مئات الملايين تدور داخل الأسواق بين النصب والبضائع المهربة وبيزنس كروت الشحن وقبلها قضايا التسويق الهرمى وشراء الوهم وسوق الفوركس مقابل بعض الكلمات المعسولة عن الربح السريع والتجارة الحلال وفى النهاية تضيع ممتلكات المصريين وسط غياب الفرص الاستثمارية الحقيقية التى تقدمها البنوك أو البورصة. ولا يمكن للنصابين أن يعملوا بنجاح إلا إذا كان الطماعون يحيطون بهم من كل جانب ليبدأ العزف على مشاعر الربح السريع والانتقال من طبقة إلى أخرى وتدعيم كلماته المعسولة بقصص وروايات عن أشخاص تحولوا على يديه من أصحاب ممتلكات بعد أن كانوا معدمين. سقوط المستريحين منذ أن سقط أول «مستريح» فى الصعيد ويدعى «أحمد إبراهيم» بعد أن كشف النائب العام عن حجم الأموال المطلوبة منه للمواطنين فى قنا وغيرها من المناطق التى تقدر ب 54 مليون جنيه تقريبا.. توالى سقوط أقرانه فى المحافظات المختلفة حتى ظهر اعتقاد بأن لكل محافظة مستريحها الخاص الذى يعمل بعيدا عن الأجهزة الرقابية فى الوقت الذى يلجأ فيه المواطنون له بحثا عن مصدر للرزق بعد أن يئسوا من أرباح البنوك والتربص الواضح بالبورصة. وفى محافظة دمياط سقط «أيمن. أ» مستريح جديد فى دمياط وبعد تقديرات نيابة الأموال العامة اتضح أنه استولى على مليون و 700 ألف جنيه للتجارة فى الأراضى والعقارات. وفى محافظة كفر الشيخ سقط مستريح جديد يبلغ من العمر 30 عاما بعد أن جمع أكثر من ثلاثة ملايين جنيه.. أما مستريح العجوزة فحصل على أربعة ملايين دولار للمتاجرة بها فى سوق الفوركس- تجارة العملات الممنوعة فى مصر- بعد اتهام 26 من المواطنين له بالنصب عليهم. وتأتى واقعة ثلاثة مستريحين من مؤيدى الإخوان لتعيد إلى الساحة أزمات شركات توظيف الأموال فى الثمانينات، التى كان يجرى استغلال الدين فيها لجذب الأموال حيث توجه عدد من المواطنين للنائب العام لتقديم بلاغات ضد ثلاثة متهمين منهم شخص يدعى «الغول» بسبب استيلائهم على 50 مليون جنيه.. وألقت مباحث الأموال العامة القبض على مستريح «إمبابة» بعد أن جمع مبالغ من المواطنين بغرض توظيفها تقدر بمليونى جنيه.. ويقدر إجمالى المبالغ المنصوب على المصريين فيها بنصف مليار جنيه فى شهر واحد بناء على البلاغات المقدمة من المتضررين فى الوقت الذى يئس فيه المصريون من الاستثمار فى مجالات رسمية وآمنة بسبب ضعف المقابل. وقود الأزمة تكشف الحقائق والأوراق أنه لا فارق بين من فاته قطار التعليم والحاصلين على مؤهلات عليا، فالضحايا منهم ضباط ومهندسون وأطباء وأساتذة جامعات مرموقة ورغم ذلك سقطوا فى فخ المستريح.. ويبدو أن الشعب المصرى استهوته فكرة الكسب بلا عمل ومن هنا قفزت فكرة برامج المسابقات على القنوات الفضائية التى تنهش أموال المصريين بشكل دورى دون رقابة واضحة فى الوقت الذى تفرض فيه الدول الأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية أرقاما خيالية كضرائب على المسابقات تصل فى بعض الأوقات إلى 60 %، فضلا عن وجود رقابة صارمة عليها بشأن شفافيتها ونزاهتها ونجم عن ذلك لجوء عدد من المستثمرين إلى فتح قنوات على أقمار يمكن استقبالها على الأطباق الموجهة تجاه القمر المصرى نايل سات من أجل جذب المصريين بعيدا عن الرقابة فى الوقت الذى كان على الدولة أن تراقبها شأنها شأن القنوات التى يجرى بثها للجماعة المحظورة بنفس الطريقة ويستقبلها المصريون لبث سمومهم من خلالها. غياب الثقافة شدد الدكتور فخرى الفقى مساعد المدير التنفيذى لصندوق النقد الأسبق على أن غياب الثقافة والمفهوم الدينى الصحيح لفكرة الفائدة تسبب فى إضرار الكثير من المصريين لادخار أموالهم بعيدا عن البنوك بوازع أن ما تمنحه هو ربا محرم شرعا وهو ما أسهم فى ظهور الاستثمار غير الرسمى من جانب اشخاص يلجئون إلى ذلك الطريق للحصول على أكبر قدر من المكاسب. وأوضح الفقى أن أغلب المواطنين يبحثون عن أسعار الفائدة المرتفعة بعيدا عن الواقع الحقيقى لسعرها فعلى سبيل المثال لو أن البنوك تمنح 10% كعائد سنوى والتضخم وارتفاع الأسعار قفز إلى 12 % فسيعنى ذلك أن المواطن سيدفع الفارق من جيبه لذا يجب توعية المواطنين. وأشار الفقى إلى أن أوروبا أنهت الجدل بشأن شرعية البنوك فى الحصول على عائد من ورائها منذ خمسة قرون ونحن الآن لا نزال ندور فى تلك الدائرة المفرغة فى الوقت الذى يصل فيه إجمالى أموال المصريين فقط داخل البنوك إلى 10% عكس أوروبا التى تتجاوز فيها هذه النسبة بأرقام مهولة.. واختتم الفقى حديثه بأن ظاهرة المستريح طبيعية فى الوقت الذى يخشى فيه المواطن من مواجهة الدولة فى دفع الضرائب والحصول على التراخيص اللازمة لمزاولة النشاط والمعوقات التى يجدها والبيروقراطية لذا يجب عدم النظر إلى الأمر من اتجاه واحد بل يجب أن يكون حلها شاملاً ومن أوجه مختلفة. وترى الدكتورة بسنت فهمى الخبيرة المصرفية أن الجهاز المصرفى لم يقم بدوره فى جذب أموال المصريين وكان ذلك واضحا بشكل كبير وقت أن طلب الرئيس السيسى من المصريين المشاركة فى تمويل مشروع قناةالسويس وتوسعة المجرى الملاحى لها ووجدنا 28 مليار جنيه قادمة من خارج الجهاز المصرفى وهذا يعنى بشكل واضح أنه لا يقوم بدوره وما السبب كى يقوم هذا العدد الكبير من المصريين بوضع هذه الأموال فى منازلهم.. وأعربت فهمى عن اندهاشها من السياسة النقدية المتبعة حاليا بسبب رفع سعر الدولار وفى مقابل ذلك خفض الفائدة وبالتالى لجأت شريحة كبيرة إلى شراء الدولار من أجل الاستفادة من قيمته والعزوف عن التعامل مع البنوك. آفة اجتماعية أكدت الدكتورة سامية الساعاتى أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس وعضو المجلس الأعلى للثقافة أن ظاهرة «المستريح» ليست جديدة بل هى عزف على وتر قديم.. فالمصريون مولعون منذ زمن طويل بالجرى وراء المكسب السريع وذلك لأسباب كثيرة فهم ليسوا شعباً غنياً بل فى مجموعه فقير وانتشرت ظاهرة السفر إلى البلاد العربية فى السبعينيات من القرن الماضى من أجل الحصول على أموال والعودة بها إلى مصر من أجل تأمين المستقبل. وأشارت الساعاتى إلى أن الضحايا دائما هم ضحية الطمع وذلك بغض النظر عن المستوى التعليمى.. فأغلب المصريين مهيئون لذلك بسبب حاجتهم إلى التنقل بين الشرائح داخل المجتمع، وبالتالى فإن فكرة الحصول على الأموال بدون عمل من سمات الكثير من المواطنين فى الوقت الحالى.. وأضافت الساعاتى أن ظاهرة المستريح تبدأ بحلم يحاول ترويجه النصاب من أجل الحصول على أكبر قدر من الأموال وسرعان ما تنتقل العدوى من الأب والأم إلى الأطفال فالابن الذى يرى والدته تسجد لله من أجل الفوز بجائزة دون تعب أو جهد سرعان ما ستنتقل إليه تلك الثقافة ويصبح فريسة للنصابين فى المستقبل وكان من الأجدى زرع القيم الانسانية وضرورة العمل من أجل كسب الرزق بدلا من انتظار ضربات الحظ على شاشات التليفزيون أو ضخ أموال إلى أشخاص غير مؤهلين لإدارة الاستثمارات وكل ما يملكونه هو قدرة على الإقناع بأن المكسب قادم لا محالة.•