فاتورة ضخمة تدفعها الدولة عن الاستثمار الأجنبى وسط عجز فى تدبير العملة لمواجهة الاحتياجات اليومية من الاستيراد وتوفير المواد الخام وتسديد مستحقات المستثمرين الأجانب الذين يضغطون باستمرار لإخراج أرباحهم إلى الخارج دون أى قيود عكس أغلب الدول التى تضع بعض الاشتراطات الخاصة مثل ضرورة التوسع فى المشروعات بجزء من الأرباح. لولا ما كشفه محافظ البنك المركزى من حجم ما تربحه شركة أجنبية واحدة فقط تعمل فى مجال صناعة السيارات كانت قد اتخذت قرارا بوقف إنتاجها بسبب أزمة الحصول على دولار لما عرف الرأى العام حقيقة ما تربحه هذه الشركة. وكان الرقم الصادم هو توفير 150 مليون دولار من القطاع المصرفى المصرى لها بسعر الصرف الرسمى خلال العام الماضى لهذه الشركة وأنها حققت مبيعات ب 8.8 مليار جنيه مقارنة بستة مليارات جنيه فى عام 2014 فيما حققت صافى أرباح 420 مليون جنيه، أى ضعف رأس مالها المصدر والبالغ 200 مليون جنيه، فيما قررت الشركة الصمت أمام التلويح بأن البدائل الآسيوية متاحة فى الأسواق وسوف تحصل على حصتها بسهولة من الاستهلاك إذا ما قررت وقف مصنعها. • أرقام صادمة أكدت وزارة المالية أن مدفوعات الدولة عن الاستثمار بلغت 6.228 مليار دولار خلال السنة المالية 2014-2015 وتشمل الفوائد والمدفوعات الحكومية ومدفوعات أخرى، مما يؤكد الفاتورة التى تتحملها الدولة، أما السنة المالية 2013-2014 فشهدت إنفاق 7.490 مليار دولار فيما بلغت القيمة فى السنة المالية 2012-2013 كان 7.604 مليار دولار وتشمل تسديد جزء من مستحقات الأجانب من شركات البترول وغيرها. • فوضى الاستثمار لا توجد تفرقة بين الاستثمار الأجنبى الذى يستهدف البقاء فى مصر لسنوات طويلة ويبحث دعم الاقتصاد المصرى والاستفادة من السوق المصرية التى تتسم بالاستهلاك، وبين المستثمر الذى يأتى إلى البلاد للبحث عن ربح شخصى وسريع ويجرى التعامل بينهما بنفس الطريقة من خلال الحرية فى تحويل الأرباح، وهو ما ضغط على الاحتياطى النقدى الذى يبلغ 16.4 مليار دولار بنهاية يناير الماضى. ويدخل الاستثمار الأجنبى فى قطاعات حيوية وضرورية فى حياة المواطن مثل المحمول والأسمنت والأسمدة والبنوك والعقارات والسلاسل التجارية والدواء والمستشفيات والرعاية الصحية والصناعة والبترول والغاز الطبيعى والتشييد والبناء والمطاعم السريعة وصناعة الأغذية والألبان ولا تستحى أغلب الشركات من المطالبات المستمرة فى وسائل الإعلام المختلفة من ضرورة تحويل أرباحها إلى الخارج دون إدراك لحجم الأزمة التى تعيشها مصر بسبب نقص موارد العملة الصعبة والظروف الاقتصادية التى تمر بها رغم الأرباح الضخمة التى يجرى تحقيقها. ويعمل الكثير من المصانع المملوكة لمستثمرين أجانب فى أغلبها على تجميع المنتجات وليس تصنيعها، وهو ما يقلل من فرص العمل التى تقوم بتشغيلها وعادة ما تشكو بأن هناك صعوبة كبيرة فى فتح الاعتمادات الخاصة باستيراد المواد الخام. وأمام حالة المطالبات الشديدة بتحويل الأرباح إلى الخارج قررت إحدى الشركات الإماراتية عدم الدخول فى السوق المصرية وبناء عدد من الوحدات السكنية إلا إذا ضمنت الحكومة المصرية تحويل كامل الأرباح إلى الخارج لأنها تنوى قبل الدخول الحصول على ما يقرب من 200 مليون دولار من بنوكها المحلية قبل الإقدام على إقامة المشروع فى مصر. وتسبب الضغط على العملة من جانب عدد من الراغبين فى تسيير أعمالهم إلى قفزة قياسية فى السوق الموازية لسعر الدولار الذى بلغ 9.15 جنيه وهو مؤشر كافٍ لزيادة مرتقبة فى الأسعار للسلع الاستهلاكية.. ولا يستحى بعض الشركات التى كانت تحصل على الطاقة مدعومة وتبيع منتجاتها بضعفى سعر التكلفة وفقا للسعر العالمى وتخرج فى وسائل الإعلام لتؤكد أنها تواجه مشاكل فى تحويل أموالها إلى الخارج ومنها شركات تعمل فى قطاع الأسمنت وتستخدم الفحم فى الحصول على الطاقة ولا يكفيها أن أغلب الدول فى أوروبا لا ترحب بإقامة مصانع لها على أرضها لأنها ملوثة للبيئة! • ثمن الاستغناء ودفعت مصر ثمن الاستغناء عن السياسات الداعمة للمواطن على حساب الاستثمار الأجنبى فى الأنظمة السابقة فكيف يجرى استخدام آليات السوق الحرة والاقتصاد الرأسمالى وأكثر من 25% من الشعب المصرى تحت خط الفقر وينهش أحلامه الجهل والمرض والمفترض أن تقف إلى جوارهم وتدعمهم لمكافحة الجوع هذا بخلاف الفقراء ذاتهم والطبقة الوسطى التى تكاد تتلاشى. الاستثمار إلى أين؟ شدد شريف دلاور الخبير الاقتصادى على ضرورة التفرقة بين الاستثمار الأجنبى الحميد والخبيث، فكل استثمار يعتمد على المكون الأجنبى أكبر من نسبة المكون المحلى فيجب تصنيفه على أنه خبيث ولا يجب الوقوف أمام الأرقام التى يجرى تحويلها إلى الخارج فلا مانع من تحويل أرباح المستثمرين إذا كان مردودها على الاقتصاد المصرى أكبر. وأوضح دلاور أن اليابان وكوريا الجنوبية رفضتا الاستثمار الخبيث الذى يهدف إلى تحقيق الأرباح بشكل منفرد يهدف فى النهاية إلى الاستفادة من جانب واحد، وبالتالى فإن الهدف ليس جلب رءوس المال الأجنبية فى حد ذاته ولكن كيفية الاستفادة المتبادلة. ومن جهته أكد الخبير الاقتصادى رضا عيسى أن الاستثمار الأجنبى لديه قاعدة عريضة تتمثل فى ضرورة إخراج أمواله بالعملة الصعبة بشكل أكبر من التى ضخها داخل مصر ولا يوجد شك فى هذا. وأشار عيسى إلى أن أغلب الشركات الأجنبية تعمل خارج البورصة المصرية، وبالتالى لا تلتزم بالإعلان عن أرباحها الحقيقية أمام أى جهة مسئولة، لذا لا يمكن لأى جهة تحديد حجم ما يخرج من أموال، ولكن ما يمكن التأكيد عليه هو أن أرباحها تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات لاسيما أن الشعب المصرى مستهلك بطبيعته. وتطرق عيسى إلى ما أثير حول أزمة شركة السيارات التى كانت تضغط للحصول على دولارات، حيث أكد أن لا أحد ينظر إلى دولة المغرب التى حصلت على حقوق تجميع وتصدير إحدى العلامات التجارية الفرنسية فى مجال صناعة السيارات وتقوم بجلب دولارات من شتى أنحاء العالم بسبب تصديرها عكس ما يجرى فى مصر من بيع جميع الإنتاج للسوق المحلية. • الاستفادة المتبادلة ويرى رجل الأعمال أحمد شيحة أن الاستثمار الأجنبى يجنى الكثير من الأرباح، مما يضغط على الدولار والوضع الاقتصادى الشديد الذى تعيشه مصر خاصة أنه يدخل فى مجالات رئيسية مثل المحمول والأسمنت والأسمدة والأدوية، وعلى سبيل المثال فإن أرباح شركات الأسمنت بلغت أرقامًا قياسية بسبب ارتفاع سعر المنتج فى السنوات الأخيرة. وأكد سعيد عبدالخالق وكيل وزارة التجارة والصناعة السابق أنه ليس ذنب المستثمر الأجنبى أن اتخذ القنوات الشرعية فى دخول أمواله ومادام ملتزما بالقانون والقواعد المعمول بها فى مصر فمن حقه تحويل أرباحه السنوية إلى الخارج وفقا للاشتراطات التى دخل عليها فى السابق. وقال محمود جبريل الخبير المصرفي: إنه يجب دراسة أى استثمارات أجنبية والتعامل معها وفقا لأهميتها، ولا يمكن أن نتعامل مع استثمارات تهدف لممارسات احتكارية بنفس الطريقة التعامل مع استثمارات تهدف للاستفادة المتبادلة، وهنا يجب الوقوف إلى جوارها وتشجيعها وتنميتها. •