تزامنت سنوات طفولتى وتكون مخيلتى ومخزون ذكرياتى الجميلة مع مرحلة توهج تلك الجميلة على الشاشة الفضية حيث حفرت اسمها بحروف من نور فى تاريخ الصناعة وجعلت اسم الفوازير مقترنا باسمها وجعلت تلك الطفلة تنتشى سعادة وبهجة بمجرد سماعها لتلك المقامات الموسيقية المميزة لأعمال اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصاحبة لأعمال القطاع فى هذه الفترة، لأجرى وأجلس أمام شاشة التليفزيون لتصحبنى معها فى عالمها الساحر، مازلت أتذكر هذه اللحظات وكأنها الآن. كنت أجلس على الأرض بالقرب من التليفزيون قدر المستطاع لأشاهد حتى طريقة كتابة اسمها على الشاشة والبريق الذى يطل منه. ثم تأخذنى أزياؤها التى دائما ما كانت تتميز أيضا ببريق مميز يغلب على معظمها، ببريق يشبه عينيها إلى حد كبير فكلاهما ساحر، ومع انتصاف شهر رمضان ومع المتابعة اليومية للتيترات كنت أقترب من حفظ بعض الحركات المميزة لأبدأ فى تقليدها مع الموسيقى يوميا، تابلوهات راقصة مصرية وأجنبية، وأتذكر رقصتها الخليجية التى جعلتنى أتخذ القرار بأننى سأكون من ذوات الشعر الطويل مثلها لكى أتمكن من أن أميل بشعرى يمينا ويسارا مثلها، وحتى يومنا هذا لم أتخل عن طول شعرى وأصبح واحدة من صفاتى ولا أحد يعلم أن القصة بدأت معى فقط لأنى أقلد شريهان. الحلوة، بهية الطلة، أسرتنى بحركاتها وشقاوتها وحركات عينيها، تلك الحالة التى لم أخرج منها حتى الآن، مازال قلبى يخفق مع سماعى لتيترات فوازيرها حتى الآن، أتذكر طفولتى السعيدة لأسباب عديدة والتى كانت هى أحد عناصرها. مرت السنوات لأشاهدها فى الحقيقة مرتين إحداهما فى ميدان التحرير وأخرى فى حفل تكريم الأستاذ جمال بخيت، وللأسف فى المرتين لم أشاهدها سوى لثوان قليلة، ولكنها كانت أكثر جمالا من الصورة التى كانت فى مخيلتى، لم يأخذ الزمن من جاذبيتها ولا من تلك الهالة المحيطة بها، بل كانت أكثر جمالا، إذ لم يكن جمالها فقط من تلك الجاذبية التى تضفيها الشاشة على نجومها، بل جمالها نابع من كونها (شريهان) تلك المتفردة التى لن تتكرر مرة أخرى على مدار أجيال كاملة. شريهان ملأت الحياة سعادة وبهجة ومشاعر إيجابية وذكريات لجيل كامل، قدمت مدرسة خاصة بها فهى لم تقدم رقصات ولا استعراضات عادية بالمرة بل فى كل رقصة وتابلوه قصة وحدوتة، أداؤها الذى يجعلنا عندما نسمع أى أغنية غنتها شريهان نتذكر لا إراديا لفتاتها وحتى حركة عينيها، فوازير ومسرحيات وأفلام واستعراضات وحالة بهجة وسعادة اقترنت معى ومع أجيال كاملة بهذا الاسم «شريهان». • الفراشة عن بدايتها قالت شريهان فى حوار صحفى عام 1988: «تفجرت موهبتى وحبى للفن من عمر ثمانى سنوات، كنت بصحبة والدتى وأختى «جيهان خورشيد» فى بيروت حيث كان أخى الأكبر «عُمر خورشيد» يقوم بعزف منفرد لمدة ساعة، وذهبنا إليه لنشاركه فى سهرة عيد ميلاده وحضر السهرة الفنان عبدالحليم حافظ والفنانة وردة وقمت أرقص على أنغام موسيقى أخى عمر خورشيد، فأعجبت بى الراقصة نجوى فؤاد التى قالت لوالدتى «سوف أكون مزاحمة خطيرة لها عندما أكبر».. ومنذ تلك الليلة اهتمت والدتى بمواهبى الفنية وألحقتنى بمدرسة للرقص لكى أتقن فن الاستعراض إلى جانب دراستى، ومن هنا بدأت أخطو فى طريقى نحو عالم الفن من تليفزيون وسينما ومسرح».. وعندما سُئلت شريهان عن أول شخصية فنية توقعت لها النجاح قالت: «عندما شاهدنى الفنان الراحل عبدالحليم حافظ أول مرة وأنا أرقص وأغنى فى إحدى سهرات الأسرة، مال على وقال لى: أنا متعاقد معك على بطولة فيلم لأنى أرى أنك أفضل من تمثل دور ابنتى فى السينما، إلا أن الأجل لاحقه ورحل عن دنيانا فى وقت قصير ولم تتحقق هذه الأمنية». • حاجات ومحتاجات «حاجات ومحتاجات - حول العالم، ألف ليلة وليلة» نافذة من البهجة فتحتها لنا هذه الجميلة على الشاشة لنطل منها على عالم سحرى ملىء بالأبهاء والأضواء قالت شريهان عن عالم الفوازير: «الفوازير كلمة كبيرة وصعبة ولا تريحنى بل ترعبنى لأنها مسئولية والتزام، ومنذ أول خطوة فى العمل لم يعد من حقى أن أنام أو أمرض أو أتأخر لأنى دءوبة فى عملى ومن النوع «الموسوس» اتابع كل شىء مع فريق العمل، تصميم رقصات، النص، الملابس، الديكور، الإضاءة، الإخراج، أنا حصلت على شهرة وجماهيرية وانتشار لو كنت عملت عشر سنوات مكنتش حصلت على ما حققته من الفوازير، أعطتنى الكثير ولن أستطيع أن أوفى دين المرحوم فهمى عبدالحميد لأنه يوم ما اختارنى لبطولة الفوازير بعد الفطاحل ثلاثى أضواء المسرح ونيللى كانت مخاطرة منه، مفيش شك إن فهمى عبدالحميد أعطانى قطعة ماس وثروة كبيرة من الجماهيرية فى كل مكان من الوطن العربى وإفريقيا». سُئلت شريهان عن أزيائها التى اتهمها البعض بالمغالاة فيها فجاء ردها بليغاً قائلة: فى رأيى أن فن الاستعراض عمل متكامل، لذلك لابد أن تتوافر جميع عناصره الديكور، الإخراج الإنتاج، الإكسسوار، الراقصون، الملابس الإضاءة وغيرها، فأنا لو ارتديت مثلا فستان سهرة بدون مكياج فمن الطبيعى أن يكون العمل فاشلا، مع العلم أننى لا أضع مكياجًا كثيفًا بل إن المكياج الذى أستعمله قريب من مكياج أى فتاة تذهب إلى ديسكو، أما بالنسبة إلى الملابس فأنا لن أبخل عليها ولو كانت الفزورة تتطلب دور طفلة سأرتدى فستان طفلة، أما لو كانت صعيدى فسأرتدى جلابية صعيدى، وطبعا لابد لى أن «ألمع» فأنا لا أمثل دراما، والاستعراض إبهار وأولى خطوات الاستعراض أن تكون الملابس مبهرة ،لذلك لم أبخل بأى شىء بل تكلفت نفقاتها فى سبيل أن يكون العمل مكتمل العناصر وأعتقد أنه ليس عيباً أن أصرف على عملى لكى يحقق نجاحا». • السينما عندما سُئلت شريهان فى حوار عام 1997 عن أفلامها المفضلة فقالت: اعتبر أن أول فيلم حقق لى نجاحًا ثابتًا كان «الطوق والأسورة» لقد كان فيلما كبيراً ودورى فيه كان دوراًً لا يُنسى، كان فيلماً متكاملاً كل ما فيه صح «مية فى المية» من الأداء إلى اختيار الممثلين والمونتاج والموسيقى، وهناك أيضا «العذراء والشعر الأبيض»، ومن أهم أفلامى أيضا فيلم «شارع السد» و«خلى بالك من عقلك» الذى كان فيلما مهما فى حياتى حيث وقفت أمام «عادل إمام» لأن الوقوف أمام «عادل إمام» فى ذلك الحين وبالنسبة لى شىء كبير جداً وكانت تلك الفتاة محور الفيلم، وأتوقف عند دورى فى «جبر الخواطر» مع الراحل عاطف الطيب دور صعب ومركب للغاية يمتزج فيه منتهى العقل مع منتهى الجنون، وأنا أحب الأدوار التى تفجر الطاقات لذلك كنت سعيدة جدا بهذا الدور كما أنا سعيدة جدا بدورى فى فيلم «عرق البلح». عن تجربة المرض قالت: هى أصعب تجربة، فالمرض صعب لا يدرك صعوبته إلا من عاشه، عندما يقترب الإنسان من «الله سبحانه وتعالى» ويستشعر مدى رحمة «الخالق»، علمنى أن أكون شاكرة واستشعر عظمة النعم التى وهبها «الله» لى وإلا أكون ساخطة على امتحان يريد الخالق وضعى فيه.. وكأنها استشرفت بحال الفن وما الذي سيحدث فى السنوات التالية والمؤشرات التى بدأت فى الظهور من وقتها، إذ قالت عندما سئلت فى مجلة الكواكب عن رأيها فى مجال الفن الآن: «أنا غير راضية على ما يحدث على المستوى الشخصى وأريد أن أعبر عن جيلى، السينما المصرية يعمل فيها كل من هب ودب، والمنتجون هم المسئولون عن هذا، هم المسئولون عن ذنوب السينما، فإذا رفضت شريهان القيام بالدور يستدعون على الفور راقصة شرقية للقيام بالدور وإذا اعترضت بعض الفنانات الموهوبات سيتم الاستغناء عنهن واستدعاء فتيات الإعلانات صاحبات الشعر الأصفر والعيون الخضراء للقيام بأدوارهن. فى عيد ميلادها الذى حل منذ يومين نتذكر الحالة التى ليس لها شبيه ولن تتكرر .. «شريهان» .. كل سنة وأنت بألف خير.•