذا الفراغ الذى عانينا منه منذ عام 2000 بمعنى أن بميزانية قليلة وبكاميرا ديجيتال يتم تقديم أفلام مثل «الخروج للنهار» للمخرجة هالة لطفى الذى حصلت عنه على جوائز كثيرة جدا رغم أنه لم يكن به ممثلون معروفون ولعل هذا النوع من الأفلام غير منتشر تجاريا، رغم أنه يعكس فعلا واقعاً ولمس قضايا مهمة كفكرة المرض وإهمال الفقر وأنا أرى أن هذه الفكرة هى امتداد لسنيما عاطف الطيب، وكذلك فيلم مثل 678 لمحمد دياب الذى اعتمد على نجوم وناقش من خلالهم قضية التحرش، إذا فالأفلام المستقلة هى التى تظهر بشكل كبير قضايا المجتمع وتتعمق فيها، وانتشرت بشكل واضح جدا فكرة الأفلام الذاتية بمعنى أن يتحدث الشخص عن مشكلته وبمرور الأحداث تُلمس هذه المشكلة مع مشكلات أخرى، ولعل ما ميز أفلام مرحلة الثمانينيات أن مخرجيها اعتمدوا على نجوم لتقديمها مثل أحمد زكى ونور الشريف وغيرهم فى حين أن السينما المستقلة الآن تعتمد على شباب ووجوه جديدة. المخرج محمد خان كسر القاعدة باستعانته بياسمين رئيس وهو وجه شاب وليست نجمة وقتها لتقديم فتاة المصنع، رغم أن محمد خان منذ بدايته لم يتعامل سوى مع النجوم مثل ميرفت أمين وسعاد حسنى وأحمد زكى ولكنه خضع لشكل ومعادلة السينما المستقلة ليقدم ما يريده بالميزانية القليلة، التى تميز هذا النوع من الأفلام، أعتقد أن بعد الثورة أصبح للشباب مجال كبير للعمل فى صناعة السينما تحديدا للمخرجين والمؤلفين وهذا لمسته جدا بعد 2011 فأصبحت هناك فرصة من قبل الجمهور ومن قبل الفنانين أنفسهم أن يشاهدوا الجديد ويسمعوه.•