بين الفنادق الفخمة الشاهقة والأضواء الساطعة وشهرة واسعة، وبين ظلمات السجن والحبس والوقوف فى قفص الاتهام بين هذا وذاك، فرق مثل الذى بين السماء والأرض خاصة عندما يكون التحول من الحالة الأولى إلى الحالة الثانية مفاجئا مربكا ضائعا بين حالة وسطى من الخوف والشعور بالظلم من كم الألم خلقته ظروف تحكمها قضبان فكر ترفض وتأبى وتستنكر أن تخرج عما هو معروف ومألوف ومتواتر عليه! لم تعد قضية (إسلام بحيرى) مقدم برنامج (مع إسلام) قضية تخصه وحده بقدر ما تعنى وتخص أزمة حقيقية لهذا الخيط الرفيع بين التجديد فى الدين وغضب المتزمتين والمتشددين من أى باحث يقدم ويطرح رؤى مغايرة تختلف عما عرفوه ودرسوه وتربوا عليه، لأن التشكيك فى ذلك هو تشكيك فيما عرفوه وتعلموه وعلموه، وإخراجهم من دائرة المعرفة والعلم إلى دائرة الجهل، وهو بالطبع ما يأنفونه ويكرهونه، فأى شخص طبيعى يكره أن يأتى له شخص آخر ويقول له إن ما قرأته وحفظته وقمت بتدريسه ودراسته طوال سنوات هو خطأ وعندى فكر أو رأى آخر، ليصبح أى اختلاف جريمة تدخل صاحبها فى دائرتين وربما ثلاث، دائرة التكفير ودائرة الحبس ودخول السجن، والدائرة الثالثة هى اغتياله جسديا بعد اغتياله معنويا !! وفى اليوم الذى كان يتم النظر فيه إلى الاستشكال المقدم من قبل رئيس هيئة الدفاع (جميل سعيد) المحامى عن الباحث (إسلام بحيرى) من أجل وقف تنفيذ الحكم الصادر ضده من محكمة الجنح المستأنفة والتى أصدرت حكما بحبسه عامًا واحدًا لإدانته فى قضية تسمى (ازدراء الدين الإسلامى) بعد التخفيف، حيث كان الحكم الأولى (خمس سنوات). • مخالف للقانون قدم فريق الدفاع عن (إسلام) طعنا على الحكم إلى محكمة النقض ينص على طلب بطلان حكم محكمة الجنح المستأنفة بطلانا يصل إلى حد الانعدام لصدور حكم سابق فى نفس الواقعة على (إسلام بحيرى) يقضى ببراءته من محكمة جنح قسم أول أكتوبر، ويرى فريق الدفاع أن إعادة القضية فى ذات الواقعة أمر مخالف للقانون!! كانت هذه السطور ضرورة لتوضيح الموقف القانونى فى قضية (إسلام بحيرى) التى تندرج تحت (ازدراء الدين الإسلامى) عدة تهم أخرى منها (العيب فى الذات الإلهية) و(الانتقاص من الشريعة الإسلامية)، وكانت هناك تهم أخرى فى قضية ثانية وهى (العيب فى السنة النبوية والتهكم على صحابة رسول الله والسخرية من أئمة الفقه الإسلامى والسنة! حصل إسلام على البراءة فى هذه التهم ويظل اتهامه بازدراء الأديان أو بمعنى أدق ازدراء الدين الإسلامى) وإن تم تأجيل الاستشكال فيها إلى الحادى عشر من يناير الحالى وحتى كتابة هذه السطور لم يكن يتضح هل سيتم قبول الاستشكال من عدمه !! • مشهد المحكمة عند دخولى إلى قاعة المحكمة وجدت قرابة الخمسين شخصًا جاءوا مناصرة ل(إسلام) فى قضيته، معظمهم وجوه غير معروفة، بينما اختفت الوجوه المألوفة من المثقفين والكتاب وحتى النجوم الذين كانوا على علاقة وطيدة (بإسلام) أيام شهرة برنامجه !! وأيام التألق، نعم انسحب الكثيرون حتى هؤلاء الذين كانوا يعجبون بأفكاره وآرائه وكانوا حوله يتباهى إسلام بأنهم يؤيدون أفكاره ويدفعون بتجديده لغة الخطاب الدينى ويقفون خلفه متحمسين لهجومه على أفكار الإخوان والسلفيين وتفنيده لحججهم وأقوالهم والضرب بها عرض الحائط! وأعود إلى مشهد بهو المحكمة فعند دخولى سألت موظفا داخل المحكمة عن وقت عرض استشكال (إسلام بحيرى) فرد على الرجل: (هو مين إسلام ده، أنا ما أعرفوش) إنتى تقولى لى رقم القضية أقولك هى (فين وإمتى) !! كانت إجابة الرجل لا تدل على عدم معرفة بإسلام أكثر من كونها طريقة للاستخفاف به والتحقير من شأنه، إلا أننى سرعان ما عرفت مكان قاعة الاستشكال من المؤيدين الذين جاءوا يحملون بعض اللافتات التى تندد بالفكر السلفى الوهابى وتتهم الأزهر بالرجعية وتطالب بالإفراج عن إسلام فورا. وهذا بالطبع لم يمنع من وجود بعض من مؤيدى الأزهر وموقفه من إسلام، منددين بأفكار إسلام الكافرة من وجهة نظرهم يطالبون بتغليظ العقوبة عليه ترتسم السعادة على وجوههم لأنه دخل إلى ظلمات السجن يتحدثون عن تعجرفه وغروره فى طرح الأفكار وتهكمه وسخريته من أئمة وفقهاء كبار من وجهة نظرهم أيضا إسلام تهكم على شيوخ سلفيين لهم أتباع ومريدون، ليقف الشامتون مع المؤيدين فى مشهد واحد أمام باب قاعة الاستشكال لمدة تتجاوز الست ساعات فى انتظار السماح لهم بالدخول إلا أن الجميع فوجئ بإسلام مكبلا خسر من وزنه الكثير يحاول أن يخفى وجهه من عدسات التصوير وشماتة الشامتين يدخل إلى مكتب القاضى فى حراسة أمنية مشددة ليمثل أمام المستشار (هشام حمدى) فى جلسة سرية يؤجل بعدها القاضى تاريخ الفصل فى الاستشكال!!.. حضر فى هذا اليوم الباحث (سيد القمنى) الذى قال لى إنه لم يأت مساندا لإسلام فقط بل جاء مساندا للفكر والحرية فى التعبير، ويكمل: أنا هنا لأساند مصر فى كبوتها ما هذا الموقف المخزى لوزير الثقافة الذى يتجاهل التدخل فى مثل هذه القضية المهمة وأعتقد أن لو هذه الأحداث حدثت وقت تولى د. (جابر عصفور) وزارة الثقافة لكان الموقف مختلفًا ويكمل: تعرضت لكل أنواع الضغوط والتكفير واتهامى بالإلحاد ورفعوا على القضايا وتم تهديدى بالاغتيال والنفى خارج مصر، أنا هنا لأقف مع إسلام ومع كل واحد له فكر. تحدثت مع الباحث الإسلامى (إسماعيل حسنى) الذى جاء مؤيدا لإسلام بحيرى برغم اختلافه مع إسلام فى طريقة عرض أفكاره التى قد وجدها البعض مستفزة ويقول: أنا متضامن مع إسلام حتى وإن اختلفت معه فى الطريقة التى كان يعرض بها أفكاره ورؤيته لأنه كان بها بعض الغرور والتهكم إلا أننى أجد أن إسلام لم يخطئ ومن حقه أن يفكر ويجدد الخطاب الدينى، ألم يطالب رئيس الجمهورية بذلك (بتجديد الخطاب الدينى) وتوضيح الأفكار التى يراها الدواعش والمتشددون حجة لهم فى أفعالهم، ماذا فعل إسلام غير ذلك، إسلام يفند حجج كتب التراث وينتقد البخارى ومسلم وابن تيمية لكنه لم ينتقد الرسول ولا صحابته ولا آل بيته فعلى ماذا تتم محاكمة إسلام بحيرى !! • متى سيخرج اسلام لم يقف إسلام بحيرى ضد ثورة الثلاثين من يونيو بل كان مؤيدا لها كاشفا لأفكار الإخوان والجماعات الإسلامية المضللة التى تريد أن تصل إلى الحكم مع أعناق وأسنة رماح الكتاب والسنة يستغلون جهل العوام وفكرهم الضيق فى أشياء كانت بالنسبة لهم من المسلمات والثوابت إلا أن إسلام ومن مثله كان يجد لها طريقا آخر يكشف عن دهاليزه التى اختلط فيها الحق بالباطل والافتراء والكذب بالصدق والإيمان، نعم كان يظن (إسلام نفسه) ابن الدولة وأنها تستطيع حمايته من كل شيوخها ومؤسساتها الدينية كان يتوقع أن يتم اغتياله وتصفيته جسديا ولكن لم يكن يخطر فى باله عندما قابلته منذ سنة بالتمام والكمال أن تؤول الأحداث ومجريات الأمور لهذا المآل العسير ولم يكن يتصور أن أبحاثه باتت كبوة له تضع القيود فى يديه وعقله.. ليصبح التساؤل: ليس متى سيخرج إسلام من السجن؟ بل هل سيفكر إسلام بحيرى فى عرض أفكاره وأبحاثه إلى العلن مرة أخرى؟ وهل يستطيع أن يدخل من جديد فى أى صراع آخر أم إن سجنه كان درسا قاسيا ولطمة قاسمة لظهره وقاسمة لغيره ممن يفكر أن يكون له رأى أو نقد، فلم يكن مصيره مثل الدكتور نصر حامد أبوزيد الذى افترق عن زوجته وتم تهجيره بعد هروبه من حكم بالسجن ولم يكن مصيره مثل فرج فودة الذى اغتيل فى وضح النهار ! نعم تحول حلم إسلام بحيرى إلى كابوس وطن بالفعل تم ضرب المربوط ليخاف أى سايب يتجاسر أو يناظر ضد أى فكرة أو ضد أى إمام أو شيخ، إسلام بحيرى تختلف أو تتفق معه أصبح دون أن يدرى رمانة الميزان فى سوق كبيرة باتت فيها الأصوات العالية التى تلعب على حبال الدين وباسمه كثيرة فهل يعود صوت إسلام يعلو بين أصوات إسلامهم !! •