عندما نقول «منتصف العمر» يتبادر إلى أذهان الكثيرين منا «أزمة منتصف الزواج».. وقد يعيش الكثيرون منا نحن البشر مهما اختلفت ثقافاتهم أو خبراتهم علاقتهم بالحياة وفق مستوى علاقتهم بالجنس الآخر من حيث السعادة أو التعاسة أو الرقابة أو افتقاد المعنى.. وأصبحت علاقات الحب والزواج هى التى تشكل نظرتنا لأنفسنا وللحياة ولمستقبلنا. ذلك الفخ الذى يقع فيه عموم البشر، والبعض الآخر الذى لا أتصور أن نسبة تواجدهم طاغية أو لافتة هم من ينهضون بأنفسهم وبمشاعرهم وأفكارهم وبعلاقاتهم بالحياة حتى وإن كان زواجهم فى منتصف الطريق.. أزمة منتصف العمر الرائعة.. ذلك الكتاب البديع الذى أحدث كل من أقابله خاصة الصديقات بضرورة اقتنائه كمرجعية مهمة لأفكارهن المتصارعة ومشاعرهن المرتبكة خاصة فى منتصف العمر وفى هذا الكتاب خبرات كثيرة ومتنوعة تكشف حقائق عن أنفسنا ربما لم نكن نعرفها وربما لا نمتلك من الشجاعة والقدرة على المواجهة حتى مواجهة ذواتنا بها.. أهم تلك الحقائق كانت فى أحد فصول الكتاب بعنوان «الزواج فى منتصف الطريق». • ليس عقد احتكار تقول «إيدا لوشان» مؤلفة الكتاب الذى ترجمته سهير صبرى بلغة راقية ومتميزة: لقد وقع أغلبنا فى فخ أحادية الزواج أو أن الزواج عقد احتكار مدى الحياة, وذلك بسبب تربيتنا وثقافاتنا منذ زمن طويل ولم نكن ندرك من الناحية العقلية أن الإنسان ليس من الكائنات أحادية العلاقات، فإن ترك له التصرف بدون ضغوط اجتماعية صادقة لن يسلك هذا النوع من العلاقات خاصة بعد مرور سنوات من العلاقة وازدياد المسئوليات الاجتماعية والاقتصادية ويزداد العبء النفسى مهما كانت درجة صلابة العلاقة بين الطرفين.. تبقى هناك أزمة ما.. ينجح البعض فى التعبير عنها ومواجهتها ومساعدة كل طرف للآخر فى تجاوزها، وقد لا يستطيع أو حتى يعى البعض الآخر بأن ذلك النوع من الأزمات لابد أن تمر بأية علاقة زواج.. إما أن تنهيه بشكل ما وإما أن تنقله نقلة نوعية أو تبقيه فى حالة استمرار شكلى بلا روح أو معنى حقيقى، وغالبا ما تنشأ علاقات أخرى موازية للزواج. من اللقطات التى أجدها معبرة جدا فى ذلك القسم من الكتاب هى ما حكته إيدا لوشان عن اصطحابها لصديقتها إلى فيلم «قصة حب» love story حيث اتخذت السيدتان هذا الفيلم ذريعة للبكاء، وعندما خرجتا من قاعة العرض على حد تعبير إيد لوشان لقد أصبنا بالإحباط وصرخت صديقتى قائلة: إن مخرج الفيلم جبان لأنه قرر موت الزوجة الشابة وهما لا يزالان فى أوج غرامهما واعتبرت هذا العمل عملا انسحابيا غير ناضج وقالت صديقة لوشان: كان على المخرج أن يكون أكثر شجاعة ويجعلهما يعيشان زواج منتصف الطريق. هذه الرومانسية التى يحلم بها الكثيرون من الأزواج هل هى سذاجة أم هى جزء من الشفاء والعذاب الإنسانى وهذا ما أنفق فيه المتخصصون من عمرهم وطاقاتهم ودراساتهم للإجابة عن السؤال: كيف يظل الأزواج جذابين لبعضهم البعض بعد خمسة عشر أو عشرين عاما. وقد تجد الإجابة ليست من خبراء العلاقات العاطفية والأطباء النفسيين، ولكن قد تجدها من خلال خبرة سيدة بسيطة.. كل خبرتها أنها كانت زوجة لسنوات طويلة عبرت عن وجهة نظرها قائلة: علينا أن نتفق أن هناك مللاً حتميًا فى العلاقات الزوجية علينا أن نتعامل معه بحكمة وبتقبل حر والأمر لا علاقة له بمقدار الحب والتوافق ولا العشرة الطيبة والإحساس بالأمان، فالمشاعر حتى المتناقض منها يمكن أن تتقاطع وتتداخل فى علاقة واحدة، ولا تنفى بعضها البعض. • أخطر مشكلاتنا تضع إيد لوشان يدها بمنتهى القوة والرقة على أخطر مشكلاتنا الحياتية، وهى أننا نحن الجنس البشرى غالبا ما نحمل الزواج خاصة فى مرحلة منتصف العمر أعباء ظالمة منها أن الكثيرين يصدقون فكرة أنهم إن كانوا غير سعداء قبل الزواج فإن الزواج سيكون كلمة السر التى تجلب لهم السعادة، وقد يعتقد البعض الآخر أنه لو كان تم إنجاب أطفال كان ذلك الأمر سيجعل العلاقة أكثر روعة والحياة أكثر استقرارا وثباتا وهذا هو الهدف الأساسى من الكتاب «أزمة منتصف العمر الرائعة» طرح سؤال خطير وهو: كيف نكون مسئولين عن سعادتنا الشخصية، وكيف نتمكن من الاستمرار فى الحياة بأنفسنا أولا دون الاعتماد النفسى أو العاطفى على الآخرين، كيف نكتشف ما يسعدنا حقا فى الحياة؟ كلما قرأت صفحات هذا الكتاب تبادر إلى ذهنى أفكار يمكن أن تساعدنى أنا وصديقاتى وكثير من النساء اللائى أعرفهن.. وهذه الفكرة هى الحكى.. وعزمت أن أقيم جلسات نسائية تحمل كل مرة موضوعا نحكى فيه وعنه.. وسأبدأ بالهدف الذى تحدثت عنه إيدا والذى يشغل الكثيرات منا، نحن النساء: هل أنتِ سعيدة؟ وما الذى يسعدك؟ وماذا تفعلين لكى تحققى السعادة لنفسك؟ قالت لى صديقة عرضت عليها الفكرة إنها شخصيا لو سئلت هذا السؤال ربما تتعطل فى الإجابة عليه ولن تدرك حقيقة ما بداخلها! ولا أتعجب مما قالته صديقتى.. بل بالعكس، صدقتها تماما وأدركت مشاعرها وفهمت ما تعنيه لأننا عندما نواجه بتلك الأسئلة التى تبدو سهلة وبسيطة للغاية.. إلا أننا نفاجأ بأنها من أكثر الأسئلة صعوبة لأنها تستوجب أن نمد مشاعرنا وبصائرنا إلى الأعماق التى نتجاهلها أوقاتا كثيرة، وربما فترات طويلة من حياتنا تتماشى المرور بالقرب من تلك المناطق العميقة والوعرة داخل نفوسنا. ذكرتنى إجابة صديقتى بما قالته لى إحدى مدربات ال meditation أو التأمل الفرنسية بأن هناك تمرينًا ما يتواجد فيه شخص ما أمام الآخر.. ويسأله سؤالاً واحدا مثل: هل أنت سعيد؟ ويجيبه الآخر بأية إجابة تطرأ على ذهنه، ويصمت الآخر قليلا، ويسأل نفس السؤال.. ويظل يعاد نفس السؤال على الشخص خلال فترة زمنية فيها تسمح له بأن يجد حقيقة الشعور الذى يريد التعبير عنه تجاه ذلك السؤال.. وربما تكون فكرة «الحكى» هذه مهمة لنا نحن النساء أن نتدرب على أن نحكى بطريقة فهم الشعور الداخلى الأعمق لا المشاعر السطحية المعلنة والفرق بينهما كبير. وفى أحد فصول كتابها تمس هذا الموضوع وتطرحه بشكل قوى، حيث تقول: إن أحد أهم أسباب عدم قدرتنا على إظهار المشاعر هو بسبب عبء الأقنعة التى نرتديها، ذلك العبء الذى يجعلنا لا نخفى مشاعرنا عن الآخرين فحسب بل عن أنفسنا أيضا، وفى هذا الإطار تحكى إيد لوشان قصة رائعة قائلة: نادرا ما نجد مشاركة حقيقية للمشاعر بين مجموعات كبيرة من البشر حتى فى الجنازات يكون الهدف هو إظهار أقل ما يمكن من المشاعر بقدر المستطاع وربما العكس، ومن بين المواقف التى حدثت فيها مشاركة جماعية غير عادية للمشاعر كان يوم اغتيال الرئيس كيندى، كانت الصدفة رهيبة حتى إن الناس بكوا بكاء صريحا وتحدث الغرباء إلى بعضهم البعض فى الشوارع، وأذكر أنه فى تلك الفترة كنت تشعر بأنك آمن فى شوارع نيويورك وأنه نتيجة لهذه المشاركة الصادقة فإن تواصل الناس كان تواصلا حقيقيا وجميلا. • لمن نحكى؟! الحكى يساعد فى النمو والتغيير فعندما تفرغ ما فى قلبك للشخص الصحيح فى الوقت الصحيح فإن الأمر سيكون مجديا للغاية. وهنا تكمن مشكلة الاختيار.. لمن نحكى؟ تقول سيدة مرت بأزمة فى حياتها أدركت أننى لم أكن أريد حلا حقيقيا عندما كنت أتوجه لمن يشعرون بالأسف لى ويوافقوننى على مشاعرى الجريحة.. وذات يوم توجهت لابنة أختى، فهى تحبنى وتنتقدنى فى الوقت نفسه، وأعطتنى يوما بعدا مختلفا فى مشكلاتى ولكن من وجهة نظرها، ومن موقع جيلها وأفكارها وخبراتها، والحقيقة أننى وجدت أن الحلول قد تأتى من آخرين عندما ينتفى عنصر التعاطف السلبى غير المجدى. والسؤال: هل الأزواج فى منتصف عمر زواجهم قادرون على الحكى معا والإفصاح عن مشاعرهم مهما كانت بشكل يؤدى إلى نقل علاقاتهم إلى النضج والنمو لا الانهيار؟ للإجابة عن ذلك السؤال لخصت إيد لوشان الحل فى كتابها أزمة منتصف العمر الرائعة وقالت: إن أجمل خواص الزواج أن الشريك يمكن أن يكون أعز صديق للآخر، فما أحوجنا للصداقة، وإذا عرفنا الصديق أنه الشخص الذى يحبك رغم عيوبك وضعفك الذى يتمنى لك أفضل مما تتمناه أنت لنفسك يمكن أن يكون هذا هو الأساس الذى تحتاجه تماما.. فى منتصف العمر هو السماح أن تواصل سعيك وراء هويتك الشخصية. للأسف الكثير من العلاقات الزوجية ينهار لسبب لا علاقة له بالزيجة نفسها وإنما لعدم فهم كل طرف أن الآخر قد يمر بمرحلة شائكة وهى السعى وراء فهم الذات واكتشاف هويته النفسية بعمق وصدق. ولكن لأننا نخشى من مواجهة أنفسنا قد ننكر أننا نعانى أزمة شخصية، ونبدأ فى إلقاء اللوم والسلبيات على الطرف الآخر ونحمله عبء أزمتنا، وأنه السبب فى تعاستنا ويتناسى الكثيرون حقيقة حتمية اسمها التغيير.•